صاحب الجلالة يوجه خطابا الى الأمة بمناسبة عيد العرش

الرباط يوم 30/07/2002

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
شعبي العزيز
اذا كان خطاب العرش يكتسي كل سنة أهمية بالغة لكونه يرصد أحوال الامة ويرسم معالم العمل المستقبلي فان خطاب العرش لهذا العام يتميز بكونه يحل قبل أسابيع معدودة من انتخاب مجلس جديد للنواب. كما أنه يعتبر مطلعا لسنة حافلة بالاستحقاقات الانتخابية فلن يحل مثل هذا اليوم الأغر من السنة المقبلة بحول الله، الا وقد تم تجديد انتخاب سائر الموءسسات التمثيلية.
فهل سيتم التعامل مع هذه السنة الانتخابية بمنطق سياسوي ضيق يجعل من الانتخاب غاية في حد ذاته.
كلا لقد ألينا على نفسنا توخيا للمصالح العليا للامة اعتماد منظور استراتيجي يجعل منها سنة التعبئة الشامل وفرصة لمصالحة المواطنين مع مجالس منتخبة ذات مصداقية لتشكل سندا قويا للاجهزة التنفيذية ورافعة فعالة للتنمية الشاملة.
وقبل هذا وذاك حرصنا على ان نشاطرك شعبي العزيز استخلاص ما تحفل به هذه الاستحقاقات من دروس وعبر وما تحمله من وعود وتفتحه من أفاق.
لقد أبدى سائر الفاعلين المعنيين في اول ولاية تشريعية، عاشها المغرب في ظل التناوب من الحكمة والتبصر وحسن الارادة ما كان كفيلا ببلوغ الاهداف التي توخاها رائد التوجه الديمقراطي والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله والتي أخذنا على عاتقنا رعايتها حتى تتوافر أسباب النجاح كاملة لهذه المحطة الحاسمة من مسار بلادنا السياسي. وهذا ما جعل من التناوب خطوة هامة، على درب ترسيخ الديمقراطية اكتسبت فيها المعارضة السابقة ثقافة الحكم فيما مارست الاغلبية السالفة دور المعارضة البناءة.
وان المملكة المغربية المتحصنة باطارها الموءسساتي والدستوري المتماسك والمعززة بأصالتها العريقة وتقاليدها الراسخة والمدعمة بقيمها الروحية والاجتماعية والثقافية المتوازنة قد اظهرت بكل جلاء ومصداقية قدرتها على التحرك والتطور في انسجام تام بين ما رسمته جلالتنا من توجهات طموحة وبين العمل الذي أنجزته الحكومة والبرلمان.
وهذا الواقع الذي ما فتئ يتعزز باستمرار يعد ثمرة الخيارات التي سلكها المغرب والاصلاحات التي حققها طوال العقود الاخيرة من تاريخه.
واذا كنا في غنى عن استعراض تفاصيل هذه الحقبة فانه يجدر بنا أن نوءكد أن هذه المكتسبات التي تحققت بمساهمة جميع المغاربة تستمد قوتها ومشروعيتها واستمراريتها من المقومات الهيكلية والتوافقية التي تستند اليها والتي عملنا دوما على ترسيخها.
ولا يخفى عليك شعبي العزيز ان هذه الانجازات تكتسي دلالة خاصة اذا ما استحضرنا ما يحيط بنا من اوضاع اقليمية ودولية أفرزتها السنوات والاشهر الاخيرة التي عشناها والتي تميزت بتواتر حالات القطيعة والتنافر وتراجع عوامل التوافق والاستقرار والاطمئنان.
وقد عملنا على أن يظل المغرب سالكا سبيله بعزم وثبات، في خضم هذه التفاعلات متمكنا من متابعة انجاز برامجه وفق مخططاته مع الحفاظ على مدة انجازها رغم الظرفية العصيبة وما نتج عنها من اضطراب ومخاوف.
لذا وبصرف النظر عن صخب النقاش السياسي والانتخابي الجاري فان علينا أن نقدر ما شيدناه جميعا لصالح مجتمعنا. كما يتعين علينا أن نقف على ما يجب انجازه أو تحسينه أو تداركه أو الاسراع به. ونقصد بذلك أداءنا الاقتصادي المرتبط دوما وحتما بالمرتكز السياسي الذي نوهنا بفضائله ونتائجه.
واذا كنا قد كسبنا معركة ترسيخ توجهاتنا الديمقراطية لجعلها خيارات لا رجعة فيها. فهل معنى هذا أن الكل يدرك ما تطلب ذلك من جهود وتضحيات وأن ديمقراطيتنا محصنة من كل المخاطر والتجاوزات.
اننا مطالبون باليقظة الدائمة والتعبئة المستمرة للحيلولة دون استغلال الديمقراطية، واتخاذها مطية لاغراض منحرفة من طرف من يحلمون بالعيش الرغيد في تقاعس واشاعة للاحباط واليأس وكأن المغرب قد ولى ظهره لتاريخه وتنكر لمستقبل أبنائه وأمالهم.
هذه الامال النابعة من التطلع لمستقبل أفضل كفيل بالاستجابة لطموحات الاجيال الصاعدة الى المزيد من الكرامة والامن والتقدم من خلال تمكين المواطن من العيش الكريم وتحقيق التنمية القروية، وتوفير أسباب التشغيل للشباب وذلك بخلق المزيد من الثروات في بلادنا وبالعمل على توزيعها توزيعا اكثر عدالة وانصافا.
فعلى كل منا أن يدرك ما يتعين القيام به مستقبلا حتى تكون الحرية والتعددية والتنوع التي تميز مشروعنا المجتمعي عوامل للتقدم والحداثة في الحياة السياسية ببلادنا، جاعلين من هذه السنة منطلقا جديدا للتأهيل الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلادنا.
شعبي العزيز،
ان التأهيل السياسي للمغرب يقتضي التعامل النبيل مع الانتخابات باعتبارها استثمارا سياسيا كفيلا بما يضفيه من مصداقية وفعالية على الموءسسات بأن يعود بالنفع على جلب الاستثمار الاقتصادي وحفزه وايجاد ثروات جديدة لرفع تحدي التنمية الشاملة.
ومن ثم حرصنا على توفير كل الشروط والضمانات اللازمة لتكون الديمقراطية هي الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات. واننا لننتظر من الاحزاب السياسية أن تتنافس في طرح برامج حكومية واقعية وقابلة للانجاز، محددة في وسائل تمويلها ومدة تحقيقها، وتتضمن حلولا للقضايا الاساسية للامة، وللانشغالات اليومية للمواطن. وهي برامج طالما خاطبتكم بشأنها وكرست كل جهودي لتجسيدها على أرض الواقع.
واذا كانت المنافسة الديمقراطية ضرورية فان لها حدا هو المصلحة العليا للبلاد.
لذلك عملنا على مواكبة توسيع فضاء الحريات العامة وحقوق الانسان بتوفير الاجهزة المكلفة بحمايتها وتحديد شروط ممارستها بما يلزم من وسائل وضمانات.
وفي هذا الصدد سنقوم في الاسابيع المقبلة بحول الله بتنصيب كل من المجلس الاستشاري الجديد لحقوق الانسان وديوان المظالم.
كما اننا عازمون على تعميق روح الطمأنينة لدى المواطن بتدعيم سلطة موءسسات الدولة حول ثوابت الامة في اطار دولة قوية تسهر على الاحترام الصارم للقانون وسيادته ومساواة الجميع أمامه.
ويعد اصلاح القضاء من الركائز الاساسية في هذا الشأن فضلا عن توفيره لمناخ الثقة التي تعد خير محفز على الاستثمار. وحتى يأخذ تسريع النهج الاصلاحي القضائي وتيرته القصوى، فانه ينبغي تعزيز الموارد المالية والبشرية المرصودة لقطاع القضاء بشكل يمكن من مواصلة اعادة الاعتبار للعدالة وتحديثها وتأهيلها لكي تنهض على الوجه المطلوب بالمهام النبيلة الجسيمة والمتزايدة المنوطة بها.
كما أولينا اهتماما خاصا لقضية النهوض باوضاع المرأة في مختلف مجالات تدبير الشان العام، محددين أجلا لايتعدى نهاية هذه السنة، للجنة المكلفة لاقتراح مشروع مدونة جديدة للأحوال الشخصية يراعي مقاصد شريعتنا السمحة والتزاماتنا الدولية في هذا الشأن.
وما كان للمغرب الذي يعرف تطورا متواصلا على درب الحداثة والديمقراطية أن يكون مشهده السمعي- البصري غير مواكب لهذا التطور بما يستجيب لحاجة المواطن لمشهد اعلامي يجمع بين المعاصرة والجاذبية واحترام ثوابت الامة ونهوضا بالتزامنا الدستوري بصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيأت، عملنا على وضع ظهير شريف يقضي باحداث هيأة عليا للاتصال السمعي - البصري كموءسسة مستقلة متوفرة على الوسائل الضرورية للنهوض بمهامها بكل تجرد.
وقد توخينا من ذلك ضمان الحق في الاعلام من خلال تكريس حرية احداث صحافة ووسائل سمعية بصرية مستقلة وانهاء احتكار الدولة لهذا النوع من الاعلام مع توفير مرفق عام للاذاعة والتلفزة جدير بضمان التعبير عن مختلف الاتجاهات. وذلك في نطاق احترام قيمنا الدينية ومقومات هويتنا الوطنية وقوانين المملكة.
شعبي العزيز، إن ديمقراطيتنا ستظل هشة ما لم يتم تعزيزها بتنمية اقتصادية وتضامن اجتماعي.
وإذا كنا قد حققنا عدة مكاسب سياسية، فإننا نعاني معضلة عدم الانتاج وخلق الثروات وسوء توزيعها اجتماعيا. وهذا ما يحتم علينا خوض معركة الانتاج وحفز الاستثمار بهدف تأهيل اقتصادنا الوطني وتقوية إنتاجيته ومردوديته.
كما يفرض علينا تأهيل مواردنا البشرية التي هي ثرواتنا الاساسية ضمن منظور يحرر طاقاتها الخلاقة لخوض أوراش الانتاج بتنافسية واقتدار. ولن يتأتى لنا ذلك إلا إذا اعتبرنا أن اقتصاد السوق ليس شرا والربح ليس عيبا والعولمة ليست خطرا. بل إن حسن تعاملنا معها من شأنه أن يجعل من هذه العوامل كلها مصدرا للثروة ومدخلا للعدالة الاجتماعية.
وهذا ما يقتضي نهج سياسة اقتصادية ومالية متنافسة ذات منظور واضح وأسبقيات محددة في برامج تعاقدية بين السلطات العمومية والقطاع الخاص مع مواصلة نهوض صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدور الرافعة القوية في هذا المجال.
ومن شأن الاسراع بتأهيل اقتصادنا وتحويله من اقتصاد ريعي انتظاري الى اقتصاد السوق، أن يجعلنا نكسب رهان اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية ودول جنوب المتوسط الموقعة على إعلان أكادير وندعم دور المغرب كقطب محوري لمبادلات القارات الثلاث.
وفي هذا الصدد فإن تفعيل المراكز الجهوية للاستثمار وتنفيذ مختلف التوجيهات الواردة في رسالتنا لوزيرنا الأول بشأن التدبير اللامتمركز للاستثمار وما ينبغي أن يواكبه من إصلاحات قضائية وإدارية وتشريعية ومالية واجتماعية أن يجعل من السنة المقبلة إن شاء الله سنة التأهيل الاقتصادي بامتياز.
وإذا كنا قد سجلنا إيجابية بعض المؤشرات الاقتصادية فإن الواقع العنيد يظل يسائلنا بإلحاح.. لماذا تجد بلادنا صعوبة في تحويل هذه المؤشرات إلى حركية اقتصادية.
إننا معنيون جميعا بهذا الواقع. ويتعين علينا أن نكسر أغلال الشك المحبط والتخوف غير المبرر ونستبعد الانتظارية التي طالما أضعفت اقتصادنا وعرقلت تطوره.
إن الإيمان بما لدينا من طاقات وبما يحركنا من حوافز للمضي قدما على درب التقدم والرخاء لايتجسد بمجرد خطاب أو قرار سياسي وإنما هو رهين بمدى الإرادة الذاتية والمبادرة المقدامة، وذلك ما نفتقر إليه لذا يجب أن ننطلق من تقييم واقعي متبصر لأوضاعنا الاقتصادية ومن تصور واضح وتحديد دقيق للأهداف التي يجب علينا تحقيقها بجد وحزم للإسراع بوتيرة النمو الاقتصادي لبلادنا وتوسيع دائرته.
لقد آن الاوان لوضع تقييم محكم وتخطيط عقلاني لما يلزم القيام به في المستقبل حتى يتحقق التطابق المأمول والانسجام المنشود وحتى نتمكن من حسن استثمار ما تحقق من تقدم في المجالين السياسي والإقتصادي مع الالتزام بالفعالية والمردودية وترتيب الأولويات وفق جدول زمني محدد. وكل ذلك في نطاق التقيد بسياسة حسن تدبير الشأن العام التي اعتمدتها المملكة من أجل تحقيق التحديث الاقتصادي والتنمية المستدامة.
شعبي العزيز
عملا على تأهيل مواردنا البشرية فإننا قد قطعنا خطوات هامة في مجال إصلاح المنظومة التربوية. بيد أن هنالك خطوات كبرى مازالت تنتظرنا في نهج سياسة تعليمية متناسقة. كما أن متابعة وتقييم وإغناء تفعيل إصلاح التعليم تتطلب تعزيز المهام التي تنهض بها بكل موضوعية ونزاهة اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين وذلك في أفق إيجاد جهاز قار يتولى مهام التقييم المتجرد والشمولي للمنظومة التربوية في تعاون مثمر وتنسيق تام مع القطاعات المختصة ومع جميع الفاعلين في هذا المشروع المصيري. وقد قمنا بإعطاء دفعة قوية لهذا الإصلاح بتنصيب مؤسسة محمد السادس للنهوض بالاوضاع الاجتماعية لأطر التربية والتكوين وبتحسين وضعيتهم داعين الأسرة التعليمية للانخراط بحزم وعزم وغيرة وطنية في هذا المشروع الكبير
ولأن توسيع ثقافة المواطنة رهين بالقضاء على الأمية فإننا عازمون على إعادة النظر في الاجال المتوقعة لاستئصال أفتها.
وتجسيدا لالتزامنا بتأكيد الاعتبار لكل مكونات هويتنا الثقافية في ظل الوحدة الوطنية كان تنصيبنا للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية. وسنظل حريصين على سيادة روح التسامح والانفتاح بين الثقافات والحضارات محلية أو عالمية وعلى التحصين من كل أنواع الغلو والتشدد في اعتزاز بالجوانب المشرقة في أصالتنا مع اعتماد الحداثة والعقلانية.
وسيظل تأهيل مواردنا البشرية رهينا بترسيخ ثقافة التضامن وجعلها عماد السياسات العمومية والتحول بها من الفعل العفوي الى العمل المؤسسي.
ونجدد التأكيد في هذا الشأن على الاهمية الخاصة التي نوليها للاشخاص المعاقين باعتماد برامج مندمجة تؤهلهم للانخراط التام في الحياة العامة من خلال تكوين ملائم يوفر لهم أسباب العيش الكريم.
ولايفوتنا أن نعرب عن ابتهاجنا واعتزازنا بارتباط رعايانا الاوفياء المقيمين في الخارج بوطنهم وتعلقهم بأواصر البيعة الخالدة والهوية الحضارية الأصيلة وحرصهم على القرابة العائلية وصلة الرحم مجددين الاعراب عن بالغ تقديرنا لمساهمتهم الفاعلة في مجهود التنمية الاقتصادية، والاشعاع الدولي للمغرب وعن عزمنا الاكيد على أن يكون لهم ماهم جديرون به من حضور وازن ومشاركة فاعلة في كل مجالات الحياة الوطنية.
كما نود أن نؤكد لهم موصول عنايتنا الفائقة بأحوالهم خارج الوطن وداخله، وحرصنا على أن تستجيب الأجهزة المعنية لما يعربون عنه من تطلعات في إطار من التناسق المحكم والتكامل المثمر.
شعبي العزيز،
في خضم حرصنا الاكيد على معاينة أحوالك كانت زياراتنا لعدد من أقاليم المملكة وجهاتها في الجنوب والوسط والشمال مناسبة لتجديد روابط الوفاء والاخلاص الجامعة بيننا ولإعطاء الانطلاقة لعدة مشاريع تنموية.
وإذا كانت هنالك من جهات تحظى ببالغ اهتمامنا، وتجسد خيارنا الاستراتيجي لجعل الجهة فضاء محفزا على الاستثمار فهي أقاليمنا الشمالية والجنوبية التي نعمل على أن تكون نموذجا للتنمية الجهوية المندمجة.
وفي هذا الاطار وبموازاة مع جعل مدينة طنجة ومينائها الحالي من أكبر الموانىء والمراكز الترفيهية بالبحر الابيض المتوسط، فقد أعطينا تعليماتنا قصد دراسة وإنجاز مركب ضخم، مينائي وتجاري وصناعي على ضفاف البوغاز شرق طنجة. وإن من شأن مستواه الدولي وارتباطه بمناطق حرة تمكين الاقاليم الشمالية من تحقيق إرادتنا في فك عزلتها وتنميتها الشاملة ومن انخراط المغرب كفاعل وشريك في المبادلات الاقتصادية الدولية.
ونظرا لضخامة الاستثمارات والرهانات الاستراتيجية، وضرورة التنسيق المحكم بين جميع مكونات المشروع، وبين الهيئات العمومية، بما فيها وكالة تنمية الاقاليم الشمالية والفاعلين الاقتصاديين الخواص والأشقاء منهم والأصدقاء قررنا إحداث هيأة للقانون الخاص لها صلاحيات السلطة العمومية وكل الامتيازات الكفيلة بجعلها تنهض على الوجه الأكمل بجميع العمليات المرتبطة بإنجاز هذا المشروع الكبير
وعملا على الاسراع بتحقيق هذا المشروع الذي نتبناه بكل رعاية واهتمام فإننا نصدر تعليماتنا لحكومة جلالتنا، قصد اتخاذ التدابير القانونية الاستعجالية لإحداث هذه الهيأة.
وبنفس الحزم والعزم فإننا نوجه حكومتنا إلى اعتماد مسطرة تشريعية استعجالية بالنسبة لإحداث وكالة تنمية أقاليمنا الجنوبية الأثيرة لدينا التي سبق لنا الاعلان عنها بمناسبة زيارتنا الميمونة لمدينة العيون.
واننا لعازمون على ان تكون هذه الوكالة خير مجسد لتعبئتنا الوطنية ولعملنا الدؤوب على تفعيل منظورنا التنموي المندمج لهذه الاقاليم في نطاق وحدتنا الوطنية والترابية والتطور الديمقراطي الجهوي. ذلكم المنظور الذي على قاعدته قبلنا بمشروع الاتفاق» الاطار الاممي كأساس لايجاد حل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل حول مغربية صحرائنا.
وبقدر ما جاء هذا التوجه الوطني منسجما مع الدعم المتزايد الذي يحظى به الخيار العادل والسلمي الأممي على الصعيد الدولي زادت المواقف المعادية لخصوم وحدتنا الترابية معاكسة مكشوفة لهذا التوجه الاممي. وقد بلغ الامر حد تبني طرح تقسيمي أسقط كل التبريرات الواهية التي كان يتم تضليل الرأي العام العالمي بها تحت ذريعة الدفاع المزعوم عن مبدإ تقرير المصير.
وكما اكدنا ذلك للعالم أجمع أثناء زيارتنا المباركة لمدينة العيون فاننا نجدد الاعلان عن عزمنا الراسخ على صيانة وحدتنا الترابية وعدم التفريط في أي شبر منها. كما أننا نشدد على الرفض المطلق لكل طرح تجزيئي يستهدف النيل من سيادتنا ووحدتنا الترابية المقدسة لما ينطوي عليه من تهديدات ومخاطر بلقنة منطقة المغرب العربي ومجموع القارة الافريقية.
ومع ذلك فان المغرب بحكم ميراثه الحضاري ومشروعية حقه وثبات مواقفه والتزامه بقيم الاعتدال والحكمة والاتزان والثقة في المستقبل قد آثر عدم سلوك نهج القطيعة التامة مفضلا عليها استنئاف تفعيل أنشطة مؤسسات اتحاد المغرب العربي
وقد كنا نأمل أن يؤدي بناء الاتحاد المغاربي الى الالتزام بمنطوق وروح معاهدة مراكش وفي مقدمتها احترام السيادة الوطنية والوحدةالترابية لاعضائه وذلك بعدم السماح بأي نشاط يهدد أمن أي كيان أو حرمة أي نظام ويتنافى مع صيانة المصالح العليا لدولنا بمقوماتها الوطنية وما تقتضيه من سمو على كل الحسابات والاعتبارات.
غير ان الواقع المر يدلنا على ان موقف اللبس قد انكشف على حقيقته في الاتجاه السلبي المتبني جهارا لتمزيق الوحدة الترابية للمملكة المغربية في الجنوب وتأييد الاعتداء على التراب الوطني في ثغوره الشمالية.
فهل كان بامكان أي دولة من أعضاء الاتحاد ان تسلك غير ماسلكه المغرب فيما لو وقع المس بوحدتها الترابية واحتجاز طائفة من أبنائها كأسرى ضد المواثيق الدولية والمثل الانسانية والقيم الاسلامية.
اننا لن نسمح لنفسنا بأن يسجل التاريخ كوننا لم نعمل الا على تضليل شعوبنا وايهامها بأننا نحقق تطلعاتها للوحدة في حين ان مواقف البعض لاتزيد تلك الوحدة الا تمزيقا وتشويها.
ان تفعيل الاتحاد المغاربي لن يتأتي الا بتجاوز الاختلافات والمواقف المتعارضة ونبذ التآمر والتجزئة والخذلان وتحقيق الانسجام في الرؤى والوضوح في الاهداف واحترام الثوابت وسيادة روح الاخاء والثقة والتضامن والتشبع بروح الوحدة والحكمة والتوافق وانتهاج التدرج والعقلانية في توظيف الطاقات المشتركة لتحقيق تطلعات أجيالنا الحالية والمستقبلية الى قيام مجموعة متكاملة من شأنها ان ترفع تحديات التنمية والتكتلات الدولية وتكسب الرهانات الاستراتيجية للنظام العالمي لما بعد 11 شتنبر2001 .
وعلى هذه الاسس سيظل المغرب مستعدا للحوار البناء والعمل الجدي مع كل أشقائه من اجل بناء الاتحاد المغاربي الذي نعتبره خيارا استراتيجيا لامحيد عنه.
شعبي العزيز، لقد عرف العالم بعد احداث سبتمبر المؤسفة تغييرات جوهرية في بنية النظام العالمي والعلاقات الدولية لما كان لها من تداعيات وتأثيرات عميقة على الاستقرار والامن الدوليين. وقد كنا في طليعة من أدانوا بشدة تلك الاعمال الارهابية التي استهدفت الولايات المتحدة الامريكية الصديقة انطلاقا من كون المغرب البلد المتشبع بقيم الحرية والديمقراطية والسلام والتسامح والتعايش قبل وقوع تلك الاحداث الاثمة وسقوط جدار برلين وانهيار دكتاتورية الحزب الوحيد.
ومن ثم كان انخراط المغرب التلقائي والقوي في محاربة الارهاب حيثما كان. واننا لنشيد بيقظة وتعبئة أجهزتنا الامنية وقواتنا العتيدة وأفراد الدرك الملكي والامن الوطني وحنكة أطر وزارة الداخلية التي تمكنت من احباط مؤامرة ارهابية موجهة من الخارج ضد أهداف داخل التراب الوطني وخارجه.
وبقدر حرصنا على انفتاح المغرب واستمراره ملتقى لتفاعل الحضارات فاننا سنتصدى بقوة القانون لكل محاولة للمس باستقرار بلدنا الآمن. كما سنوطد بالمزيد من ترسيخ الديمقراطية وانجاز التنمية سلامة النسيج الاجتماعي والسياسي الوطني الذي نعتز بمناعته ضد كل أشكال التطرف أو العنف أو الارهاب.
ولأن الارهاب لا دين له ولا وطن فان عملنا الدوءوب من اجل تحصين بلادنا من دواعيه ومخاطره قد اقترن باسهامنا الدولي الفاعل في استئصال جذوره ضمن مقاربة شمولية.
وبصفتنا أميرا للموءمنين فقد أكدنا في افتتاحنا للموءتمرات الجهوية والدولية الكبرى الي شهدتها بلادنا على أن الاسلام يناهض الارهاب لأنه دين التسامح والاعتدال والتساكن والسلام وتكريس كرامة الانسان وضمان حقه في العيش الآمن. كما شكل انعقاد المنتدى المتوسطي في أكادير مناسبة سانحة لبلدان البحر الابيض المتوسط للتفكير في وضع تصور اقليمي لمحاربة الارهاب وترسيخ السلم والأمن في العالم أجمع ولا سيما في منطقة الشرق الاوسط.
وفي هذا السياق واصلنا انشغالنا الكبير بالاوضاع المتفجرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة فقمنا بزيارة مجموعة من الدول الشقيقة بالمنطقة وبادرنا بعقد اجتماع خاص للجنة القدس. وقد عملنا على بذل كل المساعي والجهود لدى مختلف الاطراف الموءثرة من أجل احياء عملية السلام، والعودة الى مائدة التفاوض دون قيد أو شرط وتدشين مرحلة جديدة من التعاون والاستقرار في هذه المنطقة التي عانت على مدى عقود طويلة من مواجهات أليمة ومآس مريرة.
كما تمكنا بمعية أشقائنا خلال قمة بيروت من دعم خيار السلام وذلك بتبني مبادرة شقيقنا الأعز صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية. تلك المبادرة التي اكدت أسس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والحق المشروع للشعب الفلسطيني الشقيق في اقامة دولة وطنية مستقلة، تتمتع بكل مقومات الاستمرار، وتكون عاصمتها القدس الشريف.
والتزاما منا بانتمائنا الافريقي المتجذر عملنا على توسيع قنوات الحوار موجهين حكومة جلالتنا لتفعيل اليات التعاون والتواصل مع البلدان الافريقية الشقيقة للمساهمة الفعالة في تحقيق التنمية والاستقرار للقارة الافريقية التي سعدنا باستقبال عدد من قادتها بالمغرب ومن بينهم روءساء دول نهر مانو التي نقوم بمساع لتحقيق التصالح فيما بينها.
والى جانب الحضور الفاعل لبلدنا في تحقيق الامن والاستقرار في العالم أولينا من خلال زيارتنا او استقبالنا لعدد من روءساء الدول الشقيقة والصديقة كل الاهتمام لاعطاء علاقاتنا السياسية الممتازة معها البعد الاقتصادي الذي يستثمر اشعاع بلدنا الديمقراطي ويجلب المزيد من الاستثمارات في اطار ديبلوماسية اقتصادية نشيطة.
وقد تمكنا مع صديقنا فخامة الرئيس جورج وولكر بوش أثناء زيارتنا الموفقة للولايات المتحدة الامريكية من توسيع مستوى شراكتنا الاستراتيجية مع هذا البلد الصديق. كما أن زيارتنا الميمونة لجمهورية الصين الشعبية قد أعطت دفعة قوية لتطوير علاقات تعاوننا المثمر مع هذا البلد الاسيوي العريق .
وفي نفس السياق اعطينا توجيهاتنا قصد بلورة مشروع اتفاقية التبادل الحر ما بين أربع دول عربية متوسطية ترتبط باتفاقيات شراكة مع الاتحاد الاوروبي واتفاقيات ثنائية بشأن اقامة مثل هذه المناطق فيما بينها مجسدين بذلك " اعلان أكادير" الذي يعتبر خطوة عملية مفتوحة امام جميع الدول العربية المتوسطية للدفع بمسلسل الاندماج الجهوي والتأسيس لحوار مثمر ومتوازن على الصعيد الاورو متوسطي.
وتنفيذا لالتزاماتنا في اطار التعاون المتعدد الاطراف احتضنت بلادنا وشاركت في عدد من الموءتمرات الدولية المعنية بالتنمية الاقتصادية المستدامة وحقوق الانسان.
واذا كان الهدف الاسمى لديبلوماسيتنا هو جعل المغرب بلدا مستكملا لوحدته الترابية، وعضوا فاعلا في محيطه الجهوي والدولي مجسدا لفضائل السلم والتعاون وحسن الجوار في اطار الاحترام المتبادل، فان له كسائر الدول حقوقا ثابتة ومصالح حيوية لا يمكنه التفريط فيها او التساهل بشأنها مهما كلفه ذلك من تضحيات وفي مقدمتها الحفاظ على سيادة الوطن وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة وفي اطار احترام الشرعية الدولية.
لذلك رفضنا ما قامت به الحكومة الاسبانية من اعتداء عسكري على جزيرة تورة التي توءكد الحقائق التاريخية والجغرافية والمستندات القانونية انها ظلت دوما جزءا من التراب الوطني تابعا لسيادة المملكة المغربية.
وبقدر تشبثنا برجوع الوضع في هذه الجزيرة المغربية الى ما كان عليه ورفضنا للتصعيد وفرض الأمر الواقع بالقوة فاننا حريصون على ضمان السلم والاستقرار وحسن الجوار في منطقة جبل طارق الاستراتيجية. لذلك ننتظر من اسبانيا توضيح نوع العلاقة التي تريد اقامتها مع المغرب بما يستلزمه التطور الذي يعرفه بلدانا وتقتضيه متطلبات الرهانات الحيوية الحالية والمستقبلية لعلاقاتهما.
وفي هذا السياق فان المغرب لم يفتأ منذ استقلاله يطالب اسبانيا بانهاء احتلالها لسبتة ومليلية والجزر المجاورة المغتصبة في شمال المملكة سالكا في ذلك سبيل التبصر والنهج السلمي الحضاري الذي يجسده الاقتراح الحكيم لوالدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني اكرم الله مثواه بانشاء خلية مشتركة مغربية اسبانية للتفكير والتأمل لايجاد حل لمشكل هذه المناطق المحتلة. غير أننا للأسف الشديد لم نجد حتى الان اذانا صاغية من لدن الطرف الاسباني لتسوية وضع هذه الثغور المغتصبة التي تحولت الى مراكز لاستنزاف اقتصادنا الوطني وقواعد للهجرة السرية ولكل الممارسات غير المشروعة.
أما القضايا الخلافية الاخرى مما هو معتاد بين الجيران فان المغرب مستعد لتدارسها في اطار نظرة مستقبلية وحوار صريح بين البلدين تحذوهما في ذلك إرادة بناءة وإيمان بضرورة إقامة مشاريع تنموية ثنائية في وفاء صادق لميراثنا الحضاري المشترك والتزام تام بمعاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار التي تمليها علينا حتمية التاريخ والجغرافيا وقيم العصر ومتطلباته.
شعبي العزيز..
إن احتفالك بعيد العرش المجيد مناسبة لتجديد العهد الصادق الذي إلتزمت به مع خديمك الاول في التحام وثيق وتشبث متين بالعرش العلوي المجيد وإعراب دائم عن خالص وفائك وصادق ولائك في تعبئة شاملة وراء خديمك الاول الذي جند نفسه لحماية الوطن والدين وللسير بك نحو مراقي التقدم والازدهار.
وإننا لنغتنم فرصة هذه الذكرى العطرة لننوه بجميع العاملين بحزم وعزم على إدراك هذا المبتغى مشيدين بالساهرين على ما يتطلبه من أمن وطمأنينة واستقرار من قواتنا المسلحة الملكية والدرك الملكي والامن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية مع اعتبار خاص لقواتنا المرابطة في اقاليمنا الجنوبية المدافعة عن وحدة التراب والمساهمة في حفظ الامن والسلام في جهات من العالم.
وما احوجنا في غمرة هذه الاحاسيس الى استحضار التاريخ القريب والبعيد وما بذله اباوءنا واجدادنا الاماجد من تضحيات جسام بها حافظ المغرب على وحدته وحريته وشيد حضارته وثقافته وبها رفع كل التحديات التي كانت تواجهه على مر العهود.
وبهذا الاستذكار المليء بالاعتزاز المفعم بالامال نتوجه الى الله تعالى ان ينعم عليهم بأحسن الجزاء وأوفاه ويتغمد الشهداء منهم بواسع رحمته وجزيل مغفرته ويسكن في جنات الخلد بطل التحرير جدنا المقدس جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه وباني المغرب الحديث والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني اكرم الله مثواه.
كما ندعوه عز وجل ان يديم الاصرة الوطيدة التي تجمع بيننا متينة قوية، وأن يعيننا ويسدد خطانا وينجح مسعانا حتى ندرك ما نصبو اليه جميعا من تقدم واصلاح.
" ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه"
صدق الله العظيم . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى ".