نص الكلمة السامية التي ألقاها جلالة الملك خلال افتتاح مؤتمر القمة العربية الطارئة

القاهرة يوم 21/10/2000

إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
أصحاب المعالي والسعادة
حضرات السادة
يطيب لنا في مستهل كلمتنا أن نتقدم بالشكر الجزيل إلى أخينا المبجل فخامة الرئيس محمد حسني مبارك على مبادرته الحميدة لدعوتنا للالتقاء في هذا الظرف الدقيق من أجل بحث القضايا التي تهم أمتنا العربية خاصة الظروف التي تمر بها عملية السلام وما يواجهه أشقاوءنا الفلسطينيون المجاهدون من أوضاع موءلمة وصعبة تتطلب منا كامل الاهتمام والعناية.
إن المرحلة الحاسمة التي تجتازها المنطقة لتستوجب منا العمل بروح الواقعية من أجل اتخاذ مبادرات صائبة تمكننا من خلق مناخ عربي جديد يوءهلنا لنقوم بدور موءثر وفاعل في التطورات المتسارعة التي تجتازها منطقتنا.
فالعملية السلمية إن نجحت ستنعكس إيجابيا علينا جميعا وستخلق واقعا جديدا وإن انتكست ستوءثر سلبيا على كامل المنطقة.
إن شعوبنا أصبحت غير مستعدة لتلقي المزيد من الاهانات والصدمات والكوارث والمآسي. فهي تتطلع إلى مستقبل أفضل تنعم فيه بالحرية والسلم والكرامة وتكرس فيه طاقاتها الخلاقة لرفع تحديات التنمية الشاملة. وهذه العوامل مجتمعة تلزمنا استقراء كل الاقتراحات وبذل قصارى الجهود وشحذ كل الطاقات.
وستجدون في المملكة المغربية وفي جلالتنا شخصيا ما عهدتموه دوما في والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني-تغمده الله بواسع رحمته-من مساندة مخلصة ونصرة فعلية للقضايا العربية العادلة وفي مقدمتها الدفاع عن الحرمة المقدسة للمسجد الأقصى المبارك.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة
إن الأحداث والتطورات التي تمر بها القضية الفلسطينية قد أبانت للعالم أجمع أن الدعوات والنداءات الملحة من أجل تحصين عملية السلام في الشرق الأوسط والتنبيه إلى مخاطر انتكاستها لم تتم الاستجابة لها والتعامل معها بروح المسوءولية التاريخية والجدية والواقعية وذلك بفعل الممارسات الاسرائيلية المتعنتة في تنفيذ ما تم الالتزام به تجاه أشقائنا.
لقد عاين العالم أجمع من خلال الصور الفظيعة والموجعة التي نقلتها وسائل الاعلام الدولية القساوة التي عامل بها جنود الاحتلال الاسرائيلي إخواننا المدنيين الفلسطينيين العزل.
هذه الجرائم تستدعي تسخير كل إمكانياتنا لاستنهاض الضمير العالمي من أجل الكشف عن المسوءولين المباشرين والمتسببين في تلك الجرائم. ومن حقنا كأمة ذات حضارة إنسانية كبيرة أن نطالب بذلك.
إن العدد الكبير من الضحايا والشهداء وفي مقدمتهم الأطفال الأبرياء الذين قدموا أرواحهم فداء لحرمة أولى القبلتين وثالث الحرمين ودفاعا عن تحرير أرض فلسطين ليدل بما لا يدع مجالا للشك على أن الشعب الفلسطيني الشقيق قادر على تقديم كل التضحيات من أجل الدفاع عن حقوقه المشروعة وعن مقدسات أمتنا.
وهذا ما يستوجب منا عدم الاقتصار على مجرد التعبير عن المواساة والتعاطف مع كفاحه المستميت بل يتحتم علينا دعمه بكل الوسائل والإمكانيات ومساندة قيادته الصامدة برئاسة أخينا المجاهد الرئيس ياسر عرفات بما تتطلبه المرحلة العصيبة من مقومات الاستماتة في الصمود.
اخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
ان اجتماعنا المبارك في هذا المقام والظرف ليس للتذكير بما قام به كل واحد منا وما سلكه من سبل من أجل استتباب السلام ومن أجل تحرير فلسطين السليبة ذلكم أنه لم تعد هنالك أمامنا خيارات كثيرة لان الظروف الدولية تلزمنا أكثر من أي وقت مضى التعامل مع قضايانا المصيرية بمنظور مستقبلي ومتجدد متسم بالحزم الكبير وبعد النظر.
وحتى لا نعود بعيدا الى التاريخ فإننا نكتفي بالاشارة الى استبشارنا خيرا بالقمة الاخيرة لكامب ديفيد والتى علق عليها الجميع الامال بأن تفضي الى اتفاق حول الوضع النهائي يمكن من اقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وكلنا نعلم أن تلك المفاوضات توقفت بسبب عدم استعداد الطرف الاسرائيلي لقبول خيار السلام المستند على قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض مقابل السلام.
ونهوضا بالامانة الملقاة على عاتقنا كرئيس للجنة القدس الشريف فقد بادرنا في حينه الى عقد اجتماع لهذه اللجنة التى أكدت دعمها للموقف الفلسطيني بخصوص السيادة على القدس الشريف عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة ودعت دول العالم الى الاعتراف بها فور اعلانها.
اخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
ان ايماننا القوي والراسخ بأن استتباب السلام العادل والدائم والشامل في منطقة الشرق الاوسط لن يتم الا باحترام قرارات الشرعية الدولية والاسس التى قام عليها موءتمر مدريد ليستوجب منا مواصلة بذل الجهود بشكل جماعي لدى مختلف الأطراف الدولية الموءثرة في عملية السلام من أجل ترسيخ الوعي والقناعة لديها بأن السلام الحقيقي مطلب عربي صادق وأن استرجاع الحقوق الفلسطينية هو أيضا مطلب عربي ثابت وأن القضية العادلة لمقدساتنا الدينية لن تكون موضع أية مساومة.
كما أن ذلكم الايمان يحفزنا على حث كل الاطراف الموءثرة على الدفع قدما بعملية السلام على المسارين السوري واللبناني بما يضمن استرجاع الجولان السليبة واستعادة كافة الأراضي والحقوق العربية المغتصبة.
واذ نوءكد للعالم أجمع بأن خيار السلام هو خيار لا رجعة فيه فاننا نشدد على ضرورة بذل كل الجهود وتوفير كل الوسائل لاقناع الاسرة الدولية بالعمل على حمل الجانب الاسرائيلي على الانخراط الفعلي في عملية السلام حتى يتيسر للاجيال الحاضرة والقادمة العيش في أمان واطمئنان ووئام.
وختاما اسمحوا لي أن نهنيء أنفسنا جميعا على انعقاد هذه القمة على أرض الكنانة ونشكر الله على لم شملنا وتهيىء أسباب اجتماعنا ءاملين أن يشكل فاتحة لتواصل لقاءاتنا بصفة منتظمة للانكباب على قضايا أمتنا العربية.
ونود أن نجدد الاعراب عن خالص شكرنا وامتناننا لأخينا المبجل فخامة الرئيس محمد حسني مبارك ومن خلاله الى الشعب المصري الشقيق على ماخصنا به من عناية أخوية فائقة وكرم وفادة أصيلة وما بذله من جهود سخية من أجل تيسير انعقاد هذه القمة التى نتفاءل خيرا بدعمها للكفاح الفلسطيني المشروع والدفاع عن الحقوق العربية المقدسة المهضومة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".