صاحب الجلالة الملك محمد السادس يلقي خطابا ساميا خلال مأدبة العشاء التي أقامها على شرف جلالته الرئيس ريكاردو لاغوس إسكوبار

سنتياغو يوم 02/12/2004

" الحمد لله،
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
فخامة الرئيس،
السيدة الفاضلة عقيلته،
أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة،
إنه لشرف كبير أن أكون أول ملك للمغرب يقوم بزيارة دولة لبلدكم الصديق، الذي حظينا، منذ حللنا به، بكل مظاهر الحفاوة الكبيرة، التي كان لها بالغ الأثر في نفسنا. فإليكم، فخامة الرئيس، جزيل الشكر وخالص الامتنان، على هذا الاستقبال الودي والحار، الذي هو من تقاليد بلدكم الأصيل.
إن الروابط التاريخية الودية، التي تجمع المغرب والعالم العربي بالشيلي، هي نتاج إرث مشترك، يتمثل في التراث الأندلسي، الذي كان أحد روافد الحضارة الحديثة، والذي شكل فضاء للتسامح والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان. وإن لنا في هذا الماضي المشترك محفزا قويا، على استكشاف آفاق جديدة لعلاقاتنا الحاضرة والمستقبلية، والحرص على تعزيزها وتنويعها، واثقين بأن زيارتنا، قد فتحت صفحة جديدة في تاريخ علاقاتنا الثنائية.
فخامة الرئيس،
منذ تقلدكم مهام رئاسة جمهورية الشيلي، ونحن نتابع، بتقدير كبير، مسيرة التحديث التي تقودونها، من أجل ترسيخ الديمقراطية، وتعزيز العدالة، والتماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، تجاوبا مع تطلعات شعبكم العريق .
وإنه لمن دواعي سرورنا أن نسجل تطابق مواقف بلدينا بخصوص الحاجة الملحة لإقامة نظام عالمي أكثر إنصافا وتوازنا. فالمغرب، شأنه في ذلك شأن بلدكم، ليتطلع إلى عالم أكثر عدلا، وازدهارا وتضامنا، يعمه السلم والتسامح واحترام حقوق الإنسان. كما أنه، إذ يشاطركم الحرص على انفتاح اقتصاده على العالم، من خلال إبرام اتفاقيات الشراكة والتبادل الحر، ليؤمن مثلكم، بفضائل الاندماج الإقليمي، وانعكاساته الإيجابية على التنمية المستدامة لبلدان الجنوب.
وفي هذا الإطار، فإن بناء المغرب العربي يمثل خيارا استراتيجيا بالنسبة للمغرب، يستجيب للتطلعات المشروعة لشعوب المنطقة. غير أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا بتجاوز الصراعات المفتعلة، كما هو الشأن بالنسبة للنزاع حول استكمال بلادنا لوحدتها الترابية.
وأود في هذا الصدد، تجديد الإعراب عن تشبث المملكة المغربية الدائم، بالشرعية الدولية، وعن استعدادها للتعاون مع جميع الأطراف المعنية والدول المجاورة، من أجل إيجاد حل سياسي، متفاوض بشأنه ونهائي لقضية الصحراء، التي تعد محط إجماع الشعب المغربي برمته، باعتبارها مسألة حق تاريخي، ومصير وطني. حل يوفق بين احترام سيادة المغرب ووحدته الترابية، وبين تخويل سكان الصحراء صلاحيات ذاتية، من أجل التدبير الديمقراطي لشؤونهم الجهوية.
فخامة الرئيس،
لقد سجلنا بارتياح تطابق وجهات نظرنا من أجل تغليب منطق التفاوض والحوار والاحتكام إلى الشرعية الدولية، بدل اللجوء اللامشروع إلى القوة والعنف، بل والإرهاب، من أجل حل المعضلات والتوترات والنزاعات، التي تشغل بال عالمنا. وفي هذا الصدد، فإن الوضع المتردي بالشرق الأوسط ليشكل مصدر انشغال للمغرب، بما ينطوي عليه من تهديد خطير للأمن والسلام، وهذا ما يحتم على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته من أجل استئناف المفاوضات، للتوصل إلى حل عادل وشامل، للنزاع العربي الإسرائيلي، وللقضية الفلسطينية طبقا للشرعية الدولية، وخارطة الطريق، ومبادرة السلام العربية.
كما أن الوضع المتدهور في العراق يستأثر، هو الآخر باهتمامنا، منوهين في هذا الصدد، بموقف الشيلي بمجلس الأمن، لدعم الجهود الرامية للحفاظ على الوحدة الترابية لهذا البلد الشقيق، وسيادته وحريته واستقراره.
وختاما، فإني أدعوكم أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة، للوقوف إكراما لفخامة الرئيس ريكاردو لاغوس إسكوبار، وعقيلته المحترمة، متمنين لهما موفور الصحة والسعادة وللشعب الشيلي الصديق المزيد من الازدهار والتقدم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".