نص الخطاب الملكي السامي الموجه إلى القمة الفرانكوفونية بواغادوغو

واغادوغو يوم 26/11/2004

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
السيد رئيس بوركينا فاسو،
السادة رؤساء الدول والحكومات،
السيد الأمين العام للمنظمة العالمية للفرانكوفونية،
السادة المندوبون المحترمون،
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي السعادة بالنسبة لي، أن تنعقد القمة الفرانكوفونية العاشرة في بوركينا فاسو "أرض الرجال الأفاضل"، ومهد الحضارات الكبرى، وملتقى التيارات الانسانية والثقافية، التي ساهمت بقوة في صياغة التراث الغني للحضارة الافريقية.
إن انعقاد هذه القمة المخصصة للتنمية المستدامة، على أرض إفريقيا، يعكس تماما التزام الفرانكوفونية بتنمية قيم التضامن والمشاطرة، التي ينبني عليها عملنا المشترك من أجل تقدم البلدان السائرة في طريق النمو. وسوف نواصل جميعا مواجهة المشاكل التي تعترضنا، والتي يجب علينا أن نجد لها حلولا وفق منهجية شاملة ومندمجة. إنها المقاربة المفضلة من طرف الفرانكوفونية ضمن "الاطار الاستراتيجي العشري" الذي ننخرط فيه بدون تحفظ.
إننا نعي جميعا بأنه لايمكن تحقيق تنمية مستدامة إلا ضمن محيط سياسي ملائم يحترم الحريات الفردية الأساسية. وإنه لحري بنا أيضا أن نشيد بانخراط منظمتنا في مجال تعزيز الديموقراطية والسلم وحقوق الإنسان، وبعملها في ميدان الوساطة والمصالحة والاشراف على الانتخابات.
إنه يتعين علينا المثابرة في هذا النهج، والمضي قدما في تنفيذ اعلان باماكو وقرارات مؤتمر برازافيل. إن المملكة المغربية التي حظيت بشرف احتضان الاجتماعات الأولى للجنة المتابعة لمؤتمر المنظمات الفرانكوفونية المكلفة بحقوق الإنسان بمراكش، لتجدد عزمها الأكيد على دعم هذا المسلسل بمضمونه الشامل والمتعدد.
إن المغرب الذي فضل على الدوام الحوار والتشاور، يلتزم بمواصلة تعاونه خدمة للأمن والسلام، وذلك بتقديم مساهمات فعلية في إطار الأمم المتحدة كما يدعو الى التفاهم لحماية فضائنا من أية أزمات أو نزاعات يمكن أن تبرز، ودعم السلام والاستقرار، اللذين بدونهما سيكون أي مسلسل للتقدم مهددا.
وانطلاقا من قيم التضامن والمشاطرة التي تجمع بين أعضاء الأسرة الفرانكوفونية، فإننا نأسف غاية الأسف للوضعية السائدة في الكوت ديفوار، وكذا المخاطر التي تتهدد وحدته الوطنية والترابية. كما أننا نوجه نداء صادقا الى الشعب الايفواري من أجل تغليب أسلوب الحوار، حتى يستعيد هذا البلد الشقيق، في النهاية، وحدته وانسجامه الاجتماعي، وليعود الى تبوء مكانته كعضو مرموق ضمن مجموعتنا كما كان دائما.
السيد الرئيس
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
مما لاشك فيه اليوم أن الدول الافريقية تمكنت من تحقيق مكاسب مهمة سواء في مجال الممارسة الديمقراطية، أو في مجال تطوير وتأهيل القطاع الاقتصادي الخاص. ومن الأكيد أن هذه الانجازات، التي نتمنى أن تكون متواصلة، تحققت بفضل إرادة وتصميم هذه الدول ولكن أيضا بفضل مساعدة شركائها.
وفي هذا الصدد، نود أن نشيد بحرارة بصديقنا الكبير فخامة الرئيس جاك شيراك لما يقوم به من عمل لفائدة القارة الافريقية داخل مجموعة الدول الثمانية المصنعة وخاصة دعمه لسياسة القروض الصغرى التي تعتبر بدون شك الأداة الملائمة لحاجيات التمويل بالقارة.
إننا لعلى ثقة من أن قمة واغادوغو لن تدخر أي جهد في البحث عن حلول من أجل إعطاء مدلول ملموس للتنمية المستدامة وتشجيع أنشطة فعالة وخلاقة لفائدة السكان الأكثر احتياجا الذين يواجهون الأوبئة والأمراض المعدية والحروب.
وفي هذا السياق يتعين إيلاء اهتمام فائق للتربية والتكوين على اعتبار أن هناك بالتأكيد علاقة وطيدة بين القضاء على الفقر وتحسين برامج التربية الأساسية وإصلاح نظم التكوين. وهذا هو السبيل الذي قرر المغرب نهجه من خلال تطبيق ميثاق وطني للتربية والتكوين يؤدي إلى إصلاح نظامه التربوي ويحدد أهداف اندماج اجتماعي ومهني أفضل.
إن المملكة المغربية المقتنعة، بأنه لا يمكن أبدا تحقيق تنمية مستدامة دون حماية حقيقية للتنوع الثقافي، لا يسعها إلا أن تحيي التزام الفرانكفونية بالنهوض بكل الثقافات وكل اللغات داخل فضائها. كما تنوه بجهود المنظمة إلى جانب اليونيسكو من أجل تبني معاهدة دولية حول التنوع الثقافي.
السيد الرئيس
إن تحديات التنمية المستدامة لا يمكن رفعها دون شركاء، مثل أولئك الذين تدافع عنهم مبادرة الشراكة الجديدة من أجل إفريقيا "نيباد"، ودون استراتيجية شاملة ومندمجة ترسي أسس اقتصاديات منفتحة ومدرة للثروات وموفرة لمناصب الشغل خاصة بالنسبة للشباب، في إطار مجتمعات متضامنة. ويتعين أن يدعم هذا المجهود بأعمال مجددة وتطوعية وسخية مثل تحويل الديون إلى استثمارات أو إلغائها وهو التوجه الذي انخرطت فيه المملكة بعزم قوي لا يوازيه إلا تمسكها بتعميق نموذج التعاون الثلاثي الذي يجمع بين المشاريع والخبرة والتمويل في بلدان الشمال والجنوب.
إن حماية البيئة تشكل أيضا عاملا حاسما في التنمية الاقتصادية. وفي هذا المجال فإن المقاربة الفرانكفونية تستحق بالتأكيد كل التنويه. إن المملكة المغربية التي تواجه بدورها تحولات مناخية وجفافا متلاحقا وتهديد التصحر،اعتمدت مخططا وطنيا وبرامج عمل مخصصة لحماية البيئة والتنوع البيولوجي.
إن الطموح المشروع المتمثل في جعل الفضاء الفرانكفوني منطقة سلام وتقدم في وجه تحديات التنمية المستدامة، يحثنا على ترجيح كفة تضامن فاعل وشامل يتطابق مع القيم الكبرى والمثل التي تقوم عليها المجموعة الفرانكفونية.
السيد الرئيس
أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة
لايفوتني في ختام كلمتي هاته أن أعرب عن عميق امتناني لسعادة السيد عبدو ضيوف الأمين العام لمنظمتنا، الذي ساهم بشكل وافر بفضل التزامه الشخصي في إشعاع الفرانكفونية. كما ننوه بالمجهودات الكبيرة والمتواصلة للسيد روجي ديهايبي المتصرف العام للوكالة الدولية للفرنكفونية، كما نعبر عن متمنياتنا بأن تكلل بالنجاح التام أشغال هذه القمة الهامة.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".