" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
شعبي العزيز،
لقد عاهدتك أن أتحدث إليك بكل صراحة مهما كانت الظروف. وإذا كنت لم أخاطبك مباشرة إثر الاعتداءات الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء لأقول بأننا كسبنا المعركة ضد الإرهاب في ليلة واحدة أو أيام معدودة فذلك راجع لثقتي في حكمتك وتبصرك والتزامنا المشترك بالمسوءولية والشجاعة في مواجهة المواقف الصعبة واعتباري أن الوقت وقت عمل وحزم.
فكان ما تابعته من إصداري لتعليمات فورية مكنت من السيطرة على الموقف وبعث الثقة في النفوس منوها بما قام به المواطنون ومختلف السلطات العمومية التي ستظل ساهرة على استقرارك مجندة لخدمتك معبأة تحت تصرفك.
ولاستخلاص الدروس مما حدث والتعبئة ضد تكراره ارتأيت أن أخاطبك اليوم مشاطرا المواطنين عامة وسكان الدار البيضاء خاصة مشاعر التأثر والسخط الشديد والرفض القاطع لما أصابهم من إرهاب عدواني أثيم مجددا الإعراب عن أحر التعازي لأسر الضحايا الأبرياء من لمغاربة والأجانب. وقد قررت تجسيد تضامن الأمة مع أسر رعايانا المتضررين بتخصيص منح مالية لهم.
إن ما وقع من عدوان إرهابي يتعارض مع عقيدتنا السمحة. بل إن مدبريه ومرتكبيه هم من الأوغاد السفلة الذين حاشا لله أن ينتسبوا للمغرب أو للإسلام الحق لجهلهم بسماحته التي تعتبر أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا; وتجعل من الجهاد اجتهادا في فعل الخير بدل زرع الفتنة وسفك الدماء.
وإذا كنا معتزين بالوقفة العفوية للشعب المغربي قاطبة كرجل واحد ضد من خانوا وطنهم وقتلوا غدرا وعمدا أناسا أبرياء وبالتضامن العالمي الواسع من كل الدول الشقيقة والصديقة في هذه المحنة فإن ذلك يجب ألا ينسينا أن ما وقع بالدار البيضاء كان بالإمكان أن يحدث بأي مكان. وإذا كانت الدولة إدراكا منها للأخطار الإرهابية قد تحملت مسوءوليتها في محاربتها والحرص على الوقاية منها بقوة القانون عن طريق نصوص ظلت معروضة على البرلمان عدة شهور فإن بعض الاوساط عملت على المعارضة المنهجية لتوجهات السلطات العمومية مسيئة استعمال حرية الرأي فللجميع أقول.. إن التمتع بالحقوق والحريات يقتضي القيام بواجبات والتزامات المواطنة موءكدا أن بناء الديمقراطية وترسيخها لا يمكن أن يتم إلا في ظل الدولة القوية بسيادة القانون.
لقد دقت ساعة الحقيقة معلنة نهاية زمن التساهل في مواجهة من يستغلون الديمقراطية للنيل من سلطة الدولة أو من يروجون أفكارا تشكل تربة خصبة لزرع أشواك الانغلاق والتزمت والفتنة أو يعرقلون قيام السلطات العمومية والقضائية بما يفرضه عليها القانون من وجوب الحزم في حماية حرمة وأمن الأشخاص والممتلكات.
شعبي العزيز،
لقد عاينت بمشاعر التأثر المسيرة الحاشدة للدار البيضاء. تلكم المسيرة التي تعد أكبر مسيرة وطنية من أجل السلام والتسامح ومناهضة العنف والتعصب لم يسبق لها نظير تنظم في هذه المدينة موءكدة أنها لن ترهبها جرائم شرذمة من الأوغاد السفلة. وقد تذكرت مثلك باعتزاز ومع اختلاف السياق أجواء المسيرة الخضراء المظفرة وما جسدته من التحام مكين بين العرش والشعب والتزام الوعي واليقظة والتعبئة كلما وقع استهداف ثوابت الأمة ومقدساتها سواء للحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة أو لإنجاز مشروعنا الديمقراطي الحداثي.
لقد عبرت شعبي العزيز عن انخراطك القوي في إنجاز مشروعنا في تماسك وانسجام بين مختلف فئاتك وجهاتك ومكوناتك السياسية والجمعوية والثقافية والدينية. كما أكدت في ردك القوي على موءامرة المعتدين أنك اليوم أشد صلابة وأكثر إصرارا وأقوى عزيمة على بناء مغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم والتضامن والتسامح جاعلا من هذا الخيار الوحيد خيارا لكل المغاربة وملكا لكل المواطنين المتشبعين بقيمه المثلى العاملين على تجسيده على أرض الواقع.
ولشعبنا العزيز الواثق بثوابته الحضارية المتشبث بمقدساته وبمكاسبه الديمقراطية أقول.. إن الإرهاب لن ينال منا. وسيظل المغرب وفيا لالتزاماته الدولية مواصلا بقيادتنا مسيرة إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي بإيمان وثبات وإصرار. وسيجد خديمه الأول في مقدمة المتصدين لكل من يريد الرجوع به إلى الوراء، وفي طليعة السائرين به إلى الأمام، لكسب معركتنا الحقيقية ضد التخلف والجهل والانغلاق. وهذا ضمن استراتيجيتنا الشمولية المتكاملة الأبعاد بما فيها الجانب السياسي والموءسسي والأمني المتسم بالفعالية والحزم في إطار الديمقراطية وسيادة القانون. والجانب الاقتصادي والاجتماعي الذي يتوخى تحرير المبادرات وتعبئة كل الطاقات لخدمة التنمية والتضامن. والجانب الديني والتربوي والثقافي والإعلامي لتكوين وتربية المواطن على فضائل الانفتاح والحداثة والعقلانية والجد في العمل والاستقامة والاعتدال والتسامح. وسنظل حريصين أشد ما يكون من الحرص على نهج السياسات اللازمة لتفعيل هذه الاستراتيجية هدفنا الأسمى في ذلك تعزيز كرامة المواطن وتحصين الوطن وضمان إشعاعه الدولي بعون الله وتوفيقه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".