نص خطاب صاحب الجلالة في افتتاح الموءتمر السابع بعد المائة للاتحاد البرلماني الدولي

مراكش يوم 17/03/2002

 " حضرات السيدات والسادة
   يسرنا أن نرحب بملتقاكم الهام الذي لنا اليقين بأنه سيكون جادا ومفيدا ومثمرا. ونحن إذ نهنىء منظمة أميركا»الشرق الاوسط للخدمات في التربية والتكوين "أمديست" على مبادرتها الحميدة بالدعوة إلى عقد هذا اللقاء ببلادنا لننتهز هذه المناسبة لنتوجه إليها بالشكر على المجهودات التي ما فتئت تبذلها لمساعدة ءالاف الطلبة العرب على متابعة دراستهم بالجامعات الاميركية، وكذا لتقوية أواصر التعاون بين أمريكا والدول العربية.
      حضرات السيدات والسادة
   إننا لنبوىء الشأن التربوي مكانة مركزية في اهتماماتنا; ذلكم أن الحديث عن التربية هو حديث عن المستقبل والتنمية، وعن الثقافة والمعرفة; وهو بالأحرى حديث عن أطفال اليوم ومواطني الغد، لأن التربية تمثل قاعدة التقدم، والدرع الواقي من كل أشكال التطرف، وأساس التماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص. وبذلك وجب أن تظل موجه عالم الغد نحو التسامح والسلام.
   ولقد قررنا بدافع قناعتنا هاته جعل العشرية 2001/2010  عشرية للتربية والتكوين، معلنين التربية ثاني أسبقية وطنية بعد وحدتنا الترابية.
   ومن منطلق نفس الاقتناع جندنا بلادنا لاصلاح واسع للتربية والتكوين، محددين لهذا الورش الكبير والصعب أهدافا قد تبدو طموحة، لكنها أضحت اليوم ضرورات قصوى، ولاسيما منها القضاء على الأمية، وتعميم تعليم أساسي جيد لكل أطفال المغرب، وجعل الجامعات فضاءات فعلية لنشر المعرفة والثقافة، وللتعلم، والتشبع بقيم راسخة قمينة بجعل مواطني بلدان مختلفة، غدا أكثر من اليوم، مواطني عالم واحد.
   وعلى هذا الاساس، فمواطنة المستقبل لن تتحدد فقط بالانتماء لتراب أو جماعة أو هوية، بل بالتمسك بمجموعة من القيم التي ستشيد عالم الغد; قيم من بين أسمائها الدالة.. الديمقراطية والتضامن والتسامح..
   وفي هذا الإطار، فلقد سبق أن دعونا مسلمي العالم أياما قليلة بعد مأساة 11 شتنبر أثناء احتضان بلادنا لموءتمر برلمانات الدول الاسلامية بالرباط، إلى توجيه عنايتها لتصحيح الصورة التي يحملها الآخر عن الإسلام، مع العمل على استجلاء بعده الحضاري، ورسالته القائمة على السلام.
   وإننا بمناسبة هذا الملتقى لنكرر نفس الدعوة الى أشقائنا العرب; ذلكم أن هذه الصورة الدونية التى تنسب إلى العالم العربي تستغل لمناهضة تطلعاتنا الأكثر نبلا وقضيانا الأكثر عدالة. وإننا لنستشعر، في هذا السياق، وبكل مرارة، المآسي اليومية المفجعة التي يعيشها إخواننا الفلسطينيون وهم يدافعون عن قضيتهم العادلة.
   لذلك يتعين على الجامعات العربية أن تضاعف اليوم من انفتاحها على جامعات العالم، وأن تعزز حضورها على المستوى الدولي بتقوية تعاونها الدولي، وكذا استثمار علاقاتها للتعريف بالصورة المشرقة للثقافة العربية، بعيدا عن كل أشكال القوالب الجاهزة والتمثلات الاختزالية التي تروجها بعض وسائل الاعلام.
     حضرات السيدات والسادة
   إن ندوتكم ستتناول عدة مواضيع هامة كالتعدد اللغوي، والولوج الى التعليم العالي والاستعداد لعولمة الاسواق، وهجرة الادمغة، وتحسين مناهج وأدوات التعليم... وفيما يخص اللغات، فلقد سبق لوالدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه، أن أكد منذ سنوات، بأن الفرد الذي يستعمل لغة واحدة فقط، يمكن اعتباره أميا، وتلكم نظرة ثاقبة هي أكثر رهانية اليوم.
   أما بالنسبة لتكنولوجيات الاعلام والتواصل فلقد حققت اليوم نفاذا واسعا إلى عالم التربية. وهي إن كانت تشكل دعامة بيداغوجية أساسية، ومن شأنها الإسهام في توسيع المعارف والبحث العلمي; فإنها لا ينبغي أن تقلل من أهمية التفكير في البعد الانساني للفعل التربوي، وضرورة تحقيق التوازن المطلوب بين استعمال التكنولوجيات وبين المحافظة لهذا الفعل على طابعه الانساني المتميز.
     حضرات السيدات والسادة،
   إننا لواثقون من أن صانعي القرار، والأطر والفعاليات المشاركة في هذا الملتقى، ستخصص الحيز الكافي من أشغاله لتدارس كل هذه الموضوعات وأنكم ستتوصلون الى نتائج وقرارات سيكون لها، ولاشك، الأثر الإيجابي في النهوض بالتعليم العالي العربي، والله الموفق.
  والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".