نص الرسالة الملكية السامية الموجهة الى المشاركين في المؤتمر العام التاسع للايسيسكو

الرباط يوم 08/12/2006

( تلى الرسالة الملكة السيد عباس الجيراري مستشار صاحب الجلالة)


" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، إنه ليسعدنا أن نرحب بالسيدات والسادة أعضاء المؤتمر العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، معربين لهم عما يخامرنا من سعادة لاستقبال المملكة المغربية لهذا المؤتمر الإسلامي المهم الذي ينعقد في الذكرى الرابعة والعشرين لإنشاء هذه المنظمة العتيدة، ولأول مرة في المقر الدائم الذي تم تشييده بجهود مخلصة من مديرها العام، وبدعم كبير من عدد من أشقائنا قادة الدول الأعضاء، على القطعة الأرضية التي أهداها للمنظمة جلالة المغفور له والدنا المنعم الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، متمنين لكم مزيداً من التوفيق في أعمالكم، والنجاح في تحقيق أهداف مؤتمركم الموقر.
إن انعقاد المؤتمر العام التاسع للإيسيسكو في عاصمة مملكتنا، يعبر عن قوة الإرادة الجماعية للدول الإسلامية الأعضاء، في تفعيل الأهداف التي رسمت للعمل الإسلامي المشترك في مجال اختصاصات هذه المنظمة، انطلاقا من المؤتمر التأسيسي الذي عقد في مدينة فاس، في شهر ماي من سنة 1982، برعاية جلالة والدنا المنعم، قدس الله روحه، ومن القرارات التي اعتمدها المؤتمر العام الأول للمنظمة، الذي عقد في مدينة الدار البيضاء، في شهر يونيو من سنة 1983، والذي ترأست جلسته الافتتاحية، وألقيت فيه كلمة، نيابة عن جلالة والدنا المنعم أكرم الله مثواه.
لقد حققت المنظمة خلال السنوات الماضية إنجازات كبيرة أثبتت أنها لم تكن فقط في مستوى المسؤولية المناطة بها والآمال المعقودة عليها، ولكن كانت أيضا ضرورة أساسية من ضرورات تطور عالمنا الإسلامي، وعاملا مهما في تنميته.
ولا يخامرنا أدنى شك في أن مجالات العمل التي تقوم الإيسيسكو بالإشراف عليها، لا تتوقف وتيرة نموها ولا يتوقف تزايد الحاجات التي تتطلبها، وهذا ما يدعو إلى مواصلة دعم هذه المنظمة الفتية ومدها بكل وسائل العمل الممكنة التي تسهل عليها أداء رسالتها في ظل ما يمر به عالمنا الإسلامي من ظروف دقيقة، تتعرض فيها هويته وثقافته ومصالحه لتحديات شتى، وتتهدد كيانه متغيرات دولية، تساهم في تعميق الخلافات والتشرذم واختلال القيم.
وإزاء هذه الأوضاع التي لا تزيدها الأيام إلا صعوبة، فإن المسؤوليات تتعاظم على مختلف المستويات، في تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل القضاء على الأسباب والعوامل التي تؤجج التوتر وتثير عدم الاستقرار في أنحاء عديدة من العالم، خاصة في العالم الإسلامي الذي يعاني اليوم من مشاكل اقتصادية بنيوية وتنموية خطيرة، تتطلب حلولا عملية للتغلب عليها، لكي يخرج المسلمون من حالة الضعف إلى حالة القوة، ومن تعثر جهود التنمية، إلى النهوض الشامل في جميع الحقول.
إن قوة المعرفة هي الطاقة التي تمد الأمم والشعوب بأسباب التقدم والازدهار. ولما كان من أهم أهداف هذه المنظمة تقوية التعاون وتشجيعه وتعميقه بين الدول الأعضاء في ميادين التربية والعلوم والثقافة والاتصال، وتطوير العلوم التطبيقية واستخدام التكنولوجيا المتقدمة، وهي أهداف تصب في صناعة المعرفة، فإن انتقال العالم الإسلامي من الوضع الحالي إلى وضع أفضل، مرهون إلى حد كبير، بالإنجازات التي تحققها الإيسيسكو في ميادين اختصاصها، في إطار التنفيذ المحكم الرشيد للاستراتيجيات التي وضعتها وصادق عليها مؤتمر القمة الإسلامي في دوراته المتعاقبة، خاصة الاستراتيجيات الثلاث الأكثر أهمية، في المجالات الثلاثة : الثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي.
ومن أجل ذلك، فإن المؤتمر العام للمنظمة الإسلامية -إيسيسكو-، مسؤول عن الدفع إلى الأمام بالعمل الإسلامي المشترك في هذه الحقول العلمية الحيوية، من خلال القرارات التي سيعتمدها، والتي من شأنها أن تضخ دما جديدا في عمل هذه المنظمة، التي تتوالى أنشطتها، وتزداد تطورا وتحديثا سنة بعد أخرى، وتنفتح على آفاق دولية رحبة من خلال الجهود التي تقوم بها في مجال حوار الثقافات وتحالف الحضارات ونشر ثقافة السلام والتعايش.
ومن هذا المنطلق تأخذ الإيسيسكو دورها الحيوي الفاعل في مجالات التخطيط والتنسيق ووضع المشروعات التربوية والعلمية والثقافية والإعلامية، وفي الانفتاح على العالم من خلال شبكة العلاقات الواسعة التي تربطها بكبريات المنظمات الدولية والإقليمية. ولذلك نغتنم هذه المناسبة لننوه بهذه المنظمة، وبجهود المسؤولين عنها، داعين لهم بالمزيد من التوفيق والنجاح في مهامهم، ومعبرين لهم عما نشعر به نحوهم من الرضى والتقدير.
إن دولنا الإسلامية مدعوة اليوم إلى المزيد من التضامن والتنسيق والتعاون في هذه المجالات الحيوية التي هي الأسس لبناء الحضارة، لتتمكن أجيالنا الصاعدة من النمو في بيئة سليمة تكفل لها التوازن العقلي والنفسي، وتبعدها عن منزلقات التطرف والضياع والفراغ الروحي.
ومن هنا يأتي دور منظمة الإيسيسكو في دعم جهود الدول الأعضاء لتحقيق تربية هادفة متوازنة، وثقافة بانية مرتبطة بالأصل ومنفتحة على العصر، تحافظ على قيم الإسلام الخالدة، وتنهل من كل ما هو جديد ومفيد، في اعتماد على العلوم الحديثة التي تقوي كيان الأمة وتدعم اقتصادها وتعزز تنميتها، مع توظيف كل وسائل الإعلام والمناهج التعليمية لتقوية الصلات بين الشعوب الإسلامية، وتحقيق التقارب بينها، ونبذ انقساماتها المذهبية والعرقية، ومعالجة عوامل الضعف والتراجع الحضاري التي تتهددها
إن عالمنا الإسلامي لا يزال دون ما تتطلبه شروط الحياة الكريمة لأبنائه، ودون ما تقتضيه شروط القوة والندية بين نظرائه، على الرغم مما يستند إليه من عقيدة سمحة، وما يمتلكه من موارد مادية هائلة وطاقات بشرية كبيرة. لذلك فإن من الواجب علينا القيام بمسؤوليات النهوض الحضاري، مسلحين بالإيمان القوي وبالعلوم والمعارف المتطورة، في إطار عمل جماعي متناسق تتكامل فيه الجهود والإمكانات وتتضافر الإرادات والمبادرات.
إن بناء العقول وتنشئة الأجيال، وهما من أهداف المنظمة الإسلامية -إيسيسكو-، مسؤولية مشتركة بين جميع الدول الأعضاء، تتقاسمها الحكومات والنخب الفكرية والعلمية والثقافية والمجتمع المدني. وليس السلام وحده هو الذي ينشأ في العقول، ولكن التنمية أيضا تنشأ في العقول القوية القادرة على استغلال المعرفة واستثمار العلم واستخدامه في تطوير المجتمع وتنميته وازدهاره.
وإن منظمة الإيسيسكو التي ستستكمل، بمشيئة الله، ربع قرن في شهر ماي القادم، أصبحت اليوم بيت خبرة ومنتدى عالميا للكفاءات العلمية من مختلف دول العالم الإسلامي، ومركزا دوليا للحوار والبحث عن القواسم المشتركة بين بني البشر، لبناء عالم جديد تسود فيه قيم الإخاء والوئام والسلام.
ولا ريب أن هذه المنظمة الإسلامية الكبيرة التي تحظى بدعم الدول الأعضاء كافة، ستساهم بعملها الجاد في تخفيف الأعباء عن الدول الإسلامية التي تحتاج إلى مزيد من الدعم الأكاديمي والفني لمساعدتها في طي مراحل النمو بوتيرة متزنة، وبمستويات عالية، تتيح لها الفرص لتحقيق التنمية البشرية المستدامة، ولتنفيذ السياسات الوطنية في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال.
وفقكم الله وسدد خطاكم وأعانكم على تحقيق ما تتطلع إليه الأمة الإسلامية من عزة وكرامة وتقدم وازدهار.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".