نص الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الرابعة للسياحة

الدار البيضاء يوم 12/02/2004

" الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة
انه لمن دواعي سرورنا ونحن نوجه إليكم هذه الرسالة الملكية ان نثمن بكل ارتياح حرصكم على ان تنعقد المناظرات الوطنية للسياحة دوريا كل سنة وذلك منذ ان دشنا الدورة الأولى بمراكش في يناير2001، وهذه السنة الحميدة تعبر بوضوح عن وعيكم القوي بالرهان الحاسم الذي تمثله السياحة كقطاع ذي أولوية ضمن الاستراتيجية الشمولية للتنمية المستدامة التي ينهجها المغرب.
إذ ليس هناك ما هو أفضل في هذا المجال من التنسيق والتشاور بين كافة الأطراف المعنية من ممثلي القطاع العام والفاعلين في القطاع الخاص لتقييم مدى التقدم الذي تحقق في هذا الميدان والتخطيط للعمليات التي يجب مباشرتها وتحديد الأهداف التي يجب الوصول إليها خلال السنة الجديدة. وبفضل هذا النهج القويم تمكنتم من الوقوف على حصيلة النشاط السياحي لكل سنة من السنوات الثلاث الماضية وتحديد ما تميزت به من حيث القوة أو الضعف.
وفي هذا المضمار وبرغم الظرفية العصيبة التي سادت العالم وبخاصة منطقة البحر الأبيض المتوسط فان المغرب قد واصل تحقيق تقدم مرض بتحسين قدراته الايوائية سنة بعد أخرى. وهكذا فقد انتقل من انجاز 3800 سرير سنة 2001 إلى 8500 سرير سنة 2003 وان كانت هذه الحصيلة دون ما كان منتظرا.
وإذا كان التقييم المرحلي ضمن استراتيجية تمتد على مدى عشر سنوات لا يمكن ان يكون ذا دلالة بدون ان يشمل على الأقل نصف هذه المدة إلا ان في انجاز المخطط الأزرق الذي أصبح اليوم محققا بالنسبة للمراكز الساحلية للسعيدية والصويرة والأكسوس والحوزية يعتبر موءشرا إيجابيا على التقدم في هذا الاتجاه إذ سينجم عنه توسيع قدرة الاستقبال في السنوات المقبلة.
كما ان مبادرات أخرى قد تم اتخاذها لانعاش الجهات السياحية التقليدية أو لإيجاد منتوجات سياحية جديدة وإعداد مناطق ومسالك أخرى وإقامة بنيات للاستقبال تلائم الانواع الخاصة من السياحة. وهكذا فمن المنتظر ان تسترجع وتيرة الاستثمارات وتوسيع طاقات الإيواء إيقاعها المنشود في الأمد القريب محققة بذلك بلوغ 000 230 سرير الذي اعتمدته الاستراتيجية العشرية.
ومع ذلك فان بنيات الاستقبال لن تلبي الهدف المنتظر منها إذا لم تدعمها إجراءات موازية وملائمة في مقدمتها المحافظة على الأسواق التقليدية الموفدة وتوسيعها وشن عملية هجومية لغزو أسواق جديدة وواعدة ضمن خطة واضحة تستهدف إشاعة صورة جذابة عن المغرب عبر انحاء العالم وذلك باعتماد حملة تحسيسية ناجعة يقوم بها المكتب الوطني المغربي للسياحة بعد تحديثه وتأهيله لهذا الغرض. كما يجب أيضا ان يصاحب هذه الحملة مبادرات أخرى يقوم بها المهنيون الخواص بانخراط جمعياتهم في هذا المجهود الجماعي على نحو أكثر إقداما وفعالية مما مضى معتمدة في هذه الحملات على الإمكانات الحديثة التي توفرها تكنولوجيا الإعلام والاتصال للتعريف بالمنتوج المغربي.
وبهذه المناسبة نذكركم بان على قطاع السياحة كباقي القطاعات الانتاجية الأخرى ان يستكمل تأهيله قبل سنة 2010 إذ عليه ان يتسلح قبل هذا الموعد بكل مقومات مواجهة المنافسة. لذا يجب عليه ان يتدارك كل تأخر في مجال أساليب التدبير وتحسين جودة الخدمات وتكوين سبعين ألفا من الأطر التي يحتاج إليها إلى جانب الوفاء بما عليه من الالتزامات بمقتضى الاتفاقية- الاطار التي وقعها مع حكومتنا تحت إشرافنا.
وفي هذا الصدد فان الدولة لم تدخر جهدا بدعمها لهذا القطاع سواء بواسطة الوزارات المعنية أو بواسطة صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لاعداد جيل جديد من المناطق السياحية. وهكذا وضعت أراضي ذات طبيعة سياحية رهن إشارة المنعشين السياحيين وبسطت أداء أجهزة الضمان لتسهيل تمويل الانشطة السياحية. كما تمكنت بفضل سياسة مركزة للبحث والتنقيب من اجتذاب المنعشين الدوليين ذوي الشهرة الواسعة الذين أكدوا العزم على المشاركة في انجاز المحطات الواعدة للمخطط الازرق.
إلا انه يتعين إلى جانب الاستثمارات الاجنبية دعم استراتيجيتنا العشرية بتنظيم الادخار الوطني وتوجيهه نحو النشاط السياحي وتبسيط وتحديث النظام الجبائي مع توفير موارد دائمة للانعاش السياحي خاصة عن طريق الضريبة المخصصة لهذا الغرض.
وتنفيذا للتوصية التي تضمنتها الرسالة الملكية التي وجهناها لكم بمناسبة المناظرة الوطنية للسياحة المنعقدة باكادير في بداية السنة الفارطة فقد تم انجاز مشروع اصلاح الخريطة الجوية مما سيمكن من تحرير القطاع وتخفيض كلفة النقل وتيسير حركته بين الاسواق الموفدة والجهات السياحية. وهو ما سيجعل من النقل الجوي في المستقبل حافزا حقيقيا للسياحة وليس عائقا من عوائقها كما كان من قبل، وفي هذا السياق الجديد ينتظر من شركة الخطوط الجوية الملكية ان تعيد النظر في هيكلتها حتى يمكنها ان تندرج في الرحلات الحديثة للنقل غير المكلف فضلا عن رحلاتها المعتادة،وفي كل الاحوال يجب على الشركات العاملة في الاجواء المغربية كما على السلطات المكلفة بهذا القطاع ان تجعل من سلامة النقل أولوية مطلقة في كل وقت وحين.
حضرات السيدات والسادة
لقد أعلنا بمناسبة انعقاد المناظرة الوطنية للسياحة في دورتها الاولى بمراكش اننا عازمون على ان نجعل من السياحة قاطرة للتنمية لانه لا يعقل ألا يستفيد المغرب مما له من موءهلات في هذا المجال لاسيما وان الله تعالىحباه بطبيعة متنوعة يتداخل فيها المناخ الجبلي والبحري والصحراوي فضلا عما يزخر به بلدنا من رصيد ثقافي غني ومتنوع وأصيل وما يمتاز به من جوار نافع بجانب القارة الاوروبية وأسواقها المرسلة ومن مقابلته المباشرة للسوق الواسعة للقارة الامريكية.
ولذلك فهو مطالب بان يستفيد من هذا الوضع المتميز ليس فقط بغزوه لهذه الأسواق ولكن أيضا بمد إشعاعه دوليا كبلد متشبع بالقيم الحضارية منفتح على الآخرين مشهور بكرم الضيافة، واننا لعازمون على المضي قدما لتحقيق هذه الأهداف مع الحفاظ على استتباب الامن والاستقرار اللذين جعلا من المغرب دائما وجهة مفضلة وواحة للسلام.
ونود في النهاية ان نذكركم انه سبق لنا في الخطاب الذي وجهناه للأمة بمناسبة الذكرى الخمسينية لنفي جدنا المنعم جلالة الملك محمد الخامس قدس الله روحه ان أهبنا بشعبنا الوفي ان ينخرط بكل حماس في ثورة جديدة للملك والشعب.
وإذا كان من المنتظر ان يتزامن بلوغ منتصف الاستراتيجية العشرية للسياحة مع تخليد الذكرى الخمسينية للاستقلال في غشت سنة 2005 فاننا ننتظر بحلول هذا الموعد ان تعمل الاطراف الملتزمة بالاتفاقية/الإطار على تخصيص المناظرة الوطنية المقبلة للسياحة لتقييم المنجزات والتعرف على مواطن النجاح وعلى الصعوبات التي برزت من خلال الانجاز مع تشخيص أسبابها وتحديد انجع الوسائل لتجاوزها داعين إياها إلى مضاعفة الجهود المبذولة والتعبئة الكاملة لكسب رهان استحقاق 2010.
سدد الله خطاكم وتوج بالنجاح المأمول أعمالكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".