نص الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى أسرة القضاء بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء

الرباط يوم 12/04/2004

" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه..
حضرات السادة أعضاء المجلس الاعلى للقضاء
يطيب لنا أن نخاطبكم ومن خلالكم أسرة القضاء التي نحرص على ان تتوافر فيها كل الفضائل المثلى للنهوض بأمانة اقامة العدل الذي يعد من وظائف الامامة العظمى والاساس الراسخ للحكم القويم وصون حقوق المواطنين وضمان مساواتهم أمام القانون.
ولايمكن للقضاء ان يحقق المكانة الجديرة به الا حين يكتسب ثقة المتقاضين التي لاتتحقق الا من خلال مايتحلى به القضاة من نزاهة وتجرد واستقامة واستقلال عن أي تأثير أو تدخل. ان استقلال القضاء الذي نحن عليه حريصون ليس فقط ازاء السلطتين التشريعية والتنفيذية الذي يضمنه الدستور ولكن أمام السلط الاخرى شديدة الاغواء وفي مقدمتها سلطة المال المغرية بالارتشاء وسلطة الاعلام التي أصبحت بما لها من نفوذ متزايد وأثر قوي في تكييف الرأي العام سلطة رابعة في عصرنا فضلا عن سلطة النفس الامارة بالسوء. واننا لنعتبر ان استقلال القاضي بمعناه الحق عن هذه المؤثرات الجامحة لاتكفله الوسائل القانونية مهما كانت متوافرة وانما يكفله قبل كل شيء الميثاق الذي بينه وبين ضميره فهو رقيبه الذاتي الدائم والوسيلة المثلى لتحصين نفسه من كل تأثير أو انحراف وهو يقوم برسالته النبيلة.
وإذا كان المغرب في نطاق نظامه الملكي الدستوري قد بوأ المجلس الاعلى للقضاء المكانة السامية كمؤسسة دستورية برئاسة جلالتنا وجعل معظم الاعضاء منتخبين للسهر على الضمانات المخولة للقضاة فان أعضاء هذا المجلس هم أول الملزمين بالحرص على استقلال القضاء ونزاهته وحرمته مجسدين هذه الفضائل المثلى بالالتزام بضوابط وأخلاقيات المهنة.
فعليكم رعاكم الله ان تكونوا القدوة في هذا المجال معتبرين مهمتكم تكليفا قبل ان تكون تشريفا حرصين على الا تكونوا والعياذ بالله ممن ينهى عن خلق ويأتي بأسوأ منه.
ومن ثمة وكما هو شان كل مسؤول من الوزير المسؤول سياسيا أمام الملك والبرلمان وأمام المحكمة العليا في حالة خرقه للقانون إلى البرلماني الذي ترفع عنه الحصانة في حالة اخلاله بالدستور والقانون فان القاضي المطوق بأمانة صيانة سيادة القانون لايعتبر بالاحرى فوقه وليس منزها عن متابعته عند الاخلال بواجباته علما بان
الضمانات المخولة له لايجوز ان تفسر بكونها امتيازا تفضيليا وانما هي ضمانات لاداء مهمته باستقلال وفي تقيد بالقانون والا فمن يراقب المراقب.
وحرصا من جلالتنا على تدعيم دولة المؤسسات فاننا ندعوكم إلى ان ترفعوا إلى نظرنا السامي مقترحات تكميلية للنظام الداخلي للمجلس تستهدف ضمان استقلالية أعضائه وتخويله رفع توصيات في شان المخلين منهم بشرف وضوابط وأخلاقيات عضويته بكيفية تجعل من مكوناته نموذجا يحتدى في الاستقامة والنزاهة.
وان التقدير الكبير والرعاية السامية والموصولة التي تحظى بها أسرة القضاء لدى جلالتنا وايثار العفو والتسامح فيما يقع فيه البعض من هفوات أو أخطاء ممن أراد الحق فأخطأ سبيله لايعادله الا دعوتنا المجلس إلى الحزم والصرامة في التصدي لكل اخلال بضوابط واخلاقيات عضوية المجلس الاعلى للقضاء وأسرته في التزام بالقانون وحرص على حرمة القضاء وحصانته.
وادراكا منا بان التزام القضاة بمسؤوليتهم الجسيمة في جو من الاستقلال والتجرد والوقار لايحرمهم من التعبير عن أرائهم البناءة كقوة اقتراحية لاصلاح القضاء وايجاد كل الوسائل الكفيلة بتمكينهم من ممارسة حقوق المواطنة كاملة في التزام بقانون واخلاقيات وخصوصيات رسالتهم النبيلة فقد وفرنا لهم لهذا الغرض ثلاث مؤسسات متكاملة بدءا من المجلس الاعلى للقضاء باعتباره المؤسسة الدستورية الساهرة على الضمانات الدستورية والقانونية المخولة للقضاة إلى الودادية الحسنية للقضاة التي تحتضن مختلف انشطتهم وانشغالاتهم وتعبئتهم كقوة اقتراحية لاصلاح قطاع العدل إلى المؤسسة المحمدية للنهوض بالاعمال الاجتماعية لاسرة القضاء. وبذلك وفرنا للقضاة فضاءات رحبة وقنوات للتواصل والتعبير عن الرأي واقتراح الحلول الملموسة للمشاكل المطروحة داخل اطار مؤسسي ومحدد. وكل ممارسة لهذه الحقوق خارج تلك المؤسسات من شانها ان تمس باستقلاله وتجرده اللذين هما قوام نهوضه على الوجه الامثل بمسؤوليته الجسيمة.
فعلى القضاة العمل داخل هذه المؤسسات لايجاد الحلول المرتبطة بمهنتهم واوضاعهم، وبعد استنفاذ اللجوء لكل هذه الهيآت وعدم إحقاق الحق أو ملاحظة وجود خروقات عميقة فان جلالتنا تظل الملاذ الدائم لضمان حرمة القضاء واستقلاله في كل الظروف والاحوال لاعطاء كل ذي حق حقه واعادة الامور إلى نصابها.
وستجدون دوما في خديم المغرب الاول أمير الموءمنين ليس فقط رئيسا لمجلسكم الاعلى ولكن أيضا ملاذكم الاسمى وسندكم الاقوى في التمسك بمستلزمات مهمتكم السامية.واننا لنناشدكم ان تلتزموا في أداء مهامكم بامره تعالى.."وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل " وبمغزى حكمة الحديث النبوي الشريف.. قاض في الجنة وقاضيان في النار، وإذا كانت أمانة النيابة عنا في إقامة العدل التي تجعل منكم الهياة الدستورية الوحيدة التي تفتح جلساتها وتصدر الاحكام باسمنا فاننا لننتظر منكم الانخراط الكامل والصادق في توطيد صرح دولة الحق بترسيخ سيادة القانون ومساواة المواطنين أمامه وإحقاق الحقوق ورفع المظالم مساهمين بكل
فعالية وحزم واستقامة في إشاعة قيم الديمقراطية والمواطنة المسؤولة وتعزيز روح الثقة والامان والاستقرار المحفزة على الاستثمار والكفيلة بالتنمية والتقدم والازدهار.
سدد الله اعمالكم واعانكم على تحقيق حسن ظننا فيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله ".