نص الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك خلال مأذبة العشاء التي أقامها الرئيس الأرجنتيني على شرف جلالته

بوينس ايرس يوم 06/12/2004

"الحمد لله،
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة الرئيس،
السيدة الفاضلة عقيلته،
أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة،
منذ حلولنا والوفد المرافق لنا ببلدكم الصديق، ونحن محفوفون بكريم ضيافتكم، معجبون بتقاليدكم وثقافتكم، التي تستمد عراقتها وغناها من مقوماتها الجامعة بين الوحدة والتنوع، والتي انصهرت فيها الجالية العربية، لما تتميز به حضارتكم من خصوصيات القدرة على الاندماج الوطني.
وإن المغرب، الذي يشترك معكم في هذا التميز الحضاري، ليعتز بما يتقاسمه بلدانا من إرث ثقافي عربي أندلسي مشترك، شكل أحد مكونات هويتهما، ومصدرا لإلهام العديد من الكتاب والشعراء الأرجنتينيين، فكان تجسيدا لتفاعل الحضارات، وعاملا من عوامل إغناء التراث العالمي.
ويسعدني أن أعرب لكم، فخامة الرئيس، عن اعتزازي الكبير بالعلاقات الممتازة التي تجمع بين بلدينا الصديقين، والتي عرفت في السنوات الأخيرة نقلة نوعية، على مستوى إطارها القانوني، بإبرام عدد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، مؤكدا لكم عزمي الوطيد على مواصلة العمل معكم، للارتقاء بها إلى مستوى علاقات تعاون نموذجي، يليق بتطلعات شعبينا.
لأجل ذلك، لن ندخر جهدا لتسخير الإمكانات الهائلة، التي يزخر بها بلدانا اللذان يشكلان، كل في منطقته، جسرا قويا لتفعيل التعاون جنوب - جنوب، وتحقيق التنمية المستدامة، مما سيساعد بلداننا على رفع تحديات الاندماج في الاقتصاد العالمي.
وإذ أغتنم هذه المناسبة، لأتقدم لفخامتكم ولبلدكم الصديق بجزيل الشكر على الدعم الذي قدمتموه للمغرب، في مبادرته الرامية إلى إبرام اتفاقية تفضيلية مع السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية، في أفق إقامة منطقة للتبادل الحر معها، فإني أؤكد لكم، من منطلق ما يجمعنا من التزام بالعمل من أجل انبثاق نظام متعدد الأطراف، عن مساندة المملكة المغربية لمبادرتكم المتعلقة بإصلاح المنظومة الأممية".
فخامة الرئيس،
لقد تبنى المغرب خيارا استراتيجيا واضحا، من خلال تمسكه القوي ببناء اتحاد المغرب العربي. غير أن بلوغ هذا الهدف ظل يصطدم، وللأسف، بالنزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية، والذي لا يدخر بلدي أي جهد للتعاون مع الأمم المتحدة وجميع الأطراف المعنية، من أجل التوصل في إطار الشرعية الدولية إلى حل سياسي، تفاوضي ونهائي، يصون سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية، ويكفل لكل سكان المنطقة تدبير شؤونهم، في نطاق التوجه الديمقراطي الجهوي الوطني. وإنها لفرصة مواتية، فخامة الرئيس، لأجدد الإعراب لفخامتكم عن إشادتي بالموقف المنصف والحكيم لبلدكم بخصوص هذا النزاع المفتعل، وبتمسكه المستمر بالمشروعية الدولية.
وأمام تنامي النزاعات الجهوية والتوترات الدولية، والأعمال الإرهابية، فإننا مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى توحيد جهودنا، من أجل خلق أجواء للتشاور والحوار، والعمل على استتباب السلم والأمن والاستقرار، والنهوض بحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، يظل المغرب متشبثا بالبحث عن حل عادل وشامل ودائم للنزاع العربي الإسرائيلي، على أساس انسحاب إسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، في نطاق الأمن والسلام والوفاق والوئام، الذي ينبغي أن يسود جميع بلدان الشرق الأوسط، بما فيها العراق الشقيق.
فخامة الرئيس،
لقد كان لحفاوة الاستقبال، التي أحطتمونا بها بالغ الأثر في نفسنا. وإذ نعرب لكم عن جزيل تشكراتنا، فإننا نسأل الله تعالى أن يوالي عليكم موفور الصحة والعافية وموصول التوفيق في القيادة الحكيمة لبلدكم الكبير على درب تحقيق المزيد من التقدم والازدهار، داعيا الحضور الكرام إلى الوقوف إجلالا لفخامة الرئيس نيستور كيرشنير وعقيلته المحترمة، متمنيا للصداقة الأرجنتينية المغربية اطراد الرقي والنماء.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.