نص الخطاب الملكي السامي في افتتاح الدورة الأولى لأعمال المجلس العلمي الأعلى

فاس يوم 08/07/2005

" الحمد لله،
والصـلاة والسـلام عـلـى مـولانـا رسـول الله وآلـه وصـحـبـه.
حضرات السيدات والسادة العلماء الأفـاضل،
يطـيب لنا أن نرأس اـتـتاح أعمال هذه الدورة للمجلس العلمي الأعلى، بعد استكمال إرساء الصرح المؤسسـي للحقل الديني،من مجالس علمية وأجهزة وتنظيمات مركزيـة وجهوية ومحلية، وتمكينها من الوسائل الكفـيلة بإنجاح مهامها، قياما من جلالتنا بالأمانة التي نتقلدها كأمير للمؤمنين، في السهر على صيانة الملة والدين.
وقد أبينا إلا أن نشرك في هذا اللقاء، علاوة على أعضاء المـجالس العلمية، الأعلى منها والمحلية، نخبة من العالمات والعلماء الأفاضل، اعتبارا منا لإسهامهم الفاعل في النهوض بالدور المنوط بها، تأطيرا وتوجيها، وإرشادا وتنويرا، مع الإصغاء عن قرب،للمواطنين في مشاغلهم الدينية،ولاسيما الشـباب منهم.
وتفعيلا لتوجيهاتنا السامية، بشأن تحديد مرجعية الفـتوى، التي هي منوطة بإمارة المؤمنين، أحدثنا هيئة علمية داخل المجلس العلمي الأعلى، لاقتراح الفـتاوى على جلالتنا، فيما يتعلـق بالنوازل، التي تتطلب الحكم الشرعي المنسب لها، قطعاً لدابر الفتنة والبلبلة في الشؤون الدينية. وإننا لننتظر منكم، أن تجعلوا من هيئة الفتوى، آلية لتفعيل الاجتهاد الديني، الذي تمـيز به المغرب على مر العصور، في اعتماده على أصول المذهب المالكي، ولاسـيما قاعدة المصالح المرسـلة، وقيامه على المزاوجة الخلاقة، بين الأنظار الفقهية والخبرة الميدانية.
وبذلكم نقوم بتحصين الفـتوى، التي هي أحد مقومات الشأن الديني، بجعلها عمـلا مؤسسـيا، واجتهادا جماعيا، لامجال فيه لأدعياء المعرفة بالدين، ولتطاول السفهاء والمشعوذين، ولا للمزاعم الافترائية الفـردية.
وفي هذا السياق، قررنا أن تكون فاتحة أعمال المجلس العلمي الأعلى تكليفه، طبقا لما يراه من رأي فقهي متنور، بتوعية الناس بأصول المذهب المالكي، ولاسيما في تميزه بالعمل بقـاعدة المصالح المرسـلـة، التي اعتمدتها المملكة المغربية، على الدوام، لمواكبة المتغيرات في مختلف مناحي الحياة العامة والخاصة، من خلال الاجتهادات المتنورة، لأسلافنا الميامين ولعلمائنا المتقدمين. وهو الأصل الذي تقوم عليها سائر الأحكام الشرعية والقانونية المنسجمة والمتكاملة، التي تسنها الدولة بقيادتنا، كملك وأمير للمؤمنين، فـي تجاوب مع مسـتجدات العصر، والتزام بمراعاة المصالح، ودرء المفاسـد وصيانة الحقوق، وأداء الواجبات.
كما نكلف اللجنة الدائمة لإحياء التراث، بالعمل على تحقيق كتاب "الـمـوطـإ"، لإمامنا مالـك بن أنـس، رضي الله عنه، تحقيقا علميا متقنا، يليق بموضوعه، وبالمكانة التي يحظى بها لدى المغاربة. وإننا لننتظر من هذه اللجنة استدراك ما فات طبعاته السابقة، وذلك بالرجوع إلى مخطوطاته المغربية الفريدة، ليطبع في حلة وطنية أصيلة،جديرة بالمغرب، كمنارة مشعة للفـقه المـالـكـي.
وإذ نؤكد عزمنا على المضي قدما في إصلاح الشأن الديني، الذي قطع خطوات هامة، باعتباره أحد أركان مشروعنا المجتمعي، فإننا ندعوكم وكافة العلماء المستنيرين، رجالا ونساء على حد سواء، إلـى النهوض بالمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقكم، والانخراط في حركة الإصلاح الشامل الذي نقـوده.
وإننا لنعول عليكم في الإسهام الفاعل، لتجسيد المواطنة الإيجابية، بالاجتهاد المنفتح على التطور والتقدم،مع الحفاظ على ثوابت هويتنا المتميزة،والإجماع الراسـخ على مقدسات الأمة، من عقيدة وسطية، وملكية ديـقراطية، ووحدة ترابية التي نحن بالبيعة الشرعية عليها مؤتمنون، وبسيادة الدستور وقوة القانون لها ضامنون، وعلى حرمتها ساهرون، سائلين الله تعالى أن يجعل التوفيق والسداد حليفكم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".