نص الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في الدورة السابعة للمؤتمر العام للايسيسكو

الرباط يوم 20/11/2000

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله ؤاله وصحبه..
حضرات السادة الوزراء..
أيتها السيدات أيها السادة..
إنه ليطيب لنا بادىء ذي بدء أن نرحب بالسادة وزراء التربية والتعليم العالي والبحث العلمي في الدول الأعضاء في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أجمل ترحيب في وطنهم الثاني المملكة المغربية وبجميع الذين يشاركون في هذا المؤتمر العام للإيسيسكو في دورته السابعة بفعالية والتزام.
وإنه ليسعدنا أن نشمل هذا المؤتمر برعايتنا السامية سيرا على ما عهدتموه في والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وخلد في الصالحات ذكره من تكريم لمنظمتكم وإيمانا من جلالتنا بالرسالة الحضارية الإنسانية الراقية لهذه المنظمة الإسلامية التي تمثل الضمير الثقافي الحي للعالم الإسلامي والتي عملت أساسا من أجل تعزيز جسور التقارب والتعاون التربوي والعلمي والثقافي بين دول منظمة المؤتمر الإسلامي فضلا عن تقديرنا للمقاصد السامية التي ينعقد من أجلها هذا المؤتمر».
ومن منطلق دعم المغرب المتواصل للعمل الإسلامي المشترك وللأهداف النبيلة لمنظمة الايسيسكو وكذا دعمنا الموصول للشعب الفلسطيني في جهاده المستميت من أجل إقامة دولته المستقلة والحفاظ على الهوية الإسلامية لعاصمتها القدس الشريف فإننا ننوه بقرار المجلس التنفيذي بتسمية مؤتمركم هذا "دورة انتفاضة القدس".
وإننا لندعوكم بصفتنا رئيسا للجنة القدس الشريف لمضاعفة جهودكم الرامية إلى تعبئة كافة الإمكانات والطاقات العلمية والثقافية الإسلامية لدعم صمود سكان مدينة القدس وتقديم العون الضروري لإخواننا المجاهدين الفلسطينيين من أجل الحفاظ على حرمة المسجد الأقصى المبارك وكل مقدساتنا الدينية في هذه المدينة الأسيرة وصيانة تراثنا الديني والحضاري والثقافي والعمراني بها.
ونود في هذا الصدد أن نثمن اتفاقية التعاون المبرمة بين منظمة الإيسيسكو ووكالة بيت مال القدس الشريف الهادفة إلى توفير الدعم المادي والتقني والأكاديمي للمؤسسات التربوية والثقافية للمدينة المقدسة مشيدين بالتوجه السديد للإيسيسكو لإيلاء فلسطين والقدس خاصة مكانة الصدارة في جميع مشاريعها وبرامجها.
حضرات السيدات والسادة..
إن المرحلة الراهنة والدقيقة التي يمر بها العالم الإسلامي والمجتمع الدولي برمته لتقتضي منا جميعا أن نرصد لها كل إمكاناتنا وأن نحسن تدبير مواردنا البشرية والطبيعية وأن نجعل البناء التربوي والعلمي والثقافي في مقدمة اهتماماتنا.
فالتخطيط العلمي للنهضة الشاملة في البلدان الإسلامية هو الشرط الموضوعي لاستكمال أدوات البناء الحضاري المتكامل الأسباب والمترابط الأركان وهو مسؤولية مشتركة ينبغي أن تتضافر جهودنا للنهوض بها إذ لا تكتمل لنا تنمية ولا تتحقق في بلداننا نهضة إلا في إطار العمل الجماعي القائم على التخطيط المحكم وعلى التنسيق المتقن وعلى التعاون الشامل في مجالات التربية والعلوم والثقافة والتكنولوجيا التي أسست منظمتنا لخدمتها.
ولا يسعنا إلا أن نشيد في هذا الصدد بما حققته الايسيسكو من إنجازات في مجالات اختصاصها طوال السنوات الثماني عشرة التي مضت على تأسيسها مما جعلها موضع التقدير والتنويه من لدن إخواننا قادة الدول الأعضاء الذين ما فتئوا يعبرون عن مساندتهم الكريمة للمنظمة منوهين بهذه المناسبة بالالتفاتة السخية لأخينا الموقر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان ءال نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة حفظه الله المتمثلة في إسهامه القوي في تمويل مشروع بناء مقر جديد للمنظمة بالرباط"
إن ما ينتظر هذه المنظمة من أعمال ومشاريع يفرض عليها أن تتفاعل مع المستجدات وتخضع للتحيين المستمر لا سيما في عالم سريع التطور لتساير بذلك حاجة المجتمعات الإسلامية في مجالات التنمية للموارد البشرية والطبيعية وهو ما يلقي عليها مسؤولية جسيمة لنا كامل اليقين في وعيها العميق لأبعادها ولمتطلباتها في التخطيط والتمويل والإنجاز.
ونذكر في هذا السياق ما قرره المؤتمر الإسلامي الثاني لوزراء الثقافة المنعقد بعاصمة مملكتنا سنة 1998 بشأن متابعة تنفيذ الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي الأمر الذي يتكامل مع المهمة التي تضطلع بها الايسيسكو والمتمثلة في وضعها لآليات تنفيذ استراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا في البلدان الإسلامية التي أقرها المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء التعليم العالي والبحث العلمي المنعقد بالرياض في أكتوبر الماضي تحت الرعاية السامية لشقيقنا المبجل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ءال سعود رعاه الله.
واليوم تقف هذه المنظمة على عتبة مرحلة جديدة حيث سيناقش هذا المؤتمر مشروع خطة العمل الثلاثية للأعوام 2001 / 2003 وهو مشروع طموح يعكس إرادة الفعل الحضاري المؤثر الذي يبني القواعد الراسخة لنهضة البلدان الإسلامية.
حضرات السيدات والسادة..
إن التضامن الإسلامي الذي نسعى لترسيخه يتطلب منا العمل الدؤوب والمشترك لتقوية الذاتية الحضارية لأمتنا الإسلامية على أساس البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا وتيسير الوسائل الكفيلة بتحقيق الإبداع في جميع حقول المغرفة.
ونحن على يقين أن مؤتمركم سيركز على تطوير القدرات العلمية والثقافية للمجتمعات الإسلامية في كل قطر إسلامي على قاعدة تحديث التربية وتجديد مضامينها والرفع من مستوى التعليم وربطه باحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وجعلها رافعة قوية للتحدي الأكبر لمجتمع المعرفة والاتصال الذي على أمتنا كسب رهانه في مطلع الألفية الثالثة ضاربة موعدا جديدا مع التاريخ بعد أن أخلفت المواعيد التاريخية للثورات العلمية في القرنين الماضيين.
اننا لنجدد للسادة الوزراء ولكافة المشاركين في المؤتمر مشاعر تقديرنا منوهين بعمل الايسيسكو وما حققته إدارتها- وعلى رأسها السيد المدير العام- وخبرؤها وكل العاملين بها من منجزات واثقين من كفايتها في أداء ما هي مقبلة عليه من مشاريع هادفة مشيدين بما طبع مسيرتها من نشاط متواصل ووعي بمسؤولياتها يعكس لا محالة وعي الدول الإسلامية بضرورة بناء مجتمع إسلامي يحافظ على هويته وينفتح على حضارة العصر وعلى تطوره التكنولوجي والعلمي.
وفقكم الله وسدد خطاكم وأعانكم على تحقيق الأهداف السامية التي تتطلع إليها الأمة الإسلامية في كنف الأخوة والتضامن والتعاون لما فيه الخير للإنسانية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".