رسالة ملكية سامية إلى المشاركين في الاحتفاء بالذكرى الثلاثين لوفاة المرحوم علال الفاسي

العيون يوم 22/05/2004

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات و السادة..
يطيب لنا ان نتوجه إلى المشاركين في الاحتفاء الذي يقيمه حزب الاستقلال في مدينة العيون الغالية تخليدا للذكرى الثلاثين لوفاة المرحوم الأستاذ علال الفاسي، معربين عن سابغ رعايتنا وسامي تقديرنا مباركين هذه السنة الحميدة التي حرصتم عليها بجعل تاريخ المغرب الحديث حاضرا في ذاكرة أبنائه على تعاقب أجيالهم ولاسيما حين يتعلق الأمر بالرواد الذين كان لهم دور مأثور في توجيه هذا التاريخ نحو انجاز أسمى المقاصد والغايات.
ذلكم ان شخصية متميزة في تاريخ الوطنية المغربية كالعلامة علال الفاسي تتجاوز كل إطار حزبي بوصفها نموذجا رائدا للنخبة التي كان يمثلها بكل جدارة واستحقاق.
هذه النخبة التي أدركت بعمق ان تاريخ المغرب الحديث هو موعد لا يمكن إخلافه مع التحولات الحاسمة الكبرى التي كانت تنتظره والتي قادها جدنا جلالة المغفور له الملك محمد الخامس قدس الله روحه ووارث سره من بعده والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني رضوان الله عليه في انسجام وتفاعل مع رواد الفكر السياسي والإصلاحي الذين انطلقوا في نضالهم من الذياد عن ثوابت المغرب الراسخة من عقيدة ووحدة وملكية دستورية.
فالأستاذ علال الفاسي كان في هذا المجال كما كان في غيره مدرسة للتربية بفضل الخصال التي كان يتحلى بها والمبادئ السامية التي كان يومن بها ويكافح من أجلها باعتبارها مقدسات ثابتة للمغرب تضفي على الهوية المغربية خصوصيتها المتميزة.
فقد كان رحمه الله من المومنين الحريصين على إبراز البعد الروحي للشخصية المغربية فانخرط من أجل ذلك ضمن النواة الأولى من العلماء الأجلاء الذين نادوا بالإصلاح الديني والنهضة الفكرية لانتشال المغرب من براثن الاستعمار والتخلف، ولم يتوان طيلة حياته في الدعوة إلى الاجتهاد في تشبث صادق بالعقيدة الإسلامية السمحة وإدراك واسع لمقاصد الشريعة المتفتحة على مستجدات العصر ومتطلباته.
كما ان هذا العلامة الجليل من أشد الوطنيين مراسا وأخلصهم تفانيا في الدفاع عن الوطن واستقلاله والذود عن عرش المغرب رمز سيادته ووحدته متحملا في ذلك شتى المحن من سجن ونفي ومعاناة وتضحيات.
وقد جمعته بجدنا المنعم جلالة الملك محمد الخامس رضوان الله عليه علاقة ولاء صوفي من خلال مقالاته وأشعاره واناشيده والتي تختزلها مقولته ان.."ما يميز محمد الخامس هو إيمانه بربه وبوطنه ويقينه في ان له رسالة يوءديها لتحرير هذه الأمة وإعلاء شانها ".
وهو ما تجسد كذلك في علاقة التقدير والاعتبار المتبادلين بينه وبين والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في تواصل روحي وتجاوب كامل مع جلالته في القضايا المصيرية للأمة.
ولا يمكننا ان نذكر وبكل تأثر اسم الفقيد الكبير دون ان يتبادر إلى ذهننا ما أغنى به الفكر المغربي من موءلفات في شتى ميادين المعرفة السياسية منها والعلمية والدينية. فقد كان رحمه الله من رواد الاجتهاد والانفتاح والعقلانية ومناهضة التزمت الديني والانغلاق الفكري دون إفراط أو تفريط حريصا على انخراط المغرب في سياق عصره في تشبث بمقومات ما كان يسميه بالانسية المغربية.
وبنفس البصيرة النافذة مارس السياسة من منطلق كونها عملا نبيلا يتسم بالمثالية والخلق الرفيع والتفاني في خدمة الصالح العام وكذا الانخراط في مشروع بناء المجتمع الديمقراطي بالصدق والغيرة الوطنية على المقدسات في إخلاص ونكران للذات.
وفضلا عن ذلك كان وسيبقى مدرسة لمن يريد مزاولة السياسة الصادقة في أهدافها النزيهة في تعاملها الفاعلة في منهجها. فالمغرب في أمس الحاجة اليوم إلى نخبة من أمثال علال الفاسي وغيره من رواد جيله الذين أعطوا مفهوم الوطنية أروع تجلياته بانخراطهم في العمل الجاد وتأطير المواطنين عن قرب من مشاغلهم الحقيقية دونما انسياق وراء النظريات المستوردة أو التيارات الدخيلة او الهدامة.
واننا لنتطلع إلى ان تجعلوا من تخليد ذكرى رحيل فقيدنا العزيز تجديدا للانخراط القوي فيما تقوده جلالتنا من تحرك فاعل في وطنية صادقة وتعبئة شاملة لشعبنا الوفي للمضي قدما في بناء مغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم والمواطنة الكريمة.
وفي الختام أهنئكم على هذا الملتقى الهادف إلى ترسيخ ما كان الراحل الكبير يسعى اليه ويجاهد من أجله ألا وهو تحقيق الوحدة المغربية بتحرير مناطقنا الصحراوية التي نحن على مغربيتها موءتمنون والتي كرس الفقيد العزيز بقيادة العرش حياته لها إلى ان قضى نحبه ببوخاريست وهو يدافع عنها، ولذلك نعده من عباده تعالىالذين يشملهم قوله سبحانه.. " من الموءمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".