نص الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى قمة الدوحة

الدوحة يوم 15/06/2005

" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
صاحب الـسمو الـشيـخ حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس القمة،
يطيب لي، في البداية، أن أعرب عن خالص عبارات الشكر والتقدير، لأخينا الأعز، صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على ما وفره من ظروف ملائمة، لضمان نجاح هذه القمة الهامة. كما أشيد بما قامت به دولة قطر الشقيقة، بقيادته الحكيمة، من جهود موفقة ومتواصلة، خلال رئاستها في السنة المنصرمة لـمجمـوعة 77 والـصين.
وإن انعقاد هذه القمة الثانية من نوعها، ليجسد إرادتنا الـشـتركة وطـمـوحنا الكبير،لمتابعة مسيرتنا، بثقة وتفاؤل، نحو بناء مسـتقـبل أفـضل، تنعم فـيه شـعـوبنا بالعـيش الكريم، في ظل التقدم والأمن والاسـتقرار.
ومن هذا المـنطلق، عملنا، خلال رئاسة المغرب للمجموعة،سنة 2003،على تفـعيل مخطط هافانا؛ مسـجلين بارتياح تجاوب جـيع بلدان الـجنوب مع التوجه الـعملي لـبلـورته، الذي تكرس خلال المـؤتمر التقييمي لـمراكش.
فبرغم كل مظاهر الانفـتاح الاقتصادي،والتطورالتكنولوجي، وأفول الانقسامات الإيديولوجية، فما زالت البلدان النامية تعاني، بكل أسف،مخـاطر حقيقية وتحديات كبرى، من جراء اتساع بؤر الـتوتر، والفقر والتهميش، وانتشار الأمراض الفتاكة.
ولمـواجهة هذه الأوضاع المـأساوية، نجدد نداءنا لدول الشمال للوفاء بتعهداتها، وخاصة عبر تنفيذ ما اتفق عليه في مؤتمر مونتيري، وبلورة أهداف الألفية،بتعبئة الموارد المالية الوطنية والدولية، من أجل التنمية،وولوج الأسواق، وتخفيض الديون الخارجية، وإلغائها بالنسبة للبلدان الأقل نمواً.
وبالـنـظـر لـكـون غـالبـيـتـهـا تـنـتـمـي لإفـريـقـيـا، فـإن المـغـرب، مـن مـنـطـلـق تـضـامـنـه الـمـلـمـوس مـع دولـها الشقـيقـة، قد خـصـص، خلال رئـاسـتـه للـمجموعة، مـؤتمرا وزاريـا اسـتثـنائـيـا، لتـدارس إيـجـاد حـلـول لمعضلاتـهـا الـمـتـفـاقـمـة.
ولا يفـوتـنـي بـهـذه المـنـاسـبـة أن أشـيـد بـالخـطـوة الإيـجـابـيـة، التـي أقـدمـت علـيـهـا مـجـمـوعـة الـثـمـانـي الـكـبـار، بـإلـغـاء ديـونـهـا علـى عـدد مـن الـدول الأقـل نـمـوا.
"وإن دعـوتـنـا لـدول الـشـمـال للإسـهـام الـفـعـلـي فـي إضـفـاء بـعـد إنـسـانـي وتـضـامـنـي عـلـى الـعـولـمـة، لا يـنـبـغـي أن يـنـسـيـنـا ضـرورة الاعـتـمـاد، فـي الـمـقـام الأول، عـلـى قـدراتـنـا الـذاتـيـة، واسـتـغـلال كـل فـرص الـتـعـاون والـتـكـامـل، الـتـي تـتـيـحـهـا مـؤهـلاتـنـا الاقـتـصـاديـة، والـبـشـريـة والـفـكـريـة، وتـحـمـل مـسـؤولـيـاتـنـا، بـدل الـركـون إلـى الـتـواكـل والانـتـظـاريـة، وإلـقـاء الـلـوم دائـمـا عـلـى الآخـر.
ولـنـا الـيـقـيـن، فـي أنـكـم تـشـاطـرونـنـا نـفـس الاقـتـنـاع، بـأن بـلـوغ هـذه الـغـايـة، لا بـد أن يـرتـكـز علـى حلـقـات متـرابـطـة، انـطـلاقـا مـن الصـعـيـد الـوطـنـي، ومـرورا بالـمـيـدان الجـهـوي والمـجـال القـاري وبـيـن الـقـاري، وانـتـهـاء بـالمـسـتـوى الأشمل لتضامن أقوى جنوب-جنوب.
وفي هذا السياق، قام المغرب باتخاذ مبادرات مقدامة وخلاقة، وبإصلاحات عميقـة، مـكـنـتـه مـن تـحـقـيـق مـكـاسـب هـامـة، عـلـى درب تـرسـيـخ الـديـمـقـراطـيـة، والنـهـوض بـحـقـوق الإنـسـان، وبـنـاء اقـتـصـاد عـصـري، مـنـفـتـح ومـنـتـج، وتـعـزيـز الـتـضـامـن، فـي مـجـتـمـع المـعـرفـة والاتـصـال.
ولـتـوطـيـد الـتـمـاسـك الاجـتـمـاعـي، أقـدمـنـا، مـؤخــرا، عـلـى إطـلاق المـبـادرة الـوطـنـيـة للتـنـمـيـة البـشـريـة، فـي إطـار الـمـنـظـور المـتـجـدد، الـذي يجـعـل مـن الإنسـان محـور وغـاية كـل سيـاسـة تنـمـويـة.
وتـقـوم هـذه الـمـبـادرة عـلـى بـرامـج عـمـلـيـة مـضـبـوطـة، فـي إطـار سـيـاسـات عـمـومـيـة مـنـدمـجـة، تـعـتـمـد الـمـشـاركـة الـديـمـقـراطـيـة والـحـكـم القـويـم، والاجـتـهـاد والابـتـكـار، غايتها تقليص الفـوارق الاجتماعية والمجالية، ومحاربة الفقر والإقصاء والتهميش، وتشـجيع الأنـشـطـة الـمـدرة لـفـرص الـشـغـل.
أمـا عـلـى الـمـسـتـوى الـجـهـوي، فـإنـنـا حـريـصـون عـلـى تـوطـيـد الـتـطـور الـمـتـزايـد للتـعـاون المـدعـوم مـع عـدد مـن الـدول الإفـريـقـيـة الشـقـيـقـة، بـروح مـن الشـراكـة الـتـضـامـنـيـة ؛ واضـعـيـن الإمـكـانـات والـخـبـرات الـمـتـاحـة لـديـنـا، لـدعم الـتـنـمـيـة الـمـسـتـدامـة لـشـعـوبـهـا الـشـقـيـقـة، مـن خـلال مـشـاريـع هـادفـة ومـلـمـوسـة.
كمـا أننـا عـازمـون عـلـى السـيـر بخـطـوات ثـابـتـة ومتـواصـلـة، عـلـى درب بـنـاء اتـحـاد المـغـرب العـربـي، عـلـى أسـس سـلـيـمـة ومـتـيـنـة، بـاعـتـبـاره خـيـارا اسـتـراتـيـجـيـا لا مناص منه، ليس فـقـط لـتـحقيق الاندماج والـتكامل بـيـن دولـه الـخـمـس، ولـكـن كـدعـامـة أسـاسـيـة، للـتـرابـط الـوثـيـق مـع الـمـجـمـوعـات الـجـهـويـة الإفـريـقـيـة الأخـرى، بـمـا يـسـهـم فـي إنـجـاح خـطـة "الـنـيـبـاد" الـطـمـوحـة ؛ فـضـلا عـن كـون الاتـحـاد الـمـغـاربـي يـعـد فـاعـلا ديـنـامـيـا، فـي تـنـشـيـط الـعـمـل الـعـربـي والإسـلامـي الـمـشـتـرك.
"وفي نفس المسار، نشيد بمبادرة تجديد الشراكة الأفرو-آسيوية، في مؤتمر جاكارتا، والتعاون مع بعض الدول الآسيوية الوازنة، وخاصة في نطاق المنتدى الإفريقي- الصيني. كما ننوه،في نفـس السياق، بإقامة حوار بناء ومثمر، بين العالم العربي ودول أمريكا الجنوبية،خلال قمة برازيليا،التي يشرف المملكة المغربية احتضان دورتها الثانية، في2008؛ متطلعين إلى إرساء تعاون مماثل، بين الدول الإفريقـية وأمريكا الجنوبية. ومن خلال هذه السلسلة المتكاملة في حلقاتها المترابطة، المنسـجمة في مقاربتها المتناسقة،المـتفاعلة بين مكوناتها المندمجة، والـوحدة في توجهاتها، نتمكن جميعا من دعم تعاوننا الواعد جنوب- جنوب.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،
علاوة على القرارات التي ستسـفر عنها، بالنسبة لتوطـيد العلاقات بين بلداننا،فإن قمتنا تشكل فرصة سانحة، لتوجيه رسالة قوية،من مجموعتنا إلى المنتظم الأممي، في أفق الاجتماع الرفـيع المسـتوى، للجمعية العامة للأمم المتحدة، في قمتها المتميزة هذه السنة، بتخليد ذكراها الستين. رسالة تعقل،مفادها أن التفاوت الاقتصادي والتكنولوجي الصارخ بين الشمال والجنوب، لا تنحصر تداعياته السلبية داخل المجتمعات النامية فقط، وإنما تهدد الأمن الشامل،في عالم أصبح قرية كونية، وتسائل الضمير العالمي، بما تطرحه من معضلات الإقصاء والفقر والانغلاق، ونزعات التطرف والإرهاب.
كما أنها تحمل إشارة أمل، في أن تشكل هذه القمة الهامة، فرصة للتأكيد على تشبثنا بترسـيخ نظام متعدد الأطراف،عادل ومتوازن، كفيل بتحقيق التطلعات المشروعة لأجيالنا الحاضرة والصاعدة، للتنمية الشاملة المستدامة، والمواطنة القومية والكونية،في عالم أوفر أمنا ورخاء،وأكثر تضامنا وإنصافا وإنسانية.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركايه".