نص الرسالة الملكية السامية الموجهة للمشاركين في مؤتمر الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مراكش يوم 15/05/2006

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله،
صاحبة السمو الملكي،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي الترحيب بالممثلين الأفاضل لكل من الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والاتحاد الدولي للهلال الأحمر والصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية والقطاع الخاص، المتواجدين بين ظهرانينا، معربا لهم عن اعتزاز المملكة المغربية باستضافة هذا اللقاء الهام في رحاب مدينة مراكش الجميلة التي تحمل بجلاء بصمات انفتاحها على قيم الحداثة، فضلا عن تشبثها الراسخ بمقومات أصالة وثقافة المغرب.
تكتسي الدورة الخامسة لمؤتمركم هذا أهمية بالغة بالنظر إلى مستوى المشاركين فيها وطبيعة المواضيع التي سيتم تدارسها طيلة فترة انعقادها. وينتظر من هذا اللقاء أن يساعد على إفراز تصور واضح المعالم يتسم بالواقعية ويستند إلى مقترحات ملموسة تتلاءم مع الخصوصيات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تتميز بها المنطقة، فضلا عن ضرورة انسجامه التام مع الأهداف المرسومة في إطار استراتيجية 2010 للحركة الدولية لجمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر.
وتجدر الإشارة إلى أن دول المنطقة، ذات البنيات الاقتصادية المتكاملة في ما بينها، تسجل عموما معدلات نمو اقتصادي متوسطة ومتباينة في ما بينها، إلا أنها لا تزال تعاني بالخصوص من نسب عالية للعجز الاجتماعي ومن تفاعل صراعات سياسية ناجمة عن النزاعات القائمة. كما ينضاف إلى هذا كله ارتفاع نسبة النمو الديموغرافي ارتفاعا حادا نسبيا واستفحال ظاهرة التصحر ومخاطر انتشار الأوبئة، ناهيك عن الكوارث الطبيعية. وقد أدى هذا الوضع في بعض الدول إلى تعاظم نسبة البطالة وتزايد الحاجة إلى الخدمات الأساسية لدى الفئات الاجتماعية المعوزة، لا سيما من بين الشباب. وهنا تكمن أهمية الدور المنوط بالجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر في مواجهة هذا الوضع، وذلك من خلال تقديم المساعدة للسكان المحرومين أو ضحايا الكوارث الطبيعية، والنهوض بمبادئ وقيم العمل الإنساني ومكافحة انتشار الأوبئة، لا سيما في صفوف الأهالي الذين هم عرضة لشتى الأخطار. لذا يتعين عليكم، من هذا المنطلق، إنجاز أعمالكم طبقا للمبادئ الأساسية والقيم الإنسانية التي تتبناها الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ألا وهي الحس الإنساني والحياد والتجرد والاستقلالية وروح التطوع والوحدة والشمولية العالمية.
حضرات السيدات والسادة،
يعد هذا اللقاء مناسبة لتنكب الجمعيات التي تنتمون إليها على تدارس بعض القضايا الأساسية التي تحظى بكامل العناية من لدننا، مثل التدبير الوقائي للكوارث والأمن الغذائي والعمل التطوعي والصحة للجميع. ويندرج ذلك كله في سياق الاهتمام الخاص الذي توليه المملكة المغربية لقضايا التنمية البشرية المستديمة.
وقد بات من الضروري أن تتوحد جهودكم بهدف وضع وتنفيذ استراتيجية شاملة ومندمجة تقوم على مبدأ التضامن، وتمكن من إبراز الإمكانيات المتاحة في هذا المجال على الصعيدين الوطني والإقليمي وإشراك الحكومات في العمل التطوعي، في إطار تعاقدي فضلا عن تجاوبها مع ما تقوم به وكالات الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة والقطاع الخاص، وذلك حتى يتسنى مواجهة التحديات المطروحة على صعيد العمل الإنساني وتحسين الظروف المعيشية للفئات المحرومة وتجسيد برامج العمل الخاصة بكل جمعية وطنية.
إن ما قامت به جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدافع إيمانها بقيم التضامن الفاعل والعمل التطوعي التلقائي والتعبئة المكثفة للتخفيف من معاناة السكان إثر وقوع كوارث طبيعية في بعض دول المنطقة مثل الزلزال الرهيب الذي ضرب منطقة الحسيمة منذ سنتين، لهو خير تجسيد لروح التضامن الذي يطبع عمل هذه الجمعيات والأعمال الإنسانية النبيلة التي تميزها. وفي هذا الصدد، أود أن أنوه بالمبادرة التي قام بها شخصيا السيد جاكوب كلينبرغر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أجل إطلاق سراح آخر السجناء المغاربة الذين كانوا محتجزين في تندوف في خرق سافر للشرعية الدولية.
وبهذه المناسبة أعرب مجددا للسيد جاكوب كلينبرغر عن خالص مشاعر شكر وامتنان الشعب المغربي لما قام به شخصيا في هذا الصدد، وكذا التنويه بالمؤسسة التي يقودها نظرا للجهود الحثيثة التي تبذلها من أجل إيجاد مخرج لهذه الكارثة الإنسانية.
حضرات السيدات والسادة،
إن المملكة المغربية، بلد التضامن قد انخرطت على الدوام في نصرة القضايا الإنسانية. وقد أثبتت ذلك منذ زمن بعيد من خلال تأكيدها العزم على العمل، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، من أجل نشر ثقافة التضامن وفق ما تمليه تعاليم الدين الإسلامي وقيمه. ومن هذا المنطلق، تم الشروع في إنجاز هيكلة اجتماعية حقيقية، تقوم من بين ما تقوم عليه على أساس تقوية روح التضامن الاجتماعي وتعزيز التنمية البشرية المستديمة.
ولنغتنم هذه الفرصة لاستحضار بعض من صفحات الماضي من خلال الاحتفال بالذكرى الخمسينية لتأسيس الهلال الأحمر المغربي غداة الاستقلال على يد محرر البلاد جدنا المنعم، جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه. فمنذ ذلك الحين، غدا العمل التطوعي الذي تقوده صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مليكة عنوانا بارزا للحس التطوعي المتقد وروح التضامن العالية اللذين يتحلى بهما كافة المغاربة في مجال العمل الإنساني.
وما كان لعمل الهلال الأحمر المغربي أن يتحقق لولا تلك الروح التطوعية التي تتحلى بها كافة مكونات المجتمع المغربي. لذا، نهيب بمواطنينا للمضي قدما على هذا الدرب من خلال الانخراط أكثر فأكثر في العمل الطوعي، حتى نسهم جميعا في التخفيف من معاناة بني البشر، ليس فقط إبان حدوث كوارث طبيعية، بل وبالأخص لتقديم العون لكل من يوجدون في وضعية صعبة. ولن يتأتى لجمعياتنا بلوغ الأهداف النبيلة التي تصبو إليها إلا من خلال إرساء الأسس لقيام تضامن فعال وعمل تطوعي أكثر جدية والتزاما.
وقد أفرد المغرب لقيم التضامن والعمل المتنوع والمتعدد الأبعاد المكانة اللائقة بها ضمن أولوياته كلها، من خلال تشجيع فعاليات الحركة الجمعوية وتحفيزها على المشاركة الكاملة في أصعدة مختلفة من الحياة العامة، في إطار من التجاوب والانسجام مع المهام الموكلة للسلطات العمومية والهيئات المنتخبة والفاعلين الخواص. لذا تتمكن الجمعيات، من خلال الدعم والمساعدة للفئات المحرومة والأهالي في وضعية صعبة، من الإسهام في تعريف العموم بثقافة التضامن والعمل الطوعي وبالتالي من تقوية دعائم البناء الديمقرطي وتحقيق التنمية المستديمة التي وضعناها في مقدمة أولوياتنا.
وقد عملنا، في هذا الإطار، على انخراط المغرب في مسلسل إنجاز مشروع مجتمعي ضخم، ألا وهو المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تتميز بفلسفتها التجديدية وأهدافها الطموحة، وهي تقدم رؤية مستقبلية شاملة ومتوازنة لتمكين المغرب من تحقيق تنمية عادلة ومتناسقة من خلال إنجاز برامج ملموسة مجددة المعالم ومندمجة تهدف إلى توسيع دائرة المستفيدين من التجهيزات والخدمات الاجتماعية الأساسية وتشجيع الأنشطة المدرة للدخل وتقديم يد العون للأشخاص الأكثر عرضة للهشاشة أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما أن هذه المبادرة هي عبارة عن جهد جماعي مشترك يتعين على سائر الفاعلين والمواطنين الإسهام فيه، لا سيما فعاليات الحركة الجمعوية التي توجد بفضل الفرص المتاحة لها في هذا الإطار، في وضع يؤهلها لتطوير إمكانياتها وإثبات قدراتها التي تستلهمها من قيم التضامن والتشارك التي تتبناها.
واعتبارا لإيمانكم بالقيم السالفة الذكر، فإننا على يقين أن لقاءكم هذا قد رسم لنفسه المرامي ذاتها، بالنظر إلى المواضيع المطروحة للنقاش، ووضع لنفسه الأولويات ذاتها، أي العمل لما فيه سعادة الأفراد وهناؤهم. وإننا لنولي اهتماما خاصا للنتائج التي سوف تتمخض عنها اجتماعاتكم.
نسأل الله العلي القدير أن يكلل أشغالكم بالنجاح ويسدد خطاكم ويهديكم سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".