نص الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس الى الحجاج المغاربة بمناسبة توجه أول فوج منهم الى الديار المقدسة

الرباط يوم 13/02/2000

"الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى ءاله وصحبه اجمعين.
حجاجنا الميامين
لقد حل بالمسلمين موسم اداء فريضة الحج الذى جعله الله ركنا من اركان الاسلام وقاعدة من قواعده الخمس على الدوام حيث فرض الله الحج على من استطاع اليه سبيلا كما قال عز وجل "لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن العالمين". وكما قال صلى الله عليه وسلم.. "ان الله كتب عليكم الحج فحجوا". واننا بوصفنا اميرا للموءمنين وحاميا لحمى الملة والدين بهذا البلد المسلم الامين لنوجه اليكم اليوم بمناسبة مغادرة اول فوج من ركب الحجيج رسالة جامعة شاملة نذكركم فيها باهمية فريضة الحج ومكانتها فى الاسلام ونزودكم من خلالها بنصائحنا وتوجيهاتنا بخصوص هذه الفريضة الاسلامية العظمى والشعيرة الدينية الكبرى جريا على السنة الحميدة لابائنا واجدادنا المنعمين املين من الله تعالى ان تكونوا خير مثال يحتذى فى السلوك والعبادات والاخلاق والمعاملات فى تلك البقاع المقدسة الطاهرة وانتم بالبيت الحرام.
حجاجنا الكرام.
ان الله اوجب الحج على الموءمنين وجعله ركنا من اركان الدين وهو فرض على كل مسلم عاقل بالغ مستطيع مرة فى العمر يتجرد فيه الرجال من المخيط والمحيط ويتشابه الناس فى لباسهم المادى فاتبعوا ذلك وفقكم الله واعانكم بالتجرد من كل شوائب الحياة ومشتهياتها وفتنها ومغرياتها وتحرروا من كل الاهواء والشبهات والنزعات والخصومات. فالحج درس من دروس مجاهدة النفس وكبح جماحها ومناسبة للتزود بالتقوى والفضائل من اجل الوصول الى المثل العليا والاندماج فى حياة روحية ربانية تمتلىء فيها القلوب بحب الله وذكره وتلهج فيها الالسنة بتلبيته وحمده وشكره. واعلموا هداكم الله واصلح بالكم انه بهذه الفريضة الكبرى تكتمل اصول العبادات وقواعدها الاساسية وتتكامل بينها فى حياة المسلم والمسلمة فتعطى نتائجها وثمارها من التربية الايمانية والطمانينة القلبية والتطهير الروحى والرسوخ العقدى والاستقامة فى العبادات والاخلاق والمعاملات. ولاتنسوا ان الله تعالى أعد لمن كان حجه مبرورا ثوابا جزيلا وأجرا عظيما كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله.. ''من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه''. وقوله عليه الصلاة والسلام.. '' العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة ''. فاغتنموا رحمكم الله هذه الفرصة الثمينة واكثروا فيها من التزود بالتقوى والعمل الصالح والطواف بالبيت العتيق والاخلاص لله فى القول والعمل والمداومة على صلاة الجماعة بالحرمين الشريفين.
حجاجنا الميامين
ان الحج الى جانب معناه الروحى والتعبدى يعتبر موءتمرا اسلاميا جامعا يتجدد كل عام فيدفع المسلمين الى تجديد معنى الوحدة والتالف والتعاون والتازر بين وفود الحجيج الاتين من كل فج عميق لاداء فريضة الحج ومناسك العمرة وليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام وفى تأدية شعائر الحج والعمرة من الموءمنين من مشارق الارض ومغاربها بصفة جماعية وعلى صعيد واحد وفى وقت واحد اشارة واضحة الى ضرورة ترسيخ مبدا الوحدة الاسلامية بين الشعوب المومنة على اختلاف السنتها والوانها وتباعد اقطارها وديارها. كما ان ذلك دعوة صريحة الى التعاون فيما بينها وتذكيرها بواجبها نحو ابنائها ومجتمعاتها لجمع شملها وتوحيد صفها لمواجهة التحديات التى تواجهها على كل الجبهات. فكونوا رعاكم الله خير مثال يحتذى لهذه الشعوب من حسن الخلق والتسامح والحلم والتواضع والصبر والعفو وكظم الغيظ ولين الجانب ولطف المعاشرة وتجنبوا الاذاية والاساءة للغير وكل ما ينقص الاجر والثواب ويوقع في الاثم والفسوق والعصيان من الاقوال والافعال. فمثل هذه الامور لا ترضي الله ورسوله وتذهب ببركة الحج ومقاصده وتسيىء الى الاسلام واهله وتنفر من هذه العبادة الخالصة لله رب العالمين.
واعلموا وفقكم الله انكم تمثلون بلدكم بين تلك الشعوب والامم فكونوا خير سفراء لهذا البلد الامين واستحضروا دائما قول الله تبارك وتعالى.. "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى''.
معشر حجاجنا الميامين
اعتبارا منا لما لفريضة الحج ومناسك العمرة من مكانة خاصة في الاسلام ومنزلة عظيمة عند أهل الايمان وحرصا من جنابنا على أن يوءدى حجاجنا الكرام هذه الفريضة الاسلامية في أحسن الظروف والاحوال فاننا نوجه عنايتنا الفائقة ورعايتنا الشاملة لهذه العبادة الجليلة ومناسكها الدينية الكبيرة.
وقد أصدرنا في شانها وبخصوصها تعليماتنا وتوجيهاتنا السامية الى حكومتنا الموقرة والى وزيرنا في الاوقاف والشوءون الاسلامية بشكل خاص لبذل مزيد من الجهد والتضحية للعمل على تيسير أداء هذه الشعيرة على كل من توفرت له الاستطاعة والقدرة لأدائها وإتخاذ كل الوسائل والاسباب الكفيلة بتحقيق ذلك على الوجه المطلوب شرعا.
فكونوا حفظكم الله على كامل الانضباط والاحترام والتعاون والانسجام مع كافة البعثات الادارية والطبية والعلمية التي أمرنا بارسالها لاستقبالكم وتأطيركم والاخذ بيدكم والسهر على راحتكم ورعاية شوءونكم. واعملوا كذلك على احترام كل التنظيمات والاجراءات المتعلقة بمناسك الحج والعمرة وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم والروضة الشريفة والتي تعمل حكومة المملكة العربية السعودية على تطبيقها بتوجيهات من شقيقنا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية والذي مافتىء يولي رعاية خاصة لشوءون الحج وضيوف الرحمان.
حجاجنا الكرام..
لاتنسوا وأنتم في تلك البقاع المقدسة الطاهرة بقلوب خاشعة والسنة ذاكرة وعيون دامعة.. لاتنسوا ما عليكم من حق الدعاء الصالح لعاهلكم وملككم الساهر على راحتكم وشوءونكم وعلى ما فيه خيركم ونفعكم وصالح الاسلام والمسلمين فاستحضرونا في تلك المناسك والشعائر وزودونا فيها بصالح الدعاء وخالصه.
واسألوا الله لنا اطراد العون والسداد والهدى والرشاد ودوام الحفظ والتمكين والصحة والسلامة والعافية والتوفيق والسداد في خدمة قضايا الوطن والمواطنين وصلاح امر الاسلام والمسلمين وأن يحفظنا في جميع أفراد الأسرة الملكية الشريفة. واسالوا الله تعالى ضارعين خاشعين مبتهلين أن يتغمد برحمته الواسعة والدنا المنعم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه وسائر أموات المسلمين وأن يصلح هذا البلد الامين ويديم عليه نعمة الامن والرخاء والاطمئنان والاستقرار والهناء وأن يبقيه موحد الصف مجتمع الشمل متضامنا على الحق والخير انه سميع مجيب.
جعل الله حجكم مبرورا وسعيكم مشكورا وذنبكم مغفورا وعملكم متقبلا مأجورا ورجوعكم سالما من الذنب غانما موفورا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته''.