نـص الخطـاب الملكـي السامـي إلى قمـة بـرشلـونـة

برشلونـة يوم 28/11/2005

"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
أصحاب الفخامة والمعالي،
حضرات السيدات والسادة ،
أود، في البداية، أن أتوجه بخالص الشكر لمعالي السيد طوني بلي، الوزير الأول للمملكة المتحدة، الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، لما بذله من مجهودات لالتئام هذه القمة،التي تعد محطة بارزة في الشراكة الأورومتوسطية.
كما أتقدم بعبارات الامتنان لصاحب الجلالة الملك خوان كارلوس الأول، ولمعالي السيد خوصي لويس رودريغيث ثاباتيرو، رئيس الحكومة الإسبانية، على جهودهما المحمودة، لإنجاح أشغال هذا الملتقى.
أصحاب الفخامة والمعالي،
لقد شهدت مدينة برشلونة، في سنة 1995، انبثاق مشروع جهوي غير مسبوق، من حيث تركيبته، مجَدد من حيث أساليب عمله، وطموح من حيث مقاصده ومراميه.
وإن تخليدنا اليوم، لذكرى انطلاق هذا المسلسل الهام، يشكل مناسبة لتقييم ما تم قطعه من أشواط،وما اعترض سبيلنا من إكراهات، وما تم تحقيقه من إنجازات. غير أن هذه اللحظة، ليست فقط للتشخيص أو للحصيلة، بل لتجديد العهد بين دولنا، وبخاصة لجعل الشراكة الأورو- متوسطية رافعة ملموسة لتعزيز التضامن والاستقرار الجهوين، وضمانة لاندماج اقتصادي بين ضفتي المتوسط، وأداة فعالة للتفاهم المتبادل والتقارب الثقافي.
إن هذه الغايات الكبرى لا تزال تحتفظ،أكثر من أي وقت مضى، بنفس راهنيتها،اعتبارا لمشروعية الطموحات المرسومة، والمؤهلات القابلة للاستغلال، والمخاطر والنزاعات المعقدة المتزايدة؛ الشيء الذي يتطلب منا قرارات عاجلة وجماعية وإرادية لتجاوزها.
أصحاب الفخامة والمعالي،
إن استمرار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ما فتئ يعيق الاندماج الجهوي. لذا ينبغي علينا أن نتعبأ لنواكب بكل قوة،الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي، من أجل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، قابلة للاستمرار، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، في ظل السلم والوئام.
إن الإرهاب الدولي يتطلب منا كذلك تحركا مشتركا قويا ومنظما. وإن المغرب سيظل، من جهته، ملتزما على جميع الواجهات، الثنائية والإقليمية ومتعددة الأطراف، لمواجهة هذه المعضلة، من أجل القضاء على جذورها، واتخاذ التدابير الوقائية ضدها.
كما أن الهجرة، بمختلف تجلياتها، تعد أيضا مصدر انشغال متزايد ومشترك. لذلك نعتقد أنه آن الأوان لفتح المجال أمام نقاش جاد ومسؤول، من أجل إبراز الأسباب العميقة الكامنة وراء استفحال ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والتطرق لمختلف الجوانب والرهانات التي ترتبط بها.
وينبغي لهذا النقاش أن يأخذ في الاعتبار واجب التضامن على الصعيد الإقليمي، وضرورة ضمان الأمن الجماعي، والتحكم في دينامية الهجرة القانونية، التي لها دوافعها الموضوعية.
وإن المغرب الذي أصبح، بمرور السنوات، نقطة عبور للمهاجرين نحو أوروبا، ليشيد باعتماد المقاربة التي اقترحها، بمعية كل من فرنسا وإسبانيا، في الإطار الأورومتوسطي.
وفي نفس سياق هذه الرؤية، تندرج المبادرة المغربية الإسبانية، المدعومة من قبل فرنسا، والرامية إلى تنظيم مؤتمر وزاري أورو-إفريقي، تلتئم فيه الدول المعنية، أي الدول المصدرة للهجرة، ودول العبور، ودول الوجهة ؛ وذلك بهدف بلورة مقاربة مشتركة، وإيجاد حلول ملائمة وخلاقة لهذه الظاهرة.
أصحاب الفخامة والمعالي،
إن تقليص الفوارق التنموية بين شمال المتوسط وجنوبه، يشكل بدوره تحديا حاسما وملحا. فنحن اليوم، في أمس الحاجة إلى شراكة أورومتوسطية لا تنحصر فحسب في إنشاء منطقة واسعة للتبادل الحر، بل وتشكل فضاء مشتركا حقيقيا ونوعيا، يضمن مصالح الجميع، وعلى الخصوص من خلال مقاربة للتعاون المعزز مع التكتلات المتجانسة، مؤكدين في هذا السياق، التزامنا ببناء الاتحاد المغاربي على أسس متينة، لينهض بدوره كاملا في بناء هذه الشراكة الواعدة.
كما أن مجهودنا الجماعي لن يعطي ثماره كاملة، وبصفة دائمة، إلا بتحسين نظرة كل واحد منا للآخر، وبالتفاهم المتبادل. ولهذه الغاية، فإن المغرب يدعو إلى انخراط أكبر للمنتخبين ولمختلف فعاليات المجتمع المدني، في شراكتنا.
أصحاب الفخامة والمعالي،
إن السياسة الجديدة للجوار، التي ينهجها الاتحاد الأوروبي الموسع، ومختلف برامج العمل، التي تم اعتمادها في هذا الإطار، تفتح آفاقا واعدة أمام فضائنا الأورو متوسطي.
كما تعد مكملا قويا لمسلسل برشلونة. ومن ثم، فإن هذين المسارين سيعملان مستقبلا، بشكل مفيد ومحفز، على تطوير كل الأبعاد، الثنائية وشبه الجهوية والأورومتوسطية، لشراكتنا. لذلك، فنحن ننتظر من الاتحاد الأوروبي اتخاذ التزامات قوية، من أجل بلورة فعلية وناجحة لسياسة الجوار، التي يتعين أن يحافظ الفضاء المتوسطي ضمنها على مركزيته الكاملة وخصوصيته الأصيلة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".