نص الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة خلال مأدبة العشاء التي أقامها جلالته على شرف الرئيس السينغالي

مراكش يوم 29/05/2000

''الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
سيادة الرئيس.
أصحاب السعادة.
حضرات السيدات والسادة.
إنكم اخترتم يا سيادة الرئيس المغرب ليكون من بين الدول التي تزورونها في أول تنقل لكم خارج السينغال منذ انتخابكم رئيسا للجمهورية.
وإن هذا الاختيار الذي يشرفني كما يشرف بلدي والشعب المغربي قاطبة ليعكس ارادتكم سيادة الرئيس في أن يظل التفضيل للوئام ووحدة الشعور اللذين ميزا على مر التاريخ العلاقات بين المغرب والسينغال - رغم تقلبات الاجندة وما قد تمليه التزاماتنا معا - حافزين لعملهما المشترك من اجل تعزيز أواصر الاخوة وتعميق التفاهم بين الشعوب والامم.
وان هذا الاختيار ليبرز أيضا سيادة الرئيس الاصالة والكثافة والعمق والثبات التي استطاع المغرب والسينغال أن يسما بها علاقاتهما. تلكم العلاقات التي حرصنا معا على اقامتها على المدى الطويل وتعزيزها والرقي بها بروح من الصفاء والمحافظة عليها في طمأنينة بهدوء كيف ما كانت الظروف التاريخية ومتغيرات مجريات الاحداث في القارة الافريقية أو في باقي بلدان المعمور.
ان والدي المعظم جلالة المغفور له الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته كثيرا ماكان يذكر بأن بلدينا تجمعهما قدرة طبيعية على تبني نفس القضايا والدفاع عن نفس القيم وتأكيد نفس المبادىء والدعوة الى التحلي بنفس المثل الأخلاقية.
وقد تجسد كل هذا سيادة الرئيس عندما كان يتعين علينا جميعا مقاومة الاضطهاد والنضال من أجل الحرية في كل المعارك التي طبعت القرن الذي ولى كما خضنا النضال نفسه عندما كان لزاما ان ننتصر لقيم السلام والاستقرار والتقدم والكرامة في قارتنا لفرض احترام وحدة الشعوب والوحدة الترابية غير القابلة للتصرف وأخذها بعين الاعتبار.
سيادة الرئيس.. لقد عرف الشعبان المغربي والسينغالي في الماضي كما في الحاضر كيف يجعلا من هذا الإلتحام التلقائي جسرا للتلاقي من خلال استحضار ثقافي موءثر لمصيريهما والتحام جذورهما المشتركة التي تحرص إيقاعات وقوافي مطربينا وشعرائنا على انصهارها - بصرف النظر عن الاختلافات - في سعي موحد للبحث عن الهوية.. هوية يتسع صدرها للاخر في خصوصيته وغنى تنوعه.
وإذا كنت يا سيادة الرئيس قد حرصت على التذكير بالبعد الثقافي لعلاقتنا فلأن قناعتي راسخة بأن هذا البعد لايشكل فقط اللحمة والهيكل اللذين يدعمان ويرسخان أسس تعاوننا بل لأنه يوضح ايضا مشروعية هذا التعاون ويعطي لتضامننا الذي نلمسه يوميا بعدا إنسانيا عند كل محك.
وفي خضم هذا التضامن الفعال فان المغرب والسينغال يمكنهما اليوم - سيادة الرئيس- أن يجدا الحل لتحديات أخرى خاصة تحدي فن الممكن في العمل السياسي عندما يتعين على هذا الممكن أن يتجلى في بلدينا بوضوح عبر ترسيخ الديمقراطية وقوة الموءسسات والنضج الرصين للفاعلين في اللعبة الديمقراطية التي لن تتخلف عن تعزيزها الحكمة المثالية لشعبينا وعزمهما الرزين.
وسيشجعنا هذا التضامن على العمل بشكل أكثر وأفضل على الاقتراب من هدف يجب أن يشكل بالنسبة إلينا أكثر من أي وقت مضى أولية ملحة ألا وهي العمل بدون كلل من أجل تحقيق تنمية اقتصادية تسير بوتيرة أخرى ويكون لها حجم مغاير وترتكز على أشكال جديدة للشراكة سواء على الصعيد الاقليمي أو الدولي.
وفي هذا الافق المحفز - سيادة الرئيس .. أصحاب السعادة.. حضرات السيدات والسادة - يمكن للمغرب والسينغال المساهمة في إعطاء مصداقية وواقعية لمقاربة أكثر إبداعا وأكثر طموحا لتحقيق تنمية مشتركة متجددة متخلصة من رواسب استراتيجية متجاوزة والتي لا ينبغي أن تنحصر فقط في تقديم المساعدة لاقتصاديات هشة أو موهنة.
واليوم -سيادة الرئيس- يتعين علينا أن نعتمد منطقا مغايرا يتمثل في إندماج أكثر إنصافا وأكثر مسوءولية واكثر استمرارية لاقتصاديات بلدينا في خضم التدفقات الصناعية والتجارية والمالية التي غالبا ما تحدد بشكل حاسم حظوظنا الحقيقية في النمو.
ولا أقصد هنا - حضرات السيدات والسادة - فقط نتائج العولمة لوحدها التي يجب علينا مع ذلك الكد من اجل فهمها فهما جيدا حتى نحسن التحكم في ءالياتها. إن كلامي يندرج في واقع الأمر في إطار البحث الدوءوب عن تحديد متجدد ومحين أكثر حداثة وأكثر قبولا من الناحية الأخلاقية لعلاقات القارة الافريقية مع العالم المصنع.
وفي عملية التحيين هاته فان بلدينا المنفتحين والموءهلين بشكل أفضل لشراكة متجددة يمكنهما أن يشكلا عاملا حاسما لتعزيز وتوسيع طفرة الاقتصاديات الاروبية كما ان هذا النمو ينبغي بطبيعة الحال أن يمتد ليشملنا مانحا بذلك كل الفرص لاطار شمولي للتعاون حيث يجد السياسي والاقتصادي والثقافي والاستراتيجي مكانه وتوازنه.
ولن تكون هذه المقاربة ذات معنى الا اذا واكبها طبعا دعم فعال من مجتمع دولي يأخذ بعين الاعتبار حقائق وخصوصيات قارتنا. وفي هذا السياق فان القمة الافريقية الاروبية التي عقدت موءخرا بالقاهرة تشكل مرحلة اولى من أجل ءافاق واعدة لعلاقات مع شركائنا الاروبيين.
إن انطلاقة جديدة لمسلسل السلام في الشرق الاوسط التي ندعو اليها من اعماقنا والتي نظل معبئين من أجلها لمن شأنها بالطبع تسريع هذا التحول والدفع به. إن اعتقادنا في هذا الاطار يرتكز - كما تعلمون سيادة الرئيس - على الضرورة الملحة لاقامة سلام عادل وشامل ودائم مبني على الشرعية الدولية والاحترام التام للالتزامات المتخذة بما يضمن الانسحاب التام للقوات الاسرائيلية من جميع الاراضي العربية المحتلة وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
سيادة الرئيس
أصحاب السعادة
حضرات السيدات والسادة
واذ نعرب لكم مرة أخرى عن مدى سرورنا لاستقبالكم وجميع أعضاء الوفد المرافق لكم أود أن أوءكد لكم سيادة الرئيس التزامي الشخصي والتزام حكومتي بالاستمرار في جعل العلاقات بين المغرب والسينغال علاقات متميزة وفي مستوى تطلعات شعبينا وموءهلاتهما.
واذا لم يكن هناك بد من ختم هذه الكلمة التي ليست بالتاكيد مجرد خطاب يمليه المقام فهي الشهادة بأواصر الصداقة المتينة التي تجمعنا موءكدين ان مقامكم بين ظهرانينا هو ابلغ عربون على الأخوة العريقة التي طبعت على الدوام تعاوننا والتي ءامل أن تستمر في تفعيله.
وأدعو الحضور الى الوقوف تقديرا لجودة وغنى هذا التعاون وتحية لكم سيادة الرئيس رجل الدولة الكبير والمتبصر وضيفنا الكريم مع المتمنيات بالازدهار والسعادة للسنيغال والمغرب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ''.