نص الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المسؤولين والأطر والموظفين بالمصالح الأمنية والإدارة الترابية .

الرباط يوم 04/03/2008

تلاها بمقر وزارة الداخلية مستشار صاحب الجلالة السيد محمد معتصم
 وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية :
 " الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
خدامنا الأوفياء مسؤولين وأطراً وموظفين بالمصالح الأمنية والإدارة الترابية أمنكم الله ورعاكم، وعلى طريق خدمة الوطن والمواطنين سدد خطاكم.
وبعد، نتوجه إليكم للإعراب لكم عن بالغ إشادة جلالتنا، بالجهود الحثيثة والتضحيات الجسيمة، التي تبذلونها، دفاعاً عن أمن الوطن واستقراره، بكل مكوناتكم، دركا ملكيا، وأمناً وطنيا، ومراقبة للتراب الوطني، وإدارة ترابية، وقوات مساعدة، ووقاية مدنية، وسائر الأجهزة الساهرة على الأمن الداخلي والخارجي لبلادنا. منوهين بيقظتكم وحزمكم، في رصد وإفشال والتصدي لكل ما يحاك ضدها، من مؤامرات إرهابية مقيتة، تستهدف حرمة المواطنين، أرواحاً وممتلكات.
بل إنها في الواقع، تحاول يائسة، النيل من النموذج المغربي المتميز في خصوصياته الدينية والروحية، القائمة على الإسلام السني، ووحدة المذهب المالكي، وإمارة المؤمنين، وفي شخصيته الوطنية المتشبعة بفضائل الوسطية والاعتدال والتسامح والانفتاح، ونبذ التطرف والانغلاق والعنف والظلامية، وكذا في هويته الحضارية العريقة، المرتكزة على مقدساته التاريخية وثوابته الوطنية الراسخة، المدعومة بمسارنا الديمقراطي التنموي الحداثي، الذي لا رجعة فيه.
وقد أكدتم بعملكم الفعال، ومهنيتكم العالية، انخراط المغرب الثابت في الحرب الجهوية والدولية على الإرهاب، الذي لا يعرف حدوداً جغرافية، ولا وازعاً عقائديا، أو أخلاقيا، وليس له من مرجعية إلا الأضاليل الظلامية التكفيرية، بشبكاتها الإجرامية الهدامة، وأهدافها التخريبية الدنيئة.
وإن حسن قيامكم بواجبكم الوطني، في صيانة أمن الوطن، وإفشال مخططات إحدى أخطر عصابات الإرهاب، يلقي على عاتقكم مسؤوليات أكبر. كما أن تمكنكم من التصدي لخلاياه وشبكاته العدوانية، لا يعني القضاء عليه، ولا ينبغي اتخاذه مدعاة لتهويل أو تبخيس مواجهته الدائمة. ومن هذا المنظور، نكون قد كسبنا معركة، في الحرب الشاملة ضد الإرهاب، المنافي للقيم المثلى للإنسانية جمعاء، وفي طليعتها الحق المقدس في الحياة الحرة الآمنة.
وهذا ما يستلزم من الجميع، ومنكم بالأخص، توخي المزيد من اليقظة والحذر. كما يقتضي تضافر جهود الجميع، لمحاربة الإرهاب، بكل أشكاله، المادي منه والفكري، فكلاهما يهدد الأمن والطمأنينة والاستقرار، بأدوات التضليل والغدر والدمار.
وقد أبنتم بشجاعتكم وتفانيكم، في النهوض بواجبكم الوطني، عن مدى جدارتكم وأهليتكم لحماية أمن البلاد والعباد، رغم صعوبة ظروف عملكم، وقلة الإمكانات المتوفرة لديكم. لذلكم، نجدد التأكيد على أننا لن ندخر جهداً، في توفير المزيد من الوسائل، المادية والبشرية والتقنية الكفيلة بتمكينكم من أداء مأمورياتكم الصعبة، بكامل النجاعة، وفي أحسن الظروف. وكل ذلك في إطار التفعيل الأمثل لاستراتيجيتنا الشمولية المتعددة الأبعاد.
وفي هذا الصدد، نجدد التأكيد أن موقفنا المبدئي والثابت، المحارب للعدوان الإرهابي، ليس وليد اليوم ، وإنما هو نابع من التزامنا القوي، وطنيا وجهويا ودوليا، في الماضي والحاضر والمستقبل بتحصين بلدنا الآمن، والمساهمة في وقاية جوارنا وعالمنا، من خطر الإرهاب.
وقد صارت هذه الاستراتيجية، التي اعتمدناها في خطابنا الموجه للأمة، في29 ماي 2003 ، غداة الاعتداءات الإرهابية الغاشمة، التي ضربت الدار البيضاء، موضع انخراط كل مكونات الأمة ومؤسساتها، باعتبارها السبيل القويم لمحاربة الإرهاب والتطرف.
وفي سياق حرصنا على التفعيل الأمثل لأبعادها المتكاملة، نشدد على وجوب التحلي بالحزم والفعالية، والالتزام بالوضوح والشرعية. فلا مجال للتساهل والسلبية، ولا وجود لمنزلة وسطى بين الديمقراطية والإرهاب، عدو الوطن والحياة الإنسانية.
إن حرمة أرواح المغاربة وممتلكاتهم، أمانة في عنق جلالتنا، أمير المؤمنين. لذلك سنظل في طليعة المتصدين، بحزم الأمن، وقوة القانون، لكل من سولت له نفسه المس بها.
ومهما تكن خطورة المؤامرات الإرهابية الخائبة واليائسة، لجر المغرب إلى الوراء، فإننا والشعب المغربي قاطبة، المعبأ حول جلالتنا، لن نزداد إلا إصرارا على المضي إلى الأمام. فالإرهاب لن يرهب المغاربة، وإنما يزيدهم إيمانا مع إيمانهم، بفضائل الإسلام السمحة، وقيم المواطنة المسؤولة.
وفي هذا الصدد، نعرب عن عميق اعتزازنا، بما أبان عنه مواطنونا، بكافة مكوناتهم ومشاربهم، من تجاوب تلقائي، وتلاحم وتعاون مع قوات الأمن، في التصدي للإرهاب، وعياً منهم بأن الحفاظ على الأمن، مسؤولية المجتمع بأكمله، وبأن الأمن الفعلي ينطلق من انخراط المواطن في صيانته، باعتباره أساس الطمأنينة والاستقرار، والتنمية والازدهار.
وإن تنويهنا بأسرة الأمن بكل مكوناتها، والإدارة الترابية بكل مستوياتها، لا يعادله إلا حرصنا على ضمان ممارسة الحقوق والحريات، وذلك في نطاق احترام النظام العام، والالتزام بسيادة القانون، تحت سلطة ورقابة القضاء المستقل. فإلى العدالة وحدها، ترجع الكلمة الفصل، في إصدار أحكام البراءة أو الإدانة، دون تطاول أو تأثير من أي كان، فالقضاء يظل الدرع الواقي لدولة الحق، التي نحن لها ضامنون، وعلى ترسيخها بالغيرة الوطنية الصادقة، والمواطنة المسؤولة ساهرون.
والله تعالى نسأل أن يضاعف إمدادكم بالقوة والصمود، والروح المعنوية العالية، في النهوض بواجبكم الوطني المقدس، لحماية استقرار الوطن، وأمن وطمأنينة المواطنين، بكل إخلاص وأمانة، وحزم وشجاعة ، على المعهود فيكم من ولاء للعرش العلوي المجيد، وتشبث بثوابت الأمة ومقدساتها، وتضحية بالغالي والنفيس، والمساهمة الفعالة للمصالح الأمنية والإدارة الترابية، في المجهود الوطني الجماعي الذي نقوده، لتوطيد وصيانة صرح مغرب الوحدة والديمقراطية والازدهار، في ظل الأمن والتضامن والاستقرار
.مع سابغ رضانا، وسامي عطفنا، وموصول رعايتنا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".