نص الرسالة الملكية السامية الموجهة للمشاركين في أشغال المنتدى العالمي للجمعية الدولية للتكوين الفندقي والسياحي بمراكش

مراكش يوم 28/02/2002

  " الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه
   حضرات السيدات والسادة
   لقد أكدنا منذ سنة خلت وبمناسبة اشرافنا على اعتماد استراتيجية وطنية عشرية للنهوض بالقطاع السياحي ان نهجنا الاستراتيجي لا ينطلق فقط من اعتبار السياحة قاطرة للتنمية والتقدم الاقتصادي ولكن من كونها بالاساس خيارا حضاريا يتيح لبلادنا التعبير عن تقاليدها الراسخة في التعارف والتواصل بين الثقافات والشعوب والانفتاح على الاخر والتحلي بالتسامح وكرم الضيافة العريق مجسدة عبقريتها المتميزة بكونها ظلت على مدى العصور ملتقى لتفاعل الحضارات وواحة للسلام ووجهة أمنة للوافدين عليها من شتى الانحاء.
   وبفضل اعتمادنا لاستراتيجية موءسسة على منظور حضاري منفتح وروءية واضحة على المدى البعيد واهداف والتزامات مضبوطة وشراكة مثمرة بين الدولة والقطاع الخاص مدعومة بالاحترافية والتناسق والفعالية نجح المغرب في تدبير الوقع السلبي للاحداث المأساوية للحادي عشر من شتنبر الماضي على التدفق السياحي معززا السمعة والثقة المشهود له بهما كبلد يتمتع بالامن والاستقرار ومنارة لاشعاع حضاري لقيم السلم والديمقراطية والاعتدال واحترام الحياة الانسانية في كل تجلياتها.
   وهكذا ظل المغرب يحظى بثقة الاسرة الدولية دولا ومنظمات ومجتمعا مدنيا محتضنا في خضم ظرفية عالمية عصيبة عدة موءتمرات دولية في موعدها المقرر من قبل مما يوءكد مكانته كبلد نموذجي لاحتضان التظاهرات الدولية وجذب السياح الواثقين من موءهلات واجوائه الامنة المستقرة.
   وما حرصكم على انعقاد المنتدى العالمي للجمعية الدولية للتكوين الفندقي والسياحي لاول مرة في بلد افريقي الا دليل على الثقة التي يحظى بها المغرب لدى موءسستكم الموقرة ولدى الشخصيات المرموقة علميا ومهنيا المشاركة في هذا المنتدى العالمي الذي أبينا الا ان نشمله برعايتنا السامية معربين عن ترحيبنا العميق بهم على ارض المملكة المغربية.
   حضرات السيدات والسادة
   ان المغرب لعازم في نطاق استراتيجيته الوطنية على ان ينال نصيبه من الحركية الهائلة للتدفق المتوقع لازيد من مليار سائح عبر العالم ربعهم في المنطقة المتوسطية وحدها وهو ينطلق في ذلك علاوة على هويته الحضارية المنفتحة من موءهلاته الضامنة لجودة وتنافسية منتوجه السياحي والمتمثلة في موقعه الجغرافي المتواجد في صميم الوجهات السياحية الكبرى وفي تنوع طبيعته المتيحة للسياحة الساحلية والجبلية والصحراوية بما لكل منها من خصوصيات متميزة ومشاهد وتراث ثقافي عريق ومتنوع يتمثل في مدن تاريخية وقصبات اثرية مصنفة ضمن التراث العالمي للانسانية وفي شتى مظاهر الحضارة المغربية الحافلة بالفنون الشعبية والمعمار البديع والمطبخ والزي المغربيين المتفردين بأصالتهما العريقة والجذابة فضلا عن الاشكال الجديدة للايواء مثل دور الضيافة والاقامات القروية
  ومن اجل الاستثمار الامثل لهذه الموءهلات عملنا على تفعيل استراتيجية طموحة ذات ابعاد موءسسية ومالية وعقارية وجبائية تستهدف في افق نهاية العقد الحالي استقبال عشرة ملايين سائح سنويا وتعزيز الطاقة الايوائية بثمانين الف حجرة وخلق ستمائة الف منصب شغل ورفع مساهمة السياحة في الناتج الداخلي الوطني لتتصدره بنسبة عشرين بالمائة.
  كما تعتمد هذه الاستراتيجية سياسة تنموية مجددة ولا متمركزة متناسقة بين القطاعين العام والخاص يقوم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها بدور فعال في تنشيط الاستثمار السياحي من خلال تهيئة وتجهيز مناطق سياحية وتتولى فيها المراكز الجهوية للاستثمار دور الشباك الوحيد المحرك والمسهل لانجاز مشاريع المنعشين السياحيين الذين نوليهم اعتبارا خاصا بين فئات المستثمرين.
  ومهما كانت اهمية الموءهلات الطبيعية ووفرة الامكانات الاستثمارية فان تاهيل الموارد البشرية يظل المحدد الاساسي لكسب رهان ما نبتغيه للسياحة من دور حيوي في تنمية بلادنا وهكذا انصب اهتمامنا على التكوين الكمي والكيفي للعنصر البشري الذي نعتبره اغنى راسمال يتوفر عليه المغرب  وافضل طاقة خلاقة غنية لشبابنا الشغوف بالسياحة الجامعة بين احترافية التكوين واخلاقيات المهنة.
   وفي هذا المجال فان تكوين الكفاءات البشرية الموءطرة للتبادل المباشر بين الحضارات يجب ان يتضمن في مناهجه حيزا هاما من التكوين السوسيو-ثقافي فضلا عن الجوانب التقنية المتسارعة التغيير حتى يكون الفاعلون الميدانيون في الصناعة السياحية موءهلين للتوفيق بين الاستجابة لحاجة السائح في المتعة والاستجمام وبين مستلزمات الاستثناء الثقافي في معناه الايجابي بما يقتضيه من احترام الهويات والحفاظ على الاصالة والتنوع البيئي والسوسيو-ثقافي الذي يعتبر المحفز الاساسي للسياحة.
    واننا اذ نثمن توجهكم ومنظمة السياحة العالمية في هذا الشأن لنعتبر منتداكم فرصة ثمينة لنا جميعا لتبادل الخبرات في مجال التكوين الفندقي والسياحي الذي نتقاسم واياكم الايمان بكونه ليس  مجرد تلقين للتقنيات المهنية السياحية بقدر ما هو اكتساب لثقافة وفن التواصل الانساني الذي يشكل قوام النشاط السياحي وهدفه الاسمى في ان واحد.
  ونحن واثقون بانكم ستغنون بخبرتكم وعلمكم هذا البعد الانساني والثقافي للسياحة جاعلين منها ذلكم السبيل الامثل لتمتين الوشائج بين الشعوب والثقافات من خلال الاتصال والتكنولوجيا الحديثة وهو ماستلمسونه في مدينة مراكش التي ينطق كل مشهد من مشاهدها بعبق التراث الثقافي والروحي باعتبارها احد شواهد التنوع الحضاري الوطني الذي يوءهل المغرب ليظل قبلة للسياحة العالمية.
   والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".