''الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه
حضرات السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز بالنسبة للمملكة المغربية أن تستقبل في عاصمتها اليوم الجمع العام لمرصد الصحراء والساحل الذي يجمعنا بعدد من الدول الشقيقة والصديقة التي نتقاسم معها إلى جانب مشاعر المودة وأواصر الأخوة انشغالات واهتمامات حول مصيرنا المشترك.
وإن هذا المحفل الرفيع المستوى الذي تشارك فيه دول من القارة الافريقية إلى جانب ممثلي عدد من الدول الأوروبية الصديقة ليعبر أفضل تعبير عما نصبو إليه جميعا من أجل وضع أسس تعاون متعدد الأطراف حول قضايا نعتبرها مشاغل إنسانية تقتضي تضافر جهود الجميع ووضع أسس تضامن متجدد في مبادئه وصيغه.
يدشن العالم وهو على مشارف الالفية الثالثة حلقة جديدة من تاريخه تتميز عن سابقاتها بتسارع وتيرة التغيير وبالتحولات الجذرية الطارئة على أنماط الإنتاج والتفكير والإنتشار الشامل لتقنيات الإعلام الحديثة والتكنولوجيا بمختلف أشكالها.
ولئن كانت هذه المميزات مدعاة للإفتخار بالنسبة للبشرية قاطبة لما تحمله في طياتها من علامات التقدم والرفاه في الحياة اليومية وابتكارات علمية هائلة وحظوظ ارتقاء الانسان درجات في الحضارة والنبوغ فإنها في نفس الوقت تتزامن مع مظاهر أخرى أقل إشراقا وأشد خطورة.
تتجلى هذه الأوضاع في الظروف الحياتية السيئة التي يعيشها أزيد من خمس سكان عالمنا أي ما يناهز مليار و 300 مليون من أبناء البشرية وتفشي ظاهرة الفقر التي تزداد تفاقما مع تدني موارد الرزق المستديمة في الأرياف خاصة منها بعض المناطق الجغرافية من عالمنا وتكتسي أوجها قاسية في فضاءات تعاني من تدهور مواردها الطبيعية ومن محاصرة الجفاف والتصحر.
فتطالعنا يوميا صور قاتمة لرجال ونساء وأطفال معدمين في الأرياف مجردين من الوسائل اللازمة لضمان العيش الكريم الشيء الذي يجعلهم عرضة للأمراض والأوبئة وجميع أشكال الفاقة.
وجميعنا يعلم أن هذه الصورة القاتمة تعني بالأساس عددا من المناطق في القارة الإفريقية المتعرضة لجميع أشكال التهميش والتي نوليها نحن في المغرب أهمية خاصة.
حضرات السيدات والسادة
إننا لنستحضر هنا ذكرى والدنا المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه والذي كان يعتبر من أخلص المدافعين عن القارة الإفريقية وعن ضرورة واستعجال اتخاذ التدابير على الصعيد الدولي لتدارك الموقف وإدماج قارتنا في مسلسل التنمية وكان رحمة الله عليه يدعو باستمرار إلى إخراج قارتنا من صيرورة التهميش التي دخلتها منذ عقود ونزع فتيل الإنفجار المحدق بها إن لم تتجند كافة الأسرة الدولية لرفع عوائق التنمية عنها وفتح ءافاق جديدة أمام شعوبها وأجيالها الصاعدة.
وفي السياق نفسه سبق لنا ونحن أنذاك ولي عهد مملكتنا في يونيو 1992 أمام الموءتمر الدولي حول موضوع الأرض والذي انعقد في ريو ديجانيرو بالبرازيل أن دعونا المجتمع الدولي إلى إيلاء أهمية خاصة للقارة الإفريقية التي تعاني باستمرار من تلاحق الكوارث الطبيعية وتعاقب سنوات الجفاف وتسارع التصحر واقترحنا انذاك ابتكار معاهدة خصوصية في هذا الشأن تعني بالقضايا الناجمة عن الزحف المزعج للتصحر وتواتر ظاهرة الجفاف.
ولقد أتيحت لنا أيضا في يونيو 1997 أمام الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك والمخصصة لدراسة وتقييم وثيقة موءتمر ريو ديجانيرو والمدعوة ب ''برنامج 21'' أن دققنا ناقوس الخطر. وصرحنا أنذاك بأن من شروط الحفاظ على السلم والأمن الدوليين الاعتناء بحماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية لصالح الجميع ذلكم ان ظاهرة الخصاص اصبحت بارزة للعيان بالنسبة للعديد من الموارد الحيوية وهو الامر الذي من شأنه ان يزيد من اسباب التوتر وينذر بنشوب النزاعات في جهات مختلفة من المعمور اذا لم تتخذ الاسرة الدولية التدابير اللازمة والمستعجلة لاذكاء الامل وتفعيل جميع اشكال التضامن.
حضرات السيدات والسادة.
لقد أصبح من المسلمات ان جميع المخططات الهادفة الى مكافحة التصحر والحفاظ على الموارد الطبيعية لا بد لها ان تتداخل بصفة حميمية مع سياسات وتصاميم التنمية المستديمة وبالتالي لا يمكن فصل مشكل التصحر عن مشكل التنمية بصفة عامة.
فاذا كنا نريد حقا محاربة التصحر او على الاقل الحد من اثار الجفاف وتدهور المحيط الطبيعي والبيئي في بوادينا فيلزمنا الاهتمام بجميع مظاهر التنمية القروية المستديمة واستئصال أبشع أوجه الفقر فيها من خلال برامج تنموية مندمجة يسري مفعولها على المدى المتوسط والبعيد.
وعلى هذه البرامج ان تشمل على الخصوص ترشيد استعمال الموارد الطبيعية وصيانتها وتنويع مصادر العيش في العالم القروي واعداد التراب وتجهيزه بالمرافق الاساسية واشراك المستعملين في تدبير الثروات المتاحة والعمل عموما على سن سياسة تهدف الى الرفع من المستوى الاجتماعي والتكويني والثقافي للانسان القروي حتى يمكن ادماجه حقا في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة للبلاد وبالاحرى في تطور الانسان بصفة شمولية.
حضرات السيدات والسادة..
لقد بات من الصعب بل ومن المستحيل تشخيص الظواهر الطبيعية والبيئية الكبرى كالجفاف والتصحر او محاولة معالجتها انطلاقا من روءى وطنية او قطرية ضيقة تقف عند الحدود الجغرافية والسياسية للدول.
ان هذه الظواهر بحكم طبيعتها لا تعترف بهذه الحدود اذ أن اثارها وانعكاساتها السلبية تمتد لتعبر الدول والقارات لتجثم بوطأتها على مجالاتها الحيوية وتشكل بالتالي هاجسا مشتركا لكل الشعوب.
وبقدر ما تأخذ هذه الظواهر من بعد دولي بقدر ما تدعونا معالجتها الى الابتعاد عن النظرة الاقليمية والانخراط في مقاربة عالمية تعتبر وحدها الكفيلة بجعل المنتظم الدولي يتحمل مسوءوليته التاريخية في اطار من التضامن والتآزر.
ومما يدعم حتمية تبني هذه المقاربة ما يعرفه العالم اليوم من موءشرات دالة على وحدة مصير البشرية لاسيما أن العالم اليوم أضحى كيانا متلاحما ملتئما يشد بعضه بعضا بشكل يصعب معه تصور تنمية رقعة جغرافية دون الاخرى.
وتقتضي هذه الروءية الشمولية التي يفرضها حجم الظواهر المنشود معالجتها تصور خطط وبرامج جهوية ودولية تمتد على المدى البعيد تجند لها جميع الامكانيات الضرورية والخبرات والتقنيات الحديثة وتعبأ لها موارد مالية منتظمة لضمان نجاعتها وتحقيق غايتها.
ولاننا نعيش ظرفية تتهددها مخاطر جديدة ترتبط بالتحولات المناخية وتفاقم ظاهرة التصحر يتعين علينا اكثر من أي وقت مضى العمل على حماية مواردنا الطبيعية والحفاظ عليها حتى نمكن الاجيال المقبلة من العيش في عالم يطبعه التضامن والرخاء.
نحن اليوم على بينة من أن الموارد المائية هي مفتاح التنمية في بلداننا وبقدر ما تعد هذه الموارد نادرة بقدر ما تمثل رهانا اساسيا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن تم فانها تشكل مصادر توتر داخل كل بلد من بلداننا وكذلك فيما بين البلدان التي تتقاسمها.
ولذا علينا ان نعمل جاهدين حتى لا يصبح الماء مصدر صراعات ونزاعات فرغم الصعوبات التي تعرفها بعض العلاقات الدولية في هذا المجال يحذونا طموح الى العيش في خضم حركية يتحكم فيها منطق الوئام والتعاون بدل القطيعة والمواجهة حركية تنتصر فيها ارادة الشراكة والتضامن.
ومن هذا المنطلق احتضن المغرب أول ملتقى عالمي للماء في مارس 1997 الذي شكل خطوة هامة لبلورة وعي جماعي باهمية هذه الاشكالية ومرحلة بارزة في ارساء أسس حوار وتعاون دوليين اصبحا من الضرورة بمكان.
حضرات السيدات والسادة
سيكون جمعكم العام اليوم مناسبة لاتخاذ قرارات حاسمة ستحدد مستقبل مرصدنا لتضع رهن اشارته اليات جديدة ستساهم ولا شك في الرفع من مستوى ادائه.
ما احوج عالم اليوم لصورة واضحة عما تعانيه دول الصحراء والساحل من حجم الجفاف والتصحر ومن هنا تتجلى لنا جسامة مسوءولية المرصد الذي سيساهم ولا محالة في بلورة تشخيص واقعي للوضع الراهن ويقترح مناهج العمل الناجعة لمعالجة هذه الاشكالية.
ان التغيرات الموءسساتية التي تعتزمون استحداثها على مرصدنا ستجعل منه ولاشك منبرا عاليا من شانه ان يفتح افاقا جديدة امام صوت بلداننا كي يصبح مسموعا على الساحة الدولية.
وفقكم الله وكلل بالنجاح اعمالكم والسلام عليكم ورحمة الله''.