نص الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك الى المشاركات في القمة العالمية للنساء بمراكش

مراكش يوم 28/06/2003

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه..
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نحيي جمعكم الكريم المنعقد في اطار قمة النساء العالمية لاسيما ونحن نقدر حق التقدير دور المرأة في تلقين قيم المواطنة وبناء وتعزيز الديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية وغيرها من الأهداف التي نعمل من أجلها.
حضرات السيدات والسادة..
إن اختيار المغرب لإحتضان أشغال هذا الملتقى ينبع من إيمان المجموعة الدولية بنجاعة سياسة الانفتاح والحوار التي تنهجها بلادنا في علاقاتها مع الأمم الاخرى، ولعله من الطبيعي أن تتعهد بلادنا بوصفها أرض السلام بحمل رسالة السلم والتسامح والتضامن والتعايش بين الشعوب. وهي علاوة تشبثها بهذه القيم تحدوها إرادة راسخة لمواصلة مسيرتها نحو التقدم والعمل على تحقيق مشروعها المجتمعي الديمقراطي الحداثي بثبات وحزم.
إن حضوركم معنا ينم كذلك عن اهتمامكم بالسياسة التي ننهجها للنهوض بأوضاع المرأة المغربية. فالتنمية الشاملة التي نعمل من أجلها والنهوض بالبلاد في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كل ذلك لن يجدي نفعا في غياب مشاركة النساء واستفادة كافة مكونات المجتمع من ثمار التقدم.
وإننا منذ تولينا مقاليد الحكم لتسيير شوءون شعبنا ما فتئنا نعمل جادين على النهوض بالمرأة المغربية وصيانة حقوقها التي من خلالها ساوى ديننا الحنيف بينها وبين الرجل مواصلين بذلك السياسة النيرة لأسلافنا المنعمين
لقد فتح جدنا المنعم محرر الأمة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه أبواب المدارس وبالتالي سبل العلم والمعرفة أمام النساء إيمانا منه بأن الاستقلال الحق لن يتأتى الا بتأهيل المغاربة قاطبة لممارسة حقوقهم وأداء واجباتهم والمساهمة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي لبلادهم.
وواصل والدنا المعظم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته تشييد صرح المغرب الحديث فاسحا المجال أمام النساء لولوج كل أسلاك التعليم وقطاعات الشغل فحرر ما يزخرن به من طاقات وعينهن في أعلى مناصب المسوءولية بالإدارة والقضاء والموءسسات العمومية وأسند اليهن حقائب وزارية في الحكومة مبرزا دوما ما يتحلين به من كفاية وانضباط واستقامة.
واستشعارا منا لما تكتسيه تعبئة النساء ومشاركتهن من ضرورة قصوى لبلوغ الأهداف التي رسمناها لأنفسنا بغية تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة لبلادنا فإننا آلينا على نفسنا أن نحسن وضع المرأة بتعزيز مكتسباتها والسهر على تمتيعها بحقوقها الانسانية والاقتصادية والسياسية علما بأن دخول خمس وثلاثين امرأة الى قبة البرلمان الحالي لكفيل بدعم نضالنا من أجل الديمقراطية والحداثة.
بيد أن النقلة النوعية التي حققتها بلادنا في النهوض بوضعية المرأة لايجب ان تنسينا المتاعب التي يعانيها عدد كبير من النساء اللائي يقاسين من التهميش والإقصاء أو تداس حقوقهن وتهضم.
وقد ركزنا الاهتمام أولا على المرأة القروية التي تشكل أكثر الفئات معاناة من الأمية والفقر وذلك إيمانا منا بأن هذه القضايا هي من صميم حقوق الانسان وتشكل عراقيل بنيوية للديمقراطية.
كما أننا حريصون على تحرير المرأة من كل أشكال الحيف التي تعاني منها وعلى تطوير الترسانة القانونية تماشيا مع ما تبديه من وعي بحقوقها وواجباتها وما تحقق للمغرب من تقدم في شتى المجالات.
وفي هذا الصدد فإننا بوصفنا أمير الموءمنين حامي حمى الملة والدين قد أنشأنا لجنة خاصة زودناها بتعليماتنا السامية لتستمع وتتدارس كافة التظلمات الواردة من الجمعيات النسائية ومن كل القوى الحية في البلاد وترفع إقتراحاتها إلينا بشأن الآليات والمساطر الكفيلة بضمان حسن تطبيق المدونة وما سيطرأ عليها من تعديلات وذلك في احترام تام لهويتنا وتعاليم ديننا الحنيف مع الحرص بصفة خاصة على تماسك الأسرة والوئام الاجتماعي.
حضرات السيدات والسادة،
إننا حريصون على التأكيد على أهمية هذا الملتقى الذي يجسد ما حققته النساء عبر العالم من تقدم في مجال التسير بيد أن أهميته لاتنحصر في هذا المستوى فهو ينم كذلك عما يحدوكم من إرادة للمساهمة في التفكير الجماعي حول المشاكل المطروحة على الصعيد العالمي مما يبوىء هذا اللقاء الذي ينعقد في دورته الثالثة عشرة دور المحفز على الاجتهاد الفكري العالمي.
تتمحور فكرة قمة النساء العالمية حول مجموعة من المفاهيم تتعلق بالمقاولة ووظائفها وتدبيرها وأنماط الانتاج فيها ومنظوماتها الاعلامية والتسويقية. وقد فرضت نفسها كمجال لتبادل الخبرات واستعراض الافكار والاراء من أجل مشاركة المرأة على نحو أفضل في السوق العالمي، وحيث إن ملتقاكم لا يمكن أن يتجاهل محيط المقاولة وانفتاحها على الاسواق وإكراهات التنافسية فإنه اعتمد مقاربة شمولية في تعامله مع المشاكل التنموية وأدرج في مناقشاته قضايا مشاركة النساء في العملية الديمقراطية وفعالية تدبير الشأن العام وتفكيك الحواجز التي تعرقل ممارسة الحق في التنمية.
أن تشارك في هذا اللقاء نساء من القارات الخمس يسيرن مقاولات من مختلف الأحجام وجمعيات مهنية ومنظمات غير حكومية وكذلك وزيرات يتولين شتى الحقائب ونساء قياديات للرأي العام، كل ذلك يوءكد أن ملتقاكم هذا يقيم الوزن اللازم للخصوصيات المحلية والاختلافات الجهوية مما يبشر بالحوار المتفتح والمتجدد الذي سيضفي على النقاش الدائر حول أهم القضايا الراهنة قيمة مضافة تغنيه وتخصبه.
وحيث لايجوز الفصل بين النهوض بالمرأة ومشاركتها في ثمار النمو الاقتصادي وبين التنمية الشمولية للبشرية فإن ذلك يقتضي تضامنا دوليا فعالا ويستوجب توزيعا أكثر انصافا للثروات بين المجموعات الميسورة وتلك التي تخوض الكفاح يوميا ضد الفاقة والتهميش.
واعتبارا لفطرتكن كنساء ونزعتكن الطبيعة لمناهضة الظلم والاقصاء كما يشهد بذلك ما تبديه جمعيات عديدة تسيرها نساء من حيوية ونشاط وقدرة نادرة على الاقناع فإنه ينبغي لكن الحرص على توجيه آفاق الشراكة الجهوية والاقليمية بما يساعد على إدماج أفضل للبلدان النامية في الاقتصاد العالمي.
وإننا إذ نرحب بكم في المغرب ونتمنى لأشغالكم كامل التوفيق ندعوكم الى اغتنام فرصة التئامكم بمراكش للتفكير في مقاربة توافقية تساعد على تحديد الأدوات والآليات التي يتعين تفعيلها وطنيا وجهويا مساهمة في النهوض بالنشاط المقاولاتي النسوي الصغير في بلدان الجنوب لما يجلبه من فوائد بالنسبة للنمو الاقتصادي في هذه البلدان وما له من وقع على التنمية المستدامة التي تستقطب اهتمامات منتداكم هذا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".