رسالة ملكية سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة مغادرة أول فوج منهم أرض الوطن نحو الديار المقدسة

الرباط يوم 11/01/2003

" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حجاجنا الميامين،
ها هو ذا موسم الحج قد حل أوانه وأشرقت أنواره وانبعث في نفوس المؤمنين شوق عظيم إلى زيارة تلك البقاع وهفت قلوب المسلمين وأفئدتهم إلى أداء الفريضة التي جعلها الله ركنا من أركان الاسلام امتثالا لقول الله تعالى في محكم كتابه " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" ولقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه.." إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ". واستجابة لنداء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي أمره الله بقوله.." وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام...". وللنداء الوارد في قوله عز من قائل.." ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون".
حجاجنا الميامين،
إننا بوصفنا أميرا للموءمنين وحاميا لحمى الوطن والدين في هذا البلد الأمين وجريا على السنة الحميدة السنية لآبائنا وأجدادنا فإننا ما فتئنا نولي عناية كاملة ورعاية شاملة لأمور الدين وقد اعتدنا منذ أن ولانا الله مقاليد الأمور في هذا البلد الكريم أن نوجه إلى حجاجنا الكرام عند مغادرة أول فوج منهم أرض الوطن رسالة جامعة شاملة نذكرهم فيها بمكانة الحج وأهميته في الإسلام ونزودهم فيها بنصائحنا وتوجيهاتنا بخصوص هذه الفريضة الإسلامية العظمى.
اعلموا- وفقكم الله-أنكم ستحلون برحاب الأرض المقدسة في ضيافة الرحمن، وستصلون بالمسجد الحرام الذي تعتبر الصلاة فيه بمائة ألف صلاة وستنزلون بالبلد الذي أقسم الحق سبحانه به تشريفا له وتعظيما فقال عز من قائل.." لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد " كما أنكم ستزورون مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قبره عليه السلام وروضته الشريفة التي قال فيها صلوات الله وسلامه عليه.."ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".
فاحرصوا على أن تتحلوا بجميل الصفات والمكرمات وعظيم الخصال وكونوا مثالا يحتذى في حسن السلوك والمعاملة وطيب الأخلاق والمعاشرة حتى تنالوا رضا الرحمن وإعجاب مختلف الشعوب والأقوام التي تأتي من كل فج عميق مجتمعة على كلمة التوحيد.
حجاجنا الميامين،
لا يخفى عليكم أن الله تعالى فرض الحج على كل مسلم عاقل بالغ مستطيع مرة في العمر وأعد لمن كان حجه مبرورا أجرا عظيما وثوابا جزيلا مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.." من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" وقوله صلوات الله وسلامه عليه.. "العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة". فلتحرصوا على أن تجعلوا حجكم مناسبة لمجاهدة النفس والرقي بها الى مدارج الصفاء، وفرصة لتنقيتها من الفتن والاهواء، وأقبلوا على الله تعالى بقلوب مليئة بالصدق والاخلاص وأنيبوا اليه بضمائر عامرة بالطهر والنقاء مع العزم على ترك ما ليس فيه رضا الله عز وجل واجتنبوا كل ما يوقع في الجدال والرفث والخصام، امتثالا لقوله تعالى في محكم كتابه.."الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وماتفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الالباب".
واجعلوا نصب أعينكم أن الحسنات والسيئات تعظم بعظم الزمان والمكان واجعلوا ألسنتكم تلهج بالتلبية والحمد لله تعالى الذي يسر لكم أداء هذه الشعيرة العظمى واسألوه أن يوفقكم لاقامتها على الوجه الاكمل والسنن الامثل.
حجاجنا الميامين،
ان الحج يعتبر موءتمرا اسلاميا يتجدد عاما بعد عام، وفيه من معاني الوحدة والتآلف والتعاون والتآزر بين جميع المسلمين، على اختلاف ألسنهم وألوانهم وأعراقهم، مايقوي وحدة الأمة ويصون كرامتها ويبوءوها المكانة اللائقة بها. فاستشعروا سس وفقكم الله لكل خير سس معاني الوحدة الاسلامية المثلى، وعمق الاخوة التي يجب أن تجمع بين المسلمين قاطبة في جميع البقاع والاصقاع وفي مختلف الازمان تحقيقا لقول الله تعالى.."انما الموءمنون اخوة" وقول النبي صلى الله عليه وسلم.." المسلمون تتكافأ دماوءهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على ما سواهم".
واعلموا أن الامة الاسلامية هي اليوم سس في ظل الظروف الخاصة التي تمر بها سس أحوج ما تكون الى توحيد الصفوف ونبذ الخلافات والاهواء لمواجهة التحديات التي تعترضها والى سلوك السبل الكفيلة بتقوية جانبها وابراز وسطيتها وخيريتها وسائر فضائل دينها وتماسكها على الرغم من اختلاف أجناسها وبلدانها.
ولا تنسوا سس رعاكم الله سس أنكم تمثلون بلدكم العظيم وحضارتكم المجيدة وأمجادكم التليدة فكونوا خير سفراء لبلدكم ولخديمها الاول ملككم المعتز بما تبادلونه من مشاعر التعلق والوفاء.
حجاجنا الميامين
تعلمون وفقكم الله أنه اهتماما منا بفريضة الحج ورعايتنا الشاملة لشوءونه وأحواله ورغبتنا في أن توءدوا مناسككم في يسر وفي أحسن الظروف ما فتئنا نصدر تعليماتنا وتوجيهاتنا السامية الى حكومتنا الموقرة بصفة عامة وإلى وزيرنا في الأوقاف والشوءون الإسلامية بصفة خاصة بغاية الإعداد الجيد لهذه الفريضة وتيسير جميع الوسائل المادية والمعنوية التي تساعد على أدائها وتزويد البعثات الإدارية والعلمية والصحية بكل الوسائل كي تقدم إليكم الخدمات الضرورية وتسهر على راحتكم وسلامتكم في ظعنكم وإقامتكم وفي حلكم وترحالكم فتعاونوا مع أعضاء هذه البعثات وليجدوا فيكم حسن الخلق ولين المعاشرة وجميل الصفات حتى توءدوا مناسككم في طمأنينة وراحة بال.
واحرصوا كذلك على احترام كل الإجراءات والتنظيمات الخاصة بمناسك الحج والعمرة والزيارة التي تضعها المملكة العربية السعودية الشقيقة وتعمل على تطبيقها بتوجيهات من أخينا الأعز الأكرم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله وهو الذي ما فتئ يولي عناية خاصة ورعاية سابغة لشوءون الحج وخدمة ضيوف الرحمان مشدود الأزر بولي العهد أخينا المبجل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز وبسائر أصحاب السمو الملكي الأمراء الأجلاء رعاهم الله.
حجاجنا الميامين
لا تنسوا وأنتم في تلك البقاع المقدسة الطاهرة حيث تجاب الدعوات ما عليكم من حق الدعاء وخالصه لعاهلكم الساهر على راحتكم وشوءونكم الدينية والدنيوية فاسألوا لنا دوام الحفظ والتمكين واطراد العون والتوفيق والسداد للنهوض بسياسة الدين والدنيا واسألوا الله أن يسبغ علينا وعائلتنا الكبرى والصغرى نعمه ظاهرة وباطنة وأن يكسونا بأردية الصحة والعافية.
وادعوا الله تعالى أن يمطر شآبيب المثوبة والرضوان على والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني وعلى جدنا المكرم جلالة الملك محمد الخامس تغمدهما الله بواسع رحمته ومغفرته.
كما لا يفوتكم وأنتم في تلك الأرض المباركة أن تسألوا الله تعالى لبلدنا دوام نعمة الطمأنينة والاستقرار والهناء وحتى يبقى موحد الصف ملتئم الكلمة وأن تدعوا لجميع بلاد المسلمين بالتئام الشمل وتحقيق الوحدة في مشارق الأرض ومغاربها إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.
جعل الله حجكم مبرورا وسعيكم مشكورا وذنبكم مغفورا وعملكم متقبلا مأجورا ورجوعكم سالما من الذنب غانما موفورا وكتب لكم السلامة والعافية في الذهاب والإياب والحل والترحال وأعادكم إلى أهلكم وذويكم طاهرين فرحين مستبشرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".