نص الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس الى الدورة التاسعة لمؤتمر القمة الاسلامي المنعقد بالدوحة

الدوحة يوم 12/11/2000

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله ؤاله وصحبه
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
حضرات السيدات والسادة
يطيب لي أن أنقل الى جميع أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي ملوك وأمراء ورؤساء الدول والحكومات أو ممثليهم المشاركين في مؤتمر القمة الاسلامي التاسع المنعقد على أرض دولة قطر الشقيقة تحيات وتقدير صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عاهل المملكة المغربية.
وقد شرفني جلالته بأن أنوب عنه في القاء الخطاب الملكي التالي أمام جمعكم الموقر هذا..
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
حضرات السيدات والسادة
انه لمن دواعي سرورنا واعتزازنا أن نلتقي في هذا الجمع الاسلامي المبارك على أرض قطر وبهذه المناسبة نود أن نعرب لصاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة ءال ثاني عن خالص شكرنا وتقديرنا على استضافة بلاده لهذه القمة الاسلامية وما وفرته لها من امكانيات وأسباب النجاح.
كما نغتنم هذه الفرصة لنعرب عن تقديرنا وامتناننا لفخامة الرئيس محمد خاتمي رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية على الجهود القيمة التي بذلها أثناء فترة رئاسته لمنظمتنا وعلى مبادرته الطيبة للتخفيف من الظروف المأساوية التي تعاني منها بعض البلدان الاسلامية. وكم يسعدنا أن نعرب لجميع الدول الاسلامية الشقيقة عن تقديرنا الكبير وشكرنا العميق على تجديد الثقة في المغرب لتحمل مسؤولية الامانة العامة مؤكدين عزمنا الثابت على أن يظل المغرب دعامة أساسية لمنظمتنا وللقضايا الاسلامية.
واننا نحمد الله على استمرار هذه السنة الحميدة بأن ظلت اللقاءات الاسلامية موصولة ومنتظمة منذ أن رأت منظمتنا النور فوق أرض المغرب منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة بمبادرة تاريخية حكيمة من والدنا المنعم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه إثر الاعتداء الآثم على المسجد الاقصى الذي اهتز له العالم الاسلامي قاطبة.
فعلينا أن نسعى الى النهوض بأمتنا في كل المجالات واسترجاع أمجادها بما يجعلها كما كانت رافدا حضاريا متجددا يقدم الى العالم تعاليم وقيم الاسلام العظيمة.
اننا على قناعة كاملة أن المسار شاق وطويل أمامنا لكن ترسيخ نهج التشاور البناء والتحلي بروح الاجتهاد الخلاق قادر على تحقيق تطلعات أمتنا الاسلامية وكسب رهانات التنمية والتغلب على الصعوبات التي تحول دون تحقيق ءامالنا وطموحاتنا.
وبهذه المناسبة نؤكد على أهمية وضرورة التفكير في تطوير مناهج عمل منظمتنا وآلياتها وجعلها أكثر ترابطا مع الأهداف المحددة في الميثاق وضمان الملاءمة الضرورية مع مستلزمات العصر والضرورات التي يفرضها علينا النظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه تتضح بشكل أكبر. فرسالتنا الحضارية تقتضي منا مضاعفة الجهود لجعل منظمتنا فاعلة ومؤثرة وذات وزن في المحيط الدولي لأن الاسلام هو دين السلام والتسامح وتكريم الانسان.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
حضرات السيدات والسادة
ان الظروف التي نجتمع فيها ظروف دقيقة وصعبة. فقد عشنا جميعا بمرارة الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية وسقط فيها عشرات من الشهداء دفاعا عن المقدسات وتسببت في مئات الجرحى والمصابين ضحايا منطق القوة والدمار والغطرسة التي تمارسها اسرائيل في الوقت الذي يتطلع فيه العالم الى سلام عادل وشامل في هذه المنطقة.
وقد عبرنا بصفتنا رئيسا للجنة القدس عن شجبنا واستنكارنا القوي لهذه الأعمال الهمجية واللا انسانية وقمنا باجراء اتصالات ومشاورات مع عدد من الأطراف الدولية من أجل أن يتحمل المجتمع الدولي وخاصة القوى العظمى مسؤولية حماية الشعب الفلسطيني الأعزل أمام ما يتعرض له من عدوان وحصار.
كما أكدنا أنه لا مساومة على مقدساتنا الدينية وأننا سنظل نعمل بكل امكاناتنا على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني لتحقيق مطالبه المشروعة في اقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف حتى يأخذ التاريخ مجراه الطبيعي في هذه المنطقة الحساسة من العالم مهبط الرسالات السماوية وموطن الحضارات القديمة.
وقد بادرنا مباشرة بعد تعثر المفاوضات التي جرت بكامب ديفيد تحت الرعاية الامريكية الى دعوة لجنة القدس للانعقاد بحضور شقيقنا فخامة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والتي أكدت التمسك بالثوابت والمرتكزات التي نؤمن بها داخل منظمتنا مع التشديد على ضرورة بسط السيادة الفلسطينية على القدس الشريف وجميع الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية التي تشكل جزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967 وناشدنا المجتمع الدولي مجددا على عدم الاعتراف بمحاولة اسرائيل فرض الأمر الواقع.
واننا لنغتنم فرصة عقد هذه القمة لنناشد ضمائر المسلمين لكي يهبوا للتضامن مع اخوانهم المقدسيين الذين يعانون من ءاثار الاحتلال قصد المساهمة في انجاز المشاريع التي تشرف عليها وكالة بيت مال القدس لأن دقة الموقف في القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا الكريم صلوات الله عليه يتطلب منا تعزيز عملنا بمجهود مادي ملموس ذلك أن دعم هذه المؤسسة هو تعبير عن تضامن المسلمين جميعا وتجسيد لارادتهم الصادقة في الحفاظ على الهوية الاسلامية لهذه المدينة المقدسة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
حضرات السيدات والسادة
ان التطورات والتغيرات العميقة التي تعرفها العلاقات الاقتصادية الدولية مع بداية القرن الجديد والتي تتميز بتكريس التكتلات الاقتصادية الكبرى تتطلب منا التفكير في وضع رؤية مستقبلية شاملة في تحسين مستوى التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية وتسهيل تدفق رؤوس الأموال والخدمات والخبرات في ما بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي قصد الاستثمار الأمثل لكل فرص التعاون والتكامل المتاحة في المحيط الاسلامي وتوظيف تجميع قدراتنا لتحقيق تطلعات شعوبنا الاسلامية.
وغير خاف عليكم أن مناطق متعددة من العالم الاسلامي وخاصة في افريقيا ما تزال تعاني من أزمات اقتصادية مزمنة الأمر الذي يتطلب من منظمتنا ومؤسساتها المالية المتخصصة تركيز جهودها على افريقيا ترسيخا لواجب التآزر والتعاضد بين المسلمين. والمغرب الذي تربطه علاقات انسانية وروحية متجذرة مع افريقيا ليؤكد من جديد ضرورة رفع التهميش عن القارة الافريقية ومساعدتها على حل معضلاتها الاقتصادية ومشاكلها الاجتماعية والتنموية.
وفي الختام نود أن نتوجه الى الله العلي القدير ليلهمنا الرشاد والسداد ويوفقنا في خدمة أمتنا الاسلامية وتحقيق ما تتطلع اليه من رخاء وعزة وتقدم.
"واعتصموا بالله وهو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير".
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.