نـص الـرسـالـة الملكيـة الساميـة إلى المشاركيـن في الاجتماعـات السنويـة المشتركـة للهيئـات الماليـة العـربيـة

الرباط يوم 18/04/2006

"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سرورنا، أن نفتتح أشغال الاجتماعات المشتركة للهيئات المالية العربية، التي نخصها بكامل الرعاية والتقدير، إيماناً منا بدورها الرائد في تقوية دعائم الاقتصاد العربي، وتحقيق التنمية المندمجة والمتكاملة بين البلدان العربية. ويسعدنا بهذه المناسبة، أن نرحب بضيوفنا الكرام، أعضاء الوفود المشاركة في أشغال هذه الاجتماعات، التي تحتضنها المملكة المغربية، أرض تلاقي الأشقاء العرب على مختلف الأصعدة. وذلك في إطار الحرص الدؤوب على الدفع بالعمل العربي المشترك، لما فيه خير الشعوب العربية ورفعتها وتقدمها.
وإن لقاءكم اليوم، لا يشكل فحسب فرصة سانحة لاستعراض النتائج المالية لمؤسساتكم، ونشاطها في مجال تمويل المشاريع الإنمائية، خلال السنة الماضية، بل يعد أيضا محطة هامة لتقييم ما حققتموه من منجزات في مسيرتكم الطويلة، على درب التكامل والتنمية الاقتصادية العربية المشتركة، وتوطيد المكتسبات، وتسليط الضوء على ما يتعين إنجازه مستقبلا، في ظل محيط دولي يعرف تحولات متسارعة، وتطبعه العولمة والمنافسة المحتدمة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يتابع الاقتصاد العالمي مسيرته الحثيثة، نحو توطيد دعائم عولمة شرسة، تتجاوز الإطار التقليدي لتبادل البضائع والخدمات، لتشمل مسلسل الإنتاج، حيث أضحت الشركات العالمية تبرمج إنتاجها ومبادلاتها في مناطق متعددة من العالم، للاستفادة من كل الامتيازات المتاحة لها.
ولذلك، فلا غرابة أن تحتدم المنافسة بين دول العالم لجلب الاستثمارات الأجنبية، والاندماج في الاقتصاد العالمي، وللحفاظ على مكانة الاستثمار الوطني، وتوسيع تدخلاته على المستويين القطاعي والجغرافي.
والعالم العربي الذي تحدوه آمال عريضة للارتقاء إلى مستوى تطلعات شعوبه، وتحقيق اندماجه الاقتصادي، لا يمكنه أن يظل بمعزل عن هذا المد. بل إن الإمكانات المادية والبشرية التي يزخر بها، تفرض عليه أن يكون في طليعة الفاعلين في العولمة، والمستفيدين من ديناميتها. وهو ما لن يتأتى إلا بتضافر الجهود بين كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، من خلال منظور مشترك وتنسيق تام.
إن توفير المناخ الاقتصادي والاجتماعي الملائم، يعد من بين أهم التحديات، التي تفرضها علينا التنافسية اليوم، حيث لا يمكن للاستثمار أن ينمو ويزدهر إلا ضمن فضاء رحب، يوفر شروط جودة المنتوج، ويضمن تحقيق الربح. وهو ما يتطلب، بصفة خاصة، الرفع من مستوى بنياتنا التحتية، والاهتمام بالعنصر البشري، باعتباره الدعامة الأساسية للتنمية، وللنهوض بالقضايا الاجتماعية والتشغيل.
وفي هذا الصدد، يعد توفير البنيات التحتية، والاهتمام بالولوج الواسع للخدمات الأساسية، ولاسيما التربية والتعليم والتكوين والصحة، ومحاربة الفقر ومختلف أشكال التهميش والإقصاء الاجتماعي، مدخلا أساسيا لتحسين تنافسية اقتصادياتنا، وضمان مشاركة الجميع في معركة التنمية البشرية وخلق الثروات.
لقد أثبتت التجارب الدولية الناجحة أن العناية بالجانب الاجتماعي، وتحسين أنظمة الحكامة، لم يعد مجرد عنصر مكمل للسياسات التنموية، بل أصبح شرطا أساسيا لها. وهو الأمر الذي يتطلب الكثير من العناية والاهتمام، بالنظر للتأخر الحاصل في معدل المؤشرات العربية في هذا المضمار. لذلك ينبغي أن يحظى هذان الجانبان باهتمام خاص، من قبل الهيئات المالية العربية في السنوات القادمة، للرفع من المستوى المعيشي للمواطن العربي، وتحسين ظروف حياته، وضمان مشاركته الفاعلة في مسلسل التنمية.
ومن ناحية أخرى، فإنكم تعلمون، حضرات السيدات والسادة، ما للتبادل التجاري البيني من أهمية في توفير قاعدة استهلاكية عريضة لقطاعاتنا الإنتاجية، حتى تتمكن من تحسين مردوديتها، وتتأهل لخوض غمار التنافسية، في الأسواق العالمية. ويندرج في هذا الإطار، إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التي ينخرط فيها المغرب، بكل عزم ومثابرة.
ومن أجل تعزيز هذه المشاريع، فقد أضحى من الضروري وضع كل الوسائل التقنية والمالية اللازمة رهن إشارة الفاعلين الاقتصاديين، ولاسيما من خلال توفير الموارد اللازمة لتمويل التجارة العربية، وتشجيع تدفق الاستثمارات العربية البينية. وتلكم من بين المهام التي تضطلعون بها، والتي تتطلب المزيد من التعاون، فضلا عن توفير الوسائل التمويلية المناسبة.
وفي نفس السياق، فإن الحكومات العربية تسعى من جانبها إلى الرفع من وتيرة الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية. ذلك أن تلكم الإصلاحات تعد شرطا أساسيا لإنجاح المبادرات الاقتصادية، ومدخلا لتحقيق التنمية بمفهومها المندمج. وهو مجال خصب لعمل مؤسساتكم، سواء تعلق الأمر بدعم المشاريع التنموية، أو بالجهود الإصلاحية بالبلدان العربية، من منطلق ما هو ملقى على عاتقكم من مسؤولية اجتماعية ومواطنة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
أمام هذه التحديات الجسيمة، لابد أن نسجل بكل اعتزاز، الجهود الجبارة التي تبذلها مؤسساتكم، للاستجابة لحاجيات البلدان العربية، وتوطيد دعائم تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تعبئة الموارد المالية الكافية، وتقديم المساعدات التقنية، لإنجاز المشاريع الإنمائية والاستثمارية، في الدول الأعضاء، وترسيخ مقومات الاستقرار الاقتصادي.
وإننا في المملكة المغربية، لننظر بعين الرضى والامتنان، إلى إسهامكم الفعال في دعم جهودنا التنموية، على تنوعها واختلاف مجالاتها؛ ذلك أن لتدخلاتكم في ميادين الفلاحة والري، وبناء السدود وتشييد الطرق، والسياحة وتوفير الماء الشروب والكهرباء، وغيرها من المشاريع الإنمائية الكبرى، التي نعمل على إنجازها، أبلغ الأثر في الرفع من وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
وفي الختام، نود التأكيد على أننا سوف نواصل، إلى جانب إخواننا قادة الدول العربية الشقيقة، تقديم كامل الدعم والمساندة لمختلف هيئات ومؤسسات العمل العربي المشترك، حتى تتمكن من النهوض بمهامها على الوجه الأمثل. وذلك من منطلق اقتناعنا الراسخ، بأن الانخراط في مسلسل التكامل العربي، يعد خيارا استراتيجيا، تمليه حتمية المصير المشترك، وإيمانا منا بنجاعة العمل الجماعي، الكفيل وحده بالارتقاء بأمتنا إلى المكانة المرموقة التي تستحقها.
وفقكم الله، وكلل جهودكم بالتوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته "