نص رسالة جلالة الملك إلى المشاركين في منتدى الأسواق الصاعدة في إفريقيا

الرباط يوم 08/04/2008

نص الرسالة السامية التي تلاها السيد عمر القباج مستشار صاحب الجلالة:


 " الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله و صحبه.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في منتدى الأسواق الصاعدة في إفريقيا، للترحيب بهم بين ظهرانينا، معربين عن إشادتنا بهذه المبادرة، التي أمكن من خلالها لثلة من الشخصيات القادمة من أربع قارات، أن يلتئم شملها في الرباط، لتدارس إشكالية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا.
وتندرج المحاور الثلاثة لهذا الاجتماع، وهي بالتحديد التجارة والمالية، والبنية التحتية، وآثار التغيرات المناخية، في صميم هذه الإشكالية، ونأمل أن تتمخض عن تأملاتكم، خلال الأيام الثلاثة للمنتدى توصيات وجيهة، لاسيما فيما يتعلق بالتعاون بين القطاعين العام والخاص.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، ينعقد اجتماعكم في مرحلة حاسمة بالنسبة للقارة الإفريقية، التي، وإن كانت قد فوتت للأسف فرصاً حقيقية للتنمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، فإنها، في المقابل، قد شهدت مطلع هذا القرن تحولا للأفضل، لم يسبق له نظير.
لقد بلغ النمو مستويات عليا في إفريقيا، على الرغم من أنها تظل غير كافية لتحقيق أهداف الألفية، التي تتوخى تقليص معدلات الفقر إلى نصف ما هي عليه الآن.
وقد تواصل هذا النمو بشكل مطٌرد، لأزيد من خمس سنوات متتالية،واستفادت منه غالبية الدول، سواء المنتجة منها للبترول، أو المستوردة له.
ويُعزى هذا الانتعاش إلى الإصلاحات الماكرو-اقتصادية الكبرى التي اعتمدتها غالبية الدول الإفريقية، لفترة تزيد عن عشر سنوات. كما يُفسر هذا الوضع بتراجع حدة وعدد النزاعات التي قاست منها القارة، خلال الحرب الباردة.
إن تزايد وتيرة النمو العالمي وحجم المبادلات التجارية الدولية، لعشر سنوات، قد ساهم أيضا في تحقيق هذه النتائج الإيجابية. وإنها لمناسبة سانحة للتنويه بأهمية ما أسهمت به بعض الدول الأسيوية الكبرى، في صيرورة هذا المسلسل التنموي، وذلك من خلال الرفع من مستوى مبادلاتها التجارية مع إفريقيا، خاصة في مجال طلباتها من المواد الأولية.
وقد أولت المجموعة الدولية برمتها اهتماماً متزايداً للقارة الإفريقية من خلال العديد من المبادرات الرامية إلى تقديم تسهيلات تجارية، والحد من حجم الديون المستحقة لها، والرفع من حجم المساعدات العمومية للتنمية، لاسيما فيما يرتبط بمكافحة وباءي السيدا والملاريا.
وينبغي التنويه بأنه خلافاً لما كان يجري في السابق، فقد توفقت القارة الإفريقية في جني ثمار ما بذلته من جهود ذاتية و في الاستفادة كذلك من المنافع المتاحة في إطار التعاون الدولي.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، على الرغم مما تم إحرازه من تقدم ملموس، فينبغي الانتباه إلى ضرورة مواصلة الجهود وتكثيفها لسنوات طويلة، ذلك أن الغاية المثلى المرجوة من التنمية تكمن في تمكين الإنسان من أسباب العيش الأفضل. بيد أن معدلات الدخل الفردي تبقى للأسف من بين النسب الأكثر تدنياًً في العالم. كما أن الفقر المدقع لا يزال يطال مناطق شاسعة من قارتنا، في الوقت الذي لم تعد فيه الظرفية الدولية مواتية على عهدها في المدة الأخيرة.
وفي هذا السياق، يتعين على البلدان الإفريقية تكثيف الإصلاحات، لاسيما في قطاعات التربية والصحة والحكامة وتحسين المناخ الكفيل بتطوير القطاع الخاص، سواء الوطني أو الدولي، فضلا عن الاندماج الإقليمي.
وإننا نهيب بالمجموعة الدولية لتفي بكامل تعهداتها المتعلقة بتقديم المساعدة العمومية للتنمية في إفريقيا. ولتبذل المزيد من الجهود في مجال تقليص المديونية، وتعمل بشكل خاص من أجل أن تتكلل، دورة الدوحة حول التجارة الدولية، بنتائج مرضية.
كما ندعو القطاع الخاص الأجنبي للرفع من استثماراته في إفريقيا الزاخرة بمواردها البشرية والطبيعية.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز بالنسبة للمملكة المغربية أن تمتد جذورها راسخة في عمق القارة الإفريقية، ومن حسن حظها أنها تتميز بوضع جغرافي استراتيجي يجعل منها نقطة للالتقاء تجمع بين ثلاث قارات.
وإننا لنولي اهتماماً بالغاً للعلاقات التي تربطنا بالبلدان الإفريقية الشقيقة، تلكم العلاقات الضاربة في القدم، والمتميزة بأبعادها وتجلياتها المتعددة، التاريخي منها والإنساني والثقافي والديني والاقتصادي. فمنذ اعتلائنا عرش أسلافنا الميامين، قمنا بالعديد من الزيارات لهذه الدول الشقيقة، من أجل العمل على تطوير علاقاتنا في كافة الميادين، وتبادل تجاربنا في مجال التنمية.
ومما يبعث على الارتياح التعاون القائم في المجالات المرتبطة بالنشاط البنكي، والفلاحة والملاحة الجوية والطاقة والمعادن، فضلاً عن قطاعات الماء والصحة والمواصلات السلكية واللاسلكية.
وفي هذا الخصوص، فقد ساهم المغرب ولا يزال يساهم في تكوين الآلاف من الأطر الإفريقية التي تتابع دراستها في جامعاته ومعاهده العليا.
كما قررنا إلغاء الديون المغربية المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نمواً، وساهمنا في إنجاز جملة من البرامج الهادفة إلى الحد من الفقر في بعض الدول الشقيقة والصديقة. ولعل آخر مبادرة اتخذت في هذا المجال، هي الإعلان في دكار، في غضون الشهر المنصرم، عن إنشاء المؤسسة العلوية للتنمية البشرية المستدامة، وهي المؤسسة التي نرأسها شخصياً، ويمتد نطاق عملها ليشمل العديد من القطاعات المرتبطة بالتنمية البشرية المستدامة داخل البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، يحدونا الأمل بأن تتمكنوا خلال مقامكم ببلدنا، وبالرغم من جدول أعمالكم الحافل، من الوقوف على الجهود الجبارة التي يبذلها المغرب، لتحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أننا قد أطلقنا خلال السنوات الأخيرة، برنامجاً عريضاً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يسهم نجاحها اليوم في تعزيز مكانة بلدنا كقطب للاستقرار والتنمية في المنطقة.
لذا، فقد سجلت بلادنا في غضون السنوات الأخيرة معدلا للنمو بنسبة5 في المائة وذلك بالرغم من التقلبات المناخية التي عرفتها بلادنا، ومن كون المغرب لا يعد بلداً منتجاً للبترول. كما أطلقنا مخططات قطاعية مبرمجة على سنوات في مجالات الصناعة والسياحة والصناعة التقليدية، وإحداث المناطق الحرة، فأصبح المغرب، بفضل ذلك عبارة عن ورش كبير.
أما على الصعيد الاجتماعي، فقد أطلقنا خلال سنة 2005 ، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بهدف الحد من الفقر، لاسيما في المناطق القروية، وهي المبادرة التي نسهر شخصياً على إنجازها.
أتمنى لكم مجدداً مقاماً طيباً في المغرب، وأرجو لكم كامل النجاح والتوفيق في أعمالكم.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".