نص الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الدولية حول المبادلات المغربية الفرنسية في المجال العسكري

باريس يوم 13/10/1999

"الحمد لله ولا يدوم إلا ملكه
حضرات السادة الأفاضل والسيدات الفاضلات
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كم نحن سعداء بهذه المبادرة المشكورة بتنظيم ندوة مشتركة بين اللجنتين المغربية والفرنسية للتاريخ العسكري والتي تندرج أعمالها في سياق زمن المغرب بفرنسا. هذه الندوة التي تجمع ما بين مدنيين وعسكريين مغاربة وفرنسيين. إنها لمبادرة منكم حميدة المسعى طيبة الأثر لأنها تهتم بدراسة يبرز ثوابت العلاقات المغربية الفرنسية عبر العصور ويقف عند بعض المحطات من تاريخهما المشترك.
إننا ونحن نتوجه إليكم بهذه التهنئة ليغمرنا شعوران يتكاملان في مضامينهما.
أولهما شعور بالتفاؤل والثقة في أواصر العلاقات التي تربط بين بلدينا واستمرارية التبادل والتواصل بينهما مؤمنين بالأبعاد الإنسانية والثقافية لتفاعل الحضارات لما في ذلك من فوائد تحافظ على الذاكرة التاريخية وتساهم في بناء المستقبل.لأن من حافظ خلال مدة يسيرة على ذاكرة الماضي آخذا من دروسها عبرا و من معانيها نبراسا لا بد أن يكون قادرا على صنع ذاكرة المستقبل.
أما الشعور الثاني فهو الإيمان بضرورة الانفتاح على الآخر لأن النخب الفكرية لن تكتمل معارفها إلا يوضع آرائها وأفكارها موضع حوار لتطويرها وتنويرها من خلال أراء الغير. وهذا في الواقع استثمار لجهود تؤدي إلى الفهم الكامل لمقومات ثقافتنا وشرط ضروري لتتضح مواقع الأمم من الحضارة الكونية وهو بالتالي حركة للعطاء والاقتباس والإفادة والاستفادة والتواصل والتبادل والتلاقح بين القارات والأمم عبر الأجيال والعصور.
وعملكم هذا والتفافكم حول موضوع يبرز التبادل الحضاري بين الدول ويسلط الأضواء على التواصل الحضاري بين المغرب وفرنسا جاء متناسقا مع هذا التصور ومستجيبا لأبعاد ه.
فلا غرو إذن أن أتقدم بأصدق التهاني لجميع المؤسسات الفرنسية التي ساهمت في إنجاح هذه التظاهرة ونخص بالذكر اللجنة الفرنسية للتاريخ العسكري التي احتضنت أشغالكم ولما تقدمه من دعم ومساندة لنظيرتها المغربية.
كما تغمرنا السعادة بأن نتوجه إلى اللجنة المغربية للتاريخ العسكري وهي التي حضيت برعايتنا منذ تأسيسها سنة 1996 وفقا لأوامر والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته عناية من جلالته بالتأريخ وحرصا منه على بعث الثرات العسكري المغربي من مراقبه وتشجيع البحث والتنقيب لتوفير الوثائق الضرورية لمعرفته والكشف عن ذخائر المخطوطات وتشجيع البحث والنشر في مجال التأريخ العسكري وصيانة تراثه وتحفيز الطاقات الوطنية على الإبداع والتجديد لإبراز معالمه كجانب من الجوانب الحضارية المغربية.
حضرات السادة والسيدات
إذا كان هنالك من فضيلة أساسية أقام عليها أسلافنا الميامين ملكهم فهي فضيلة التسامح والتعايش بين الاديان والرغبة الدائمة في الانفتاح على الآخر مما جعل من المغرب أمة وسطا تتميز بالاعتدال وملتقى لحضارات تستمد جذورها من إفريقيا وتتشبع من الينابيع الحضارية الأوروبية وتتجاذبها الحضارات العربية الإسلامية. وإذا كانت في تاريخنا سفارات علمية وديبلوماسية قد أقامت روابط معرفية فليكن لقاؤكم العلمي هذا مناسبة من بين أخرى وخير منهج لتوطيد علاقات التضامن الفكري والعلمي بين بلدينا وتشجيع البحث في ميدان التاريخ العسكري وفتح مجالات وآفاق جديدة للبحث وللتبادل.
وفقكم الله في ما أنتم بصدده وكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق حتى نتمكن جميعا من تحقيق أهدافنا لما فيه الخير للبلدين.
وحرر بالقصر الملكي بالرباط يوم الجمعة 27 جمادى الثانية عام 1420 ه موافق 8 أكتوبر سنة 1999 ''