نص الرسالة الملكية السامية إلى الأكاديمية الملكية الاسبانية للعلوم الاقتصادية والمالية التي تعقد دورتها الحالية بمقر أكاديمية المملكة المغربية

الرباط يوم 28/05/2004

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
السيد رئيس مجلس الكرتيس النيابي
السيد رئيس مجلس النواب
السيد رئيس مجلس المستشارين
أصحاب المعالي والسعادة
السيد رئيس أكاديمية المملكة الاسبانية للعلوم الاقتصادية والمالية
السيد رئيس المعهد الاسباني
السيد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة
أيتها السيدات أيها السادة
ان حضوركم هذا الصباح في رحاب أكاديمية المملكة المغربية بالرباط ليؤكد لمن لازال يساوره شك ان المغرب وإسبانيا قد عقدا العزم على مواصلة المشوار سويا مرتبطين ارتباطا فريدا بعرى الصداقة والجوار، فها هي إحدى أكاديمياتكم الملكية تلتئم لأول مرة خارج الديار الإسبانية واختارت ان يكون للمغرب امتياز السبق في احتضان جلساتها وانه لنعم الاختيار.
ومما أثلج صدرنا ان أطل علينا موسم الربيع هذه السنة مهلا بما نتوخاه من تجديد لعلاقاتنا في عمقها الاستراتيجي، كما يبشر بعودة الثقة بين شعبينا وإقدامهما بنفس العزيمة وبروح التضامن والمسؤولية على مواجهة تحديات العصر والتغلب عليها بدءا بقضايا الأمن الشامل والاقتصاد والشراكة الأورومتوسطية ووصولا إلى المكانة الجديرة بنا في خضم التحولات التي تعرفها المجموعة الدولية.
وانكم في هذه اللحظة التاريخية لتضيفون اليوم شيئا غير مسبوق يتسم في الان ذاته بالإقدام وبتمكين المجتمع المدني في بلدينا من فرصة التوفر على منبر متميز هذين المجتمعين المدنيين اللذين لهما كلمتهما فيما يتعلق بمصيرنا ومصالحنا المتبادلة، وأيضا في هذا التفاعل المتشعب الدقيق والمتميز جدا والذي يجعل المغاربة والاسبان نادرا ما يغفلون ما يقترحه عليهم قادتهم عندما يتعلق الأمر بتحديد وتيرة تعاوننا ومحيط شراكتنا.
أصحاب السعادة
أيتها السيدات أيها السادة
ان أكاديميتكم هي أكاديمية الخبرة والتجربة في الحقل الاقتصادي والمالي.
واسمحوا لي في هذا السياق ان أقترح عليكم مساعدة السياسيين بحيث يصبحون أكثر إبداعا من أجل ان نضع إطارا مؤسساتيا يحفز ويشجع الفاعلين في بلدينا على الاهتمام بمشروع يتعين إحداثه ويتمثل في مقاولة مغربية إسبانية تطمح لان تكون في صدارة المقاولات التي تغزو الأسواق الدولية المنفتحة.
وبالفعل فنحن نتوفر معا على الموءهلات التي تمكننا من تصدر الاسواق العالمية لما نتسم به من فعالية ومصداقية في مجالات الصناعة الفلاحية والنسيج أو في صناعة تركيب السيارات والطائرات.
واننا لنتكامل في كل هذه القطاعات التي أكدنا فيها جدارتنا والتي بإمكاننا ان نحقق فيها المزيد والأفضل عن طريق دمج موءهلاتنا واستثمار موارد وخبرات بعضنا البعض.
ونفس الأمر ينطبق بطبيعة الحال على السياحة التي تشكل محورا أساسيا وحيويا في اقتصاد بلدينا فإسبانيا التي برهنت منذ عهد طويل على نجاعة الاستراتيجية التي اعتمدتها في هذا المجال بإمكانها اليوم ان تمنح نفسا جديدا للفاعلين والمستثمرين فيها في هذا الحقل بأخذها بعين الاعتبار وبكل جدية الفرص التي يوفرها لها المغرب الذي يعد امتدادا طبيعيا لفضائها السياحي.
أصحاب السعادة
أيتها السيدات أيها السادة
انها طموحات مشروعة لا تبرح مكانها من اهتمامنا مثلما تفرض نفسها على ضفتي حوض البحر المتوسط. فالواقعية والمنطق يشقان طريقهما لإعطاء الشراكة الاستراتيجية الأورومتوسطية المتقدمة مضمونها الحقيقي الذي كانت المملكة المغربية من أوائل الدول التي دعت إليه وهو أمر أصبح يدركه الجميع ويقر به.. ان الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى بلدان جنوب حوض المتوسط التي تعتبر بالنسبة إليه إلى جانب احتياجات أخرى حلقة حيوية في مسار نموه، وقد أظهرت دراسة حديثة في هذا الصدد انه لو كانت العلاقات التجارية بيننا جد وثيقة على غرار ما هي عليه بين اليابان والصين مثلا فان بلدان الاتحاد الأوروبي ستكسب زهاء نقطة واحدة إضافية سنويا في معدل نموها.
وبدورها فان بلدان جنوب حوض المتوسط في حاجة إلى أوروبا قوية تمكنها من ان تستجيب أفضل ما يمكن للتحديات الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية والثقافية التي أصبح يطرحها عالم منفتح أكثر فأكثر على المبادلات الاقتصادية والتجارية وبالتالي على المنافسة وكذا في أفق فضاء دولي أضحى يفرض على الجميع حرية التفكير والإبداع والتنقل إلى جانب المقاولة بكل تأكيد.
أصحاب السعادة
أيتها السيدات أيها السادة
ان مجال الممكن وكما نلاحظ ذلك فسيح جدا سواء تعلق الأمر بالدفعة التي يتعين إعطاوءها لعلاقاتنا الثنائية بمنحكم إياها وأوءكد هنا جرعة الإبداع والتجديد والتي ينبغي لكم ان تقترحوها علينا أو تعلق الأمر كذلك بدورنا وبمسؤولياتنا المشتركة في بناء هذا الفضاء الاستراتيجي الجديد بالمنطقة مع ما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في توازناتها وطموحاتها بغية الرقي بها أكثر.
وهكذا فالمملكة المغربية ومملكة إسبانيا هذا اليوم مع أوراش تاريخية تمتزج فيها أهداف الدولة مع التطلع للقضايا الكبرى.
وانني لعلى يقين من ان هذا اليوم المغربي لأكاديميتكم الذي سيخلد في صفحات التاريخ سيساهم في تنويرنا وفي إثراء نقاش في بلدينا أضحى منذ الان مفتوحا من أجل مستقبل أفضل لشعبينا وأمتينا.
وأتمنى لكم كامل التوفيق في أشغالكم ".