نص الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في حفل تدشين بيت البحر الأبيض المتوسط بنابولي

نابولي يوم 22/05/2002

 " الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
   حضرات السيدات والسادة
   تغمرنا سعادة كبيرة ونحن نخاطبكم في رحاب أكاديمية البحر الأبيض  المتوسط بمناسبة هذا اللقاء الذي يلتئم من أجل إرساء قواعد الحوار ومد سبل السلام والذي نود أن نزجي فائق التهنئة للقيمين عليه إذ كانوا من السباقين للدعوة للحوار الهادف إلى تجنب كل أسباب الشقاق والفرقة والتصادم ليس  على مستوى حوض المتوسط فحسب بل على مستوى المعمور كله.
   وإننا لنعتبر إنشاء بيت البحر الأبيض المتوسط هنا بمدينة نابل العريقة لبنة تضاف إلى الصرح الشامخ المقام لتفاعل الحضارات. ذلكم التفاعل الذي ما برحت أكاديمتيكم الموقرة تعمل على تحقيقه بحرص  دوءوب.
   ويطيب لنا بهذه المناسبة أن نستحضر افتتاح أشغال أكاديميتكم في ضفة الجنوب وكانت قد احتضنتها مدينة مراكش البهيجة وأن نستحضر ما قدم فيها من أعمال جادة وما دار فيها من نقاشات مثمرة وما تمخض  عنها من أفكار نيرة وروءى صائبة وتوصيات وجيهة. وها أنتهم تفتتحون أشغالكم على صعيد ضفة الشمال في هذه المدينة الساحرة من هذا البلد الذي شهد على مدى عهود متلاحقة تلاقح الحضارات المسيحية بالحضارة الإسلامية وما أعقب هذا التلاقح من انبثاق عصر النهضة.
   وإذا كانت دعوتكم للحوار تعتبر ضرورة ملحة في هذه الفترة المضطربة التي يعيش العالم أزماتها ويعاني تحدياتها فإنها تبدو أكثر إلحاحا بعد الأحداث المأساوية التي أصابت الولايات المتحدة في حادي عشر سبتمبر المنصرم والتي نعدها جريمة ضد الإنسانية جمعاء. فبالإضافة إلى إدانتنا الشديدة لما حدث فقد بادرنا إلى تنظيم قداس ابتغينا منه إزجاء رسالة تبرز توافق الديانات السماوية التوحيدية وتوءكد ضرورة التسامح في تنظيم العلاقات بين بني البشر.
   في هذا السياق ما فتئنا نواصل المساعي والجهود داعين إلى حوار الحضارات والثقافات وإلى تجنب ما أسميناه صدام جهالات في اقتناع بان الجهل هو مصدر التصادم وأن المعرفة المتبادلة هي سبيل التعارف والتفاعل والسلام.
   وبصفتنا أميرا للموءمنين وحاميا لملة الإسلام فقد بادرنا إلى التمييز بين الإسلام الذي هو دين يدعو للسلم والتراحم والتوادد والمجادلة بالتي هي أحسن وبين من جعلوا الدين مطية لأغراض  سياسية دنيئة وأجازوا العنف وبرروا الصدام والتطاحن. إن الإسلام بريء من هوءلاء وإننا من هذا المنبر ندعوكم أن تعمقوا معرفتكم بالإسلام وتاريخه وتفاعله مع حضارات عدة اغتنى منها مثلما ساهم في إغناء حضارات لا تزال تحمل ميسمه.
   حضرات السيدات والسادة
   نجدد لكم عبارات تأييدنا للأهداف النبيلة التي تعملون على تحقيقها ونعرب لكم عما أنتم جديرون به من شكر وتنويه وتقدير.
   والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".