نص الخطاب الذي وجھه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة الذكرى السادسة والعشرین لانطلاق المسیرة الخضراء

الرباط يوم 06/11/2001

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءالھ وصحبھ.
شعبي العزیز،
في مثل ھذا الیوم المجید من سنة 1975 ، عاشت بلادنا الحدث التاریخي العظیم، لانطلاق المسیرة الخضراء المظفرة التي جسدت الالتحام الدائم بین العرش والشعب والتعبئة الوطنیة الشاملة وراء والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحھ الذي جعل منھا في الواقع مسیرتین متكاملتین.. مسیرة استكمال وحدة التراب الوطني التي كللت باسترجاعنا لأقالیمنا الصحراویة، ومسیرة
استكمال البناء التنموي والدیمقراطي.
وقد ءالینا على نفسنا منذ اعتلینا عرش أسلافنا المیامین مواصلة استكمال وترسیخ ما حققھ والدنا المنعم، طیب الله ثراه، من مكاسب
وطنیة ودولیة في ھاتین المسیرتین سائرین على نھجھ القویم في اعتماد توطید الدیمقراطیة واللامركزیة والجھویة والتمسك بفضائل الاجماع الوطني حول الوحدة الترابیة والتضامن لتدارك ما فوتھ الاستعمار على رعایانا الاوفیاء في الصحراء من لحاق بركب
التنمیة الشاملة للمغرب الحر الموحد.
وان من حق الشعب المغربي وھو یحتفل الیوم بالذكرى السادسة والعشرین لعودة صحرائنا الى حظیرة الوطن الام أن یعتز بكون
الجھود الجبارة والحثیثة التي بذلھا قد أثمرت منجزات تنمویة ھائلة جعلت أقالیمنا الصحراویة تضاھي الجھات المتطورة من ربوع
مملكتنا.
وھكذا عبدت ألاف الكیلومترات من الطرق وزودت تلك الاقالیم بموارد قارة للماء الشروب وجلب المیاه الضروریة للسكان عن
طریق تحلیة میاه البحر وحفر الابار وبنیت موانىء ومطارات متعددة. وتمت كھربة المدن والقرى مع ربطھا بالشبكة الوطنیة
وأقیمت وسائل المواصلات السلكیة واللاسلكیة وشیدت المدن والالاف من المساكن على امتداد أقالیم العیون وبوجدور والسمارة
والداخلة وأوسرد. كما بنیت العدید من الموءسسات التعلیمیة، وأطلقت مجموعة من المشاریع الاستثماریة وأحدثت الكثیر من
المقاولات من طرف أبناء المنطقة وشبابھا.
وما كان لھذه الجھود التنمویة أن تحقق أھدافھا لولا الامن والاستقرار اللذان تنعم بھما ھذه الاقالیم بفضل الجھود المستمیتة
والتحصینات الدفاعیة التي قام بھا المغرب للذود عن حوزتھ ونشر الامن والطمأنینة في ربوع صحرائھ والتي اضطلعت بھا القوات
المسلحة الملكیة والدرك الملكي والامن الوطني والقوات المساعدة المرابطة بھذه الاقالیم بكامل التفاني والاخلاص مما یجعلھا تستحق منا ومنك ،شعبي العزیز، كل الاشادة والتقدیر.
شعبي العزیز،
اذا كنا قد تمكنا، بعون الله وتوفیقھ، من تحقیق العدید من المنجزات في مسیرة توفیر العیش الكریم والأمن لرعایانا الاوفیاء بأقالیمنا
الصحراویة فإن ھنالك الكثیر الذي ما یزال ینتظر منا القیام به.
فما الذي یتعین علینا انجازه بعد أن أرسینا البنیات والتجھیزات التحتیة الاساسیة.. وأي مستقبل نریده لمناطقنا الصحراویة ویتطلع الیه أبناوءھا كفیل بجعلھا تتبوأ المكانة المتمیزة التي نتوخاھا لھا في مغرب التنمیة المستدیمة والدیمقراطیة الحقة التي تعتبر الجھویة
إحدى ركائزھا الاساسیة..
اننا عازمون على توطید الجھویة بمنظور للتنمیة الجھویة المتوازنةلا یختزلھا في مجرد ھیاكلھا وأبعادھا الاداریة والموءسساتیة
والثقافیة بل یعتبرھا فضاء خصبا للتنمیة الشاملة والمتواصلة بالجھة ومن أجلھا.
وقد ارتأینا أن یكون الشروع في تفعیل ھذا المنظور في جھتي جنوب المملكة وشمالھا بكیفیة تراعي خصوصیاتھما ضمن مخططات للتنمیة الجھویة المندمجة.
وھكذا، قررنا أن یرتكز المخطط التنموي لاقالیمنا الصحراویة العزیزة الغنیة برجالاتھا ونسائھا الاوفیاء على تنمیة قطاعات الصید
البحري والاستثمار العقلاني للثروات المعدنیة والصناعة التقلیدیة والسیاحة وتربیة المواشي مع ایلاء كامل العنایة للتربیة والتكوین
والثقافة والبیئة في ارتباط بالتنمیة الاقتصادیة وتشغیل الشباب وكذا توسیع المبادلات التجاریة مع جیراننا الاشقاء في موریتانیا
والبلدان الافریقیة المجاورة.
وسنشرف بنفسنا على تتبع اعداد مشروع مخطط للتنمیة المندمجة للاقالیم الصحراویة حریصین على أن یتم بتشاور واسع وشفاف مع أبناء المنطقة بمجالسھا المنتخبة وشبابھا وفعالیاتھا وجمعیاتھا ونخبھا الفكریة والاجتماعیة.
وانطلاقا من حرصنا الأكید على أن لا یتحول ھذا المخطط الى مجرد مشاریع وقرارات نظریة فاننا سنسھر على حسن اعداده
وضمان وسائل تمویلھ وتوفیر أدوات تنفیذه وءالیات تقویمھ المستمر.
واعتبارا لما نشمل بھ رعایانا الاوفیاء باقالیمنا الصحراویة من سابغ رضانا وفائق عنایتنا لما أبدوه على مر التاریخ الوطني من
مقاومة للموءامرات الاستعماریة والانفصالیة ومن تشبث بمقدسات وطنھم ووحدتھ ملتفین حول العرش العلوي المجید فاننا سنجعل من مخطط التنمیة لاقالیمنا الصحراویة مثالا یحتذى بھ في التنمیة الجھویة المندمجة الرامیة الى توفیر المزید من أسباب العیش
الكریم لسكانھا المرابطین فوق ترابھم الوطني واستقبال المستجیبین لدعوة وطنھم الغفور الرحیم.
شعبي العزیز،
لقد جعلنا من التشبث بمبادىء الحوار والاعتدال والسلم وحسن الجوار والاحتكام للشرعیة الدولیة السبیل الامثل للطي النھائي للنزاع
المفتعل حول استرجاعنا المشروع لاقالیمنا الجنوبیة.
وقد أبان المغرب عن حسن نیة وارادة سیاسیة واضحة وقویة للتعاون مع المجتمع الدولي لتجاوز المأزق الذي جعل مخطط التسویة
الاممي غیر قابل للتطبیق بفعل العراقیل التي افتعلھا خصوم وحدتنا الترابیة.
وفي ھذا السیاق، كان تعامل بلادنا الایجابي مع مشروع الاتفاق الاطار، الذي حظي بتنویھ ودعم المجتمع الدولي والذي اقترحھ بكل مسوءولیة السید جیمس بیكر الممثل الخاص للسید كوفي عنان الامین العام للامم المتحدة باعتباره فرصة حقیقیة في نطاق المشروعیة
الدولیة لایجاد حل سیاسي نھائي للنزاع المفتعل حول مغربیة صحرائنا.
وان المغرب القوي بقدسیة الاجماع الوطني حول وحدة ترابھ الوطني الذي لن یفرط في شبر واحد منھ قد قبل ھذا الحل السیاسي ما دام یلتزم بالاحترام التام لسیادتنا الوطنیة ووحدتنا الترابیة ویندرج في خصوصیات نظامنا الجھوي واللامركزي المتطور وفي نطاق
احترام المبادىء الدیمقراطیة.
واننا لنتطلع الى أن تتعامل جمیع الاطراف المعنیة بروح ایجابیة مع ھذا المسار الذي حظي بالاجماع الدولي آملین أن یمكن من انھاء ھذا النزاع المفتعل وخلق مناخ من التعاون والتكامل والصفاء في منطقة المغرب العربي التي ما أحوجھا لتعبئة قدراتھا ومواردھا
المشتركة لرفع ما یواجھھا من تحدیات وبناء غد ءامن وأفضل للاجیال الصاعدة.
ومھما كانت تطورات ملف الطي النھائي للنزاع المفتعل حول مغربیة صحرائنا، فان المغرب المتشبث بوجوده على أرضھ الواثق
بسیادتھ علیھا سیواصل مسیرة التنمیة الشاملة لاقالیمھ الصحراویة معتمدا في ذلك أوسع معاني وممارسات الدیمقراطیة وأعلى
درجات الجھویة واللامركزیة وعدم التمركز وأوثق روابط الوحدة ومقومات السیادة الوطنیة.
فلنستلھم من ھذه الذكرى الخالدة روح الالتحام والعطاء المستمر، من أجل مغرب تشكل فیھ مختلف جھات المملكة فضاءات دینامیة للتنمیة المستدیمة وممارسة الدیمقراطیة المحلیة وابراز الخصوصیات الثقافیة وتحقیق الازدھار الاقتصادي والاجتماعي في ظل
الوحدة والتضامن سائلین الله أن یمدنا بالعون والسداد في مواصلة مسیراتنا الدیمقراطیة والتنمویة من أجل مستقبل متقدم ومشرق لھذا البلد الامین.
والسلام علیكم ورحمة الله تعالى وبركاتھ".