نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي

بكين يوم 05/11/2006

(تلى الرسالة الوزير الأول السيد إدريس جطو )

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
فخامة السيد رئيس جمهورية الصين الشعبية،
أصحاب الفخامة،
السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات،
حضرات المندوبين الأفاضل،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه بهذه الكلمة إلى قمة بكين التي تعد مناسبة لترسيخ أواصر الصداقة والتفاهم المتبادل بين الدول الإفريقية وجمهورية الصين الشعبية،والتضامن الذي يجمع بينهما معربين لفخامة السيد هوجنطاو، رئيس جمهورية الصين الشعبية، عن جزيل شكرنا وعميق تقديرنا لما بذله هذا البلد الكبير من جهود لاحتضان هذه القمة وإنجاحها.
إن لقاءنا اليوم يتزامن مع تخليد الذكرى الخمسينية لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول إفريقية، لذلك يعد خير تجسيد للإرادة المشتركة التي تحدونا للانكباب جميعا على اتخاذ قرارات على أعلى مستوى، بشأن السبل والوسائل اللازمة لإقامة شراكة استراتيجية صينية إفريقية طموحة وخلاقة، تستند إلى مبادئ المساواة وخدمة المصالح المشتركة والتعاون الشامل.
أصحاب الفخامة،
حضرات السيدات والسادة،
ما فتئت إفريقيا تحظى بدعم قوي وثابت من لدن الصين، سواء إبان فترات الكفاح الوطني من أجل التحرير، أو غداة حصول بلدانها على الاستقلال.ومنذ ذلك الحين والعلاقات القائمة بين الصين وهذه الدول، تزداد اتساعا وتنوعا، سواءا على الصعيد السياسي أوالاقتصادي أوالتجاري أوالثقافي أوالإنساني.
وإنه لمن دواعي ارتياحنا أن نلحظ ما يفتحه التعاون بين الصين وإفريقيا اليوم من آفاق واعدة، وذلك بالنظر إلى المقومات والإمكانيات الهائلة التي تزخر بها بلداننا، فضلا عن الفرص المتعددة، التي تتيحها الأسواق الإفريقية بالنسبة للشركات الصينية.
كما أن هناك إمكانيات كبرى للتبادل الاقتصادي والتجاري ينبغي تسخيرها وتطويرها.
إن الصين، بحكم تعاظم دورها الوازن كقوة صاعدة في المجالين السياسي والاقتصادي العالميين، واعتبارا لتقدمها التكنولوجي الذي يتلاءم مع متطلبات الأسواق الإفريقية، وكذا حيوية الفاعلين الاقتصاديين والمقاولات الكبرى فيها،لتمثل نموذجا واعدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة الإفريقية.
وإننا لموقنون أنه قد آن الأوان لإعطاء دفعة جديدة لمنتدانا في إطار شراكة حيوية وخلاقة بين دول الجنوب، تأخذ بعين الاعتبارمصالحنا المشتركة وخصوصيات دولنا على حد سواء.
ولذا،فإنه يتعين علينا تنسيق جهودنا وتسخير كل الوسائل المتاحة لجعل قمة بكين حدثا ذا بعد تاريخي ومنعطفا حاسما في تجسيد تضامننا وعزمنا على رفع كافة التحديات السياسية والجيو اقتصادية المطروحة في بداية القرن الواحد والعشرين.
أصحاب الفخامة،
حضرات السيدات والسادة،
إننا لنتابع باهتمام خاص المبادرات التي تتخذها السلطات الصينية في إطار هذا المنتدى، تعبيرا عن تضامنها مع الدول الإفريقية.كما ننوه بالدعم الفاعل الذي تقدمه الصين من أجل تحفيز الإقلاع الاقتصادي للدول الإفريقية، لاسيما من خلال التدابير المتخذة بهدف التقليص أو الإلغاء الكامل للديون المستحقة للصين على الدول الفقيرة الأكثر مديونية والأقل نموا.
وتأسيسا على نفس المبدأ القائم على التضامن الفاعل مع شركائنا الأفارقة، يعمل المغرب، بكل الوسائل المتاحة على الإسهام في الجهود المبذولة لصالح إفريقيا.
وقد قررنا في هذا الإطار، منذ سنة 2002، إلغاء جميع الديون المستحقة للمملكة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وكذا إفساح المجال لصادرتها لولوج السوق المغربية بدون قيود.
كما نؤكد استعدادنا الكامل لمساعدة الدول الإفريقية، لاسيما الدول الواقعة جنوب الصحراء، في إنجاز مشاريعها التنموية، وكذا العمل سويا مع الصين والدول الإفريقية لإقامة تعاون ثلاثي في إطار الشراكة الصينية الإفريقية الجديدة، وخطة عمل المنتدى لسنوات 2007-2009 ؛ ومن شأن هذا التعاون أن يمكن من نقل التجارب والخبرات التي نتوفر عليها إلى شركائنا الأفارقة في ميادين متعددة كالفلاحة وتدبير الموارد المائية والبنى التحية والصيد البحري والصحة وتكوين الأطر، متوخين العمل، جنبا إلى جنب مع الصين، لتسخير إمكانياتنا التقنية والعلمية ومواردنا البشرية لخدمة أهداف التنمية المستدامة والمندمجة في القارة الإفريقية.
أصحاب الفخامة،
حضرات السيدات والسادة،
لقد تقدم المغرب خلال الاجتماع الخاص الأخير لكبار الموظفين المنعقد في بكين، بمساهمة في هذا الاتجاه تضمنت توصيات ملموسة تهدف إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الصين وإفريقيا.لذا، يتعين علينا، في إطار السعي إلى إذكاء جذوة روح بكين، أن نتخذ التدابير اللازمة لتمتين هذه الشراكة.
وسعيا إلى تجاوز الصعوبات التي تعرقل مسلسل التنمية في بلداننا وتحول دون تنفيذ أهداف الألفية، يتعين علينا تعزيز سبل التكامل والتناسق بيننا في المجال الاقتصادي، وكذا القيام بالأعمال الرامية إلى تحسين مناخ الاستثمار وتحقيق الاندماج الإقليمي وإفراز أقطاب اقتصادية إقليمية كبرى.
وأمام بروز تجمعات اقتصادية كبرى على الصعيد الإقليمي والانفتاح المتزايد للأسواق التي أفرزتها ظاهرة العولمة، فإن من المجدي القيام بما يساعد على إحداث مناطق للتبادل الحر.
إن المغرب، بحكم موقعه الجغرافي المتميز واتفاقيات التبادل الحر المبرمة بينه وبين العديد من الدول ومجموعات من الدول، لقادر على تمكين شركائه الأفارقة من الاستفادة من تجربته في مجال التبادل الحر والمفاوضات ذات الطابع الاقتصادي والمالي.
بيد أنه لن يتسنى لمثل هذه الشراكة أن تتحقق دون انخراط قوي للفاعلين الخواص الذين هم مطالبون بالعمل على تمتين أواصر التقارب وتعزيز العلاقات في ميدان الأعمال، والتعريف بالإمكانات الاقتصادية والمنتجات والفرص المتاحة للمبادلات والاستثمار، التي تتوفر عليها دولنا.
وتوخيا للرفع من وتيرة المبادلات بين الصين وإفريقيا، وكذا خفض الكلفة العالية لاستئجار السفن والطائرات بسبب بعد المسافات بين دولهما، ينبغي العمل على تطوير البنى التحتية الأساسية اللازمة ووسائل وخطوط النقل البري و البحري، وذلك بهدف إعطاء دفعة للتجارة الإقليمية بين دول إفريقيا، ومن ثمة، لتعزيز حركة المبادلات بين إفريقيا والصين.
وأخيرا، وأخذا في الحسبان الأهمية القصوى للجانب المالي، فإنه من الضروري تعزيز إسهام المؤسسات البنكية الصينية والإفريقية، وكذا المؤسسات المالية الإقليمية والدولية في تمويل برامج ومشاريع التنمية في الدول الإفريقية، لاسيما الدول الأقل نموا منها.
إن المغرب، باعتباره فاعلا نشيطا وأحد البلدان المؤسسة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، ليولي اهتماما متزايدا لهذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة، فضلا عن الإرادة السياسية القوية التي تحدوه للإسهام الكامل في تفعيلها في أقرب الآجال.
وختاما، نود التوجه بخالص عبارات الشكر والتهنئة لمنظمي القمة التاريخية الأولى للمنتدى، لاسيما حكومة الصين الموقرة وشعبها الصديق، الذي تربطنا وإياه وشائج وثيقة من الصداقة التقليدية والتضامن الفعال والتشاور الموصول.
أشكر لكم حسن انتباهكم، والسلام عليكم ورحة الله تعالى وبركاته".