وجه أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس رسالة سامية إلى أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، بمناسبة انعقاد الدورة العادية الأولى للمجلس العلمي الأعلى لسنة 2009.
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق.
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
أصحاب الفضيلة السيدات والسادة أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية؛
يطيب لنا، بمناسبة انعقاد الدورة العادية الأولى، للمجلس العلمي الأعلى للسنة الهجرية 1430، أن نجدد لكم التعبير عما نكنه لمجالسكم العلمية من بالغ الرعاية، وسابغ العطف، متطلعين إلى أن تحقق، بعون الله وتوفيقه، ما أنطناه بها من نهوض فعلي ومتواصل، بأمانة التوجيه والتوعية والإرشاد.
ويأتي انعقاد هذه الدورة، بعد استكمال تنصيب المجالس العلمية المحلية، التي كنا قد قررنا تعميم إحداثها على صعيد جميع عمالات وأقاليم المملكة، حرصا من جلالتنا على تجسيد سياستنا الرشيدة، الرامية إلى اعتماد القرب من المواطنين، كآلية للإصغاء إلى همومهم، وحل مشاكلهم، ومعالجة قضاياهم الشرعية.
وإذا كنا قد أعلنا عن حرصنا الدائم والمستمر، في أكثر من مناسبة، على تعزيز الأمن الروحي بمملكتنا، بتحصين عقيدتها، وصيانة وحدتها المذهبية، والذود عن ثوابتها وقيمها؛ فإننا ما زلنا نؤكد على ضرورة إدماج الخطاب الديني، في صلب المشروع المجتمعي الذي نعمل جادين على إنجازه، لتحقيق التنمية البشرية المنشودة، ورفع تحدياتها واستشراف المستقبل، في ثقة وعزم واطمئنان.
وهذا ما يتطلب جعل الخطاب الديني الذي توجهونه، توعية وإرشادا، قائما على الاجتهاد المقاصدي المبني على جلب المصالح، ودرء المفاسد، ومراعاة متغيرات الواقع، في التزام بأصول الدين الإسلامي الحنيف، ووسطيته وسماحته واعتداله.
حضرات السيدات والسادة ؛
لقد عملنا جاهدين، منذ تقلدنا الأمانة العظمى لإمارة المؤمنين، واعتلائنا عرش أسلافنا المنعمين، على الرقي بمستوى الخدمات الدينية. فتحققت بتوفيق من الله منجزات عظيمة، وأرسيت دعامات أساسية لتشييد الصرح المؤسسي الديني، وتوطيد أركانه، سواء في مجال بناء بيوت الله، أو العناية بأحوال القائمين عليها، أو توسيع مجال التوجيه والوعظ والإرشاد.
ففي المجال الأول، فتحت أوراش كبرى بكافة ربوع المملكة، لرفع مآذن وبيوت يغشاها عباد الرحمان، وتغمرها السكينة، ويعطرها ذكر الله بالغدو والآصال.
وفي هذا السياق، تم الشروع في تنفيذ برنامج استعجالي لبناء مساجد بالأحياء الهامشية بكبريات المدن المفتقرة إلى مساجد لائقة، محتوى ومظهرا. وإذ نثمن ما أنجز، فإننا نؤكد على مواصلة هذا البرنامج الهادف للقضاء على ظاهرة الأماكن غير الصالحة للعبادة.
كما تم اعتماد معايير تعميرية جديدة، لضمان التوزيع الملائم والمنسجم للمساجد، مع حاجات السكان المتزايدة، نتيجة التوسع العمراني الذي تشهده بلادنا، وظهور مراكز حضرية جديدة.
أما في المجال الثاني، فقد أمرنا، منذ سنة 2004، برصد الاعتمادات الضرورية للرفع من المكافآت الدنيا والمتوسطة لأئمة المساجد. كما قررنا تعزيز هذا المكسب، بتمتيعهم بالتغطية الصحية الأساسية والتكميلية، تقديرا من جلالتنا للجهود المبرورة، التي يبذلونها بصدق وتفان ونكران ذات، في القيام بالمهام الملقاة على عاتقهم.
وفي نفس السياق، تم إحداث برنامج لتكوين مائتين من الأئمة والمرشدات كل سنة، تكوينا علميا وشرعيا متينا، يشمل كل ما يتعلق بالتأهيل الديني والاجتماعي والثقافي.
وتنفيذا لتعليماتنا السامية بإحداث مؤسسة تحمل اسم جلالتنا الشريفة للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، سنضع قريبا طابعنا الشريف على الظهير الشريف المحدث لهذه المؤسسة، إيذانا بتفعيلها، والذي نحن عليه حريصون.
وفي المجال الثالث، ونظرا للأدوار الرائدة والفعالة التي تنهض بها وسائل الاتصال الحديثة في تكوين عامة المواطنين، فقد بادرنا بإحداث إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم. مما كان له صدى طيب وإشعاع كبير. وقد عززناهما ببرنامج للوعظ والإرشاد والتكوين، عبر جهاز التلفاز بالمساجد، بالإضافة إلى تطوير موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على شبكة الإنترنيت، وفق آخر المستجدات في هذا الميدان.
ونود التنويه بالجهود الدؤوبة، التي يبذلها خديمنا الأرضى، وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية، والسيدات والسادة العلماء، وأطر الوزارة، وشركاؤها، من أجل حسن تفعيل استراتيجيتنا المندمجة لإصلاح وتأهيل وتجديد الحقل الديني، في ظل إمارة المؤمنين، التي يجمع عليها المغاربة نظاما لهم، والإسلام السني المالكي، الذي ارتضوه دينا لهم.
حضرات السيدات والسادة ؛
إن ما حققناه، بحمد الله وحسن توفيقه، من مكتسبات هامة في مجال تدبير الشأن الديني ببلادنا، ليعد مبعث اعتزاز. بيد أن طموحنا الكبير، وعزمنا الوطيد على تأهيله الشامل والموصول، ليستحثنا على بذل المزيد من الجهود لإحكام الخطط، وتحسين الأداء، وتحقيق أفضل النتائج.
وفي هذا الصدد، وفي إطار العناية الخاصة التي ما فتئنا نوليها للشأن الديني، فقد قررنا، في خطابنا السامي أمام مجلسكم الموقر، بمدينة تطوان يوم 26 رمضان 1429 ه` الموافق ل 27 شتنبر 2008م، تدشين مرحلة جديدة من الإصلاح الديني، بإطلاق خطة رائدة، أسميناها "ميثاق العلماء". وإننا لنريده برنامجا نموذجيا للتوعية والتنوير، والرقي بالخطاب الديني إلى مستوى تطلعات الأجيال الحاضرة، لتعميق وعيها بقيم الإسلام، بعيدا عن الغلو والتطرف. وتقديرا منا للمؤسسة الموقرة للمجلس العلمي الأعلى، فقد أنطنا بها الإشراف عليه بتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وإننا نشيد بجهود المجلس العلمي الأعلى، كما ننوه بتعاون وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية مع المجلس، من أجل وضع برنامج محكم وتدابير عملية دقيقة، لتنفيذ هذه الخطوة المباركة.
ويسعدنا اليوم أن ندعو السادة العلماء والسيدات العالمات إلى الانطلاق في تنفيذ هذا البرنامج الطموح، بشقيه: تأهيل أئمة المساجد وإرشادهم إلى قواعد جامعة وموحدة، تتحقق بها الطمأنينة الروحية اللازمة، وتعزيز صيانة وظائف المسجد وحرمته، مع الارتقاء بمستوى الأئمة العلمي والعملي، حتى يضطلعوا برسالتهم على أحسن وجه؛ والانتشار كذلك في البوادي والمدن لتوعية عامة الناس وتوجيههم.
حضرات السيدات والسادة ؛
إننا لعلى يقين، من أن تطبيق ميثاق العلماء، كما تم تحديده وبرمجته وتدقيق أهدافه، يعد رافعة أساسية، تنضاف إلى المشروعات الكبرى التي وضعناها لتحقيق التنمية الشاملة، التي لا تتأتى إلا بتعبئة كل الطاقات، وتسخير جميع الوسائل والإمكانات، ولاسيما منها تحفيز الوازع الديني على العمل البناء والتنافس، وإخلاص المقاصد والنوايا في خدمة الصالح العام.
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". صدق الله العظيم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".