نص الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالته في افتتاح أشغال المجلس الاعلى للانعاش الوطني والتخطيط

طنجة يوم 04/05/2000

''الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه
حضرات السيدات والسادة
يطيب لنا أن نلتقي بكم في هذا الجمع المبارك ونحن نفتتح به أشغال المجلس الاعلى للانعاش الوطني والتخطيط.وانكم لتعلمون مدى الاهمية التي نوليها لهذا المجلس الذي هو بحق موءسسة هامة أقرها دستور مملكتنا ليدعم المسلسل الديمقراطي لبلادنا مكرسا بذلك ثقافة الحوار والتشاور التي أصبحت تميز اختياراتنا الثابتة ورغبتنا في اشراك كل الفاعلين في بلورة الروءية الاقتصادية والاجتماعية التي تمكن المغرب من تحقيق تنمية شاملة ومستديمة.
ان الوظيفة الاستشارية لمجلسكم كأداة لتأكيد الممارسة الديمقراطية تفتح مجالا واسعا لتعبئة المجتمع بكامل شرائحه والتفافه حول القضايا التي تطرحها التنمية في بلادنا.
ومن هذا المنطلق وحرصا على تفعيل دور هذا المجلس قررنا أن نشرك الى جانب الاعضاء المنصوص عليهم في الظهير الشريف المنظم للمجلس الاعلى للانعاش الوطني والتخطيط نخبة من الفاعلين الاقتصاديين والمتخصصين في ميدان المال والاعمال والتكنولوجيا المعاصرة وممثلين عن المجتمع المدني لما توخينا فيهم من قدرة على تدبير الشأن المحلي وخبرة في تأطير هياكله. ومن شأن هذا الاشراك أن يعمق روءيتنا ويوسع دائرة الانتفاع من كفاءاتنا الوطنية.
ان الاحتكاك المباشر بين أعضاء الحكومة ومجموعة كبيرة من النواب والمستشارين على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية وممثلين عن الهيئات المهنية والثقافية والموءسسات العمومية والقطاع الخاص والاتحادات الجمعوية وذوي الخبرة وتدارس المشاكل والحلول أفقيا وقطاعيا من شأنه أن يساعد على بلورة حقيقة التخطيط ووضعه في اطاره الصحيح وهو المشروع الذي نطمح الى ارساء أسسه.
حضرات السيدات والسادة
ان الاعتبارات الاساسية التي سبق أن بيناها ووضعنا لبناتها ورسمنا ءافاقها في التوجيهات المقدمة لحكومتنا الموقرة أثناء اعداد المخطط الذي بين أيديكم ارتكزت على استراتيجية تنموية مندمجة تهدف الى تقوية بنيات المجتمع وادماج مختلف مكوناته وتحقيق نمو اقتصادي يواكب مستجدات التطور دون التفريط في مقدساتنا والغاء هويتنا.
ان النهوض بالمناطق المعوزة والحد من الفوارق الاجتماعية وتنمية العالم القروي ومحاربة الفقر والتهميش واشراك المرأة في التنمية وتمكينها من ممارسة جميع حقوقها واصلاح النظام التربوي والتعليمي وتأهيل الموارد البشرية والاعتناء بالتشغيل وادماج الشباب وفي مقدمته الشباب المتعلم في المسلسل الانتاجي تكون الاولويات الرئيسية التي يجب أن ينكب عليها عملنا المستقبلي في اطار مقاربة عقلانية كفيلة بتحقيق الادماج المنشود.
ان تفعيل دور هذا المخطط وضمان نجاعته يتطلب تعبئة كل الطاقات والامكانات والتنسيق بين التوجهات الوطنية والمخططات الجهوية والقطاعية وخلق تكامل بين مختلف الفاعلين والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.
وبذلك تتجلى أهمية المسوءوليات وتوزيع المهام بين الدولة والجماعات المحلية والموءسسات الاقتصادية والمالية وسائر مكونات المجتمع في تدبير التنمية ووضع أسس نجاحها.
ان الدولة تتحمل وظائف التوجيه والتنظيم والتنسيق بين مختلف الفاعلين والتحفيز على الاستثمار والتشغيل.فهي بهذا الاعتبار مطالبة بتوفير المناخ القانوني والاداري لتضمن حسن تدبير الشأن العام وترشيد السياسة المالية وتوفير الادخار وعقلنة تسيير المرافق العمومية اضافة الى سهرها على اعادة توزيع الثروات الوطنية انطلاقا من توفير التجهيزات والخدمات الاجتماعية وغيرها لاسيما للفئات المحرومة والمهمشة.
واذا كنا نسجل بكل افتخار واعتزاز الجهود التي بذلت في سياق تدعيم دولة الحق والقانون فان المجهودات المستقبلية يجب أن تنصب على استكمال اصلاح النظام القضائي وتثبيت استقلاليته وتحديث الجهاز الاداري وعقلنته حتى يتم بعث جو الثقة لدى المواطنين وغرس قيمه في نفوسهم.
وبالموازاة مع مجهود الدولة فان الجماعات المحلية والهيئات الترابية تتطلع الى مجالات أوسع للمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وفي هذا الصدد فاننا نأمل من الجهة التي كرسها الدستور لدعم الديمقراطية وتوطيد اللامركزية وتوسيع مسلسل عدم التركيز الاداري أن تقوم بدور فعال في التنشيط التنموي وتنسيق التعاون بين الجماعات وتوظيف الموارد البشرية والثروات وتحسين استثمارها في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الاكثر شمولية والانجع مردودية.
ومن هذا المنظور أصبح لزاما على المخططات الجهوية والمحلية الاخذ بعين الاعتبار مفاهيم الاستراتيجية الجديدة التي دعونا حكومة جلالتنا أن تحددها لاستبدال الاساليب الظرفية لمعالجة الجفاف بسياسة عقلانية تساعد على تقوية النسيج الانتاجي بالبادية وتنوع مصادر عيش سكانها حتى تجعلهم في مأمن من الانعكاسات السلبية لتقلبات الطقس.ونغتنم هذه الفرصة لنوءكد على ضرورة صيانة ثرواتنا المائية وعقلنة وترشيد تدبيرها لما تشكله من أهمية بالغة في استراتيجياتنا المستقبلية.
حضرات السيدات والسادة
ان القطاع الخاص أصبح يحتل مكانة مرموقة في تنشيط الاقتصاد وتحريك عجلة التنمية. وان ايماننا الراسخ في جدوى نظام السوق وحرية المبادرة لم يكن وليد ضغط العولمة بل كان دوما اختيارا ثابتا ميز سياسة والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه لما حباه الله من حكمة وتبصر وبعد نظر وقدرة على استباق الاحداث واستشرافها.
وتوطيدا لهذه السياسة الرشيدة ولاستثمار ما تم تحقيقه يجب متابعة هيكلة وعصرنة الموءسسات العمومية لتحسين مردوديتها. كما نلح على مواصلة الهيكلة القطاعية وتحسين محيط المقاولة المغربية وتقوية قدرتها التنافسية حتى تمكنها من الصمود أمام اكراهات السياسة الحمائية الجمركية.
فمواجهة التحديات في هذا الميدان تلزمنا تقوية نسيجنا الانتاجي وجعله يتحلى بروح الابتكار والمبادرة وسرعة التكيف مع التحولات الجهوية والدولية والمستجدات التكنولوجية.وهذا يتطلب تبسيط الاجراءات الادارية ورفع العوائق أمام فرص الاستثمار.
كما أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تشكل هي الاخرى محركا أساسيا للتنمية ومصدرا للتشغيل.
وبهذه المناسبة نهيب بالحكومة وبالهيئات المحلية تشجيع حاملي الشهادات وخريجي مراكز التكوين المهني على انشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة التى أثبتت التجربة في ارجاء أخرى فعاليتها. كما نود من القطاع البنكي الانغمار في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بتشجيعه للمقاولات الصغرى والمتوسطة عن طريق تسهيل منح القروض لها وتأطيرها.وفي اطار حرصنا على تشجيع هذا النوع من المقاولات نتوخى التسريع باصدار الميثاق الوطني الذي يحدد التزاماتها تماشيا مع برامج الدولة المدعمة لها.
ولا يخفى عليكم انشغالنا بمعالجة عوائق الاستثمار حيث أسسنا تحت رئاستنا الفعلية لجنة خبراء لتحديد مواقع الخلل وتقديم الحلول الكفيلة بتبسيط الاجراءات ورفع الحواجز عن المستثمرين.
وفي هذا الصدد نود أن نوءكد مرة أخرى أن البيروقراطية الادارية تعتبر من أكبر عوائق التنمية. فالادارة بإجراءاتها المعقدة وسلوكاتها الرتيبة وسوء تدبيرها للمرفق العمومي يضاف الى ذلك انكماشها على نفسها وعجزها عن التواصل مع محيطها والاستماع لانشغالات المتعاملين معها يوءدي الى تزايد ظواهر سلبية تتمثل على الخصوص في اللامبالاة ازاء مصالح المواطنين وكذلك المستثمرين وسوء ارشادهم الشيء الذي ينتج عنه شلل في الحركة الاقتصادية بكاملها وبالتالي التنمية الشاملة التى نستهدفها.
حضرات السيدات والسادة
ان المغرب يتوفر على شبكة من الجمعيات تقوم بأنشطة متعددة اقتحمت ميادين التنمية المحلية من محاربة الامية وتقوية البنيات التحتية ومساعدة الفئات الضعيفة وانجاز مشاريع متنوعة تعود بالخير العميم على المستفيدين.وهي بذلك تشكل عنصرا هاما في تجنيد الطاقات المتوفرة وفاعلا نشيطا في التنمية قوامها المشاركة الفعالة للسكان.
ومما يثلج الصدر كون هذه الجمعيات فسحت المجال واسعا للعنصر النسوي الذي أظهر كفاءة كبيرة وارادة قوية في تدبير الشأن المحلي مما أكسب المرأة ثقة في النفس وتحقيقا للذات.
لهذا يتعين على الدولة كما على الجماعات المحلية والفاعلين الاخرين توظيف هذه الطاقات الهائلة التى يتوفر عليها المغرب والاخذ بيدها لتوضيح موسوءولياتها وتحديد ضوابطها وعقلنة تسييرها.
حضرات السيدات والسادة
ان نجاح هذا المخطط يتطلب روح التعبئة والمواطنة الخالصة. كما أنه متوقف على صواب ونجاعة الاليات المسخرة لمتابعة وتقييم مراحل تنفيذه. لهذا سنعير اهتماما خاصا لمناقشاتكم واقتراحاتكم التى ستكون ولا شك مثمرة وبناءة موءكدين لكم حسن ظننا بكم وكامل عطفنا عليكم وداعين لكم بدوام عون الله وتوفيقه لتحقيق ما نسعى اليه من خير لشعبنا وتقدم لبلدنا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته''.