نص الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمام قمة منتدى خمسة زائد خمسة بتونس

تونس يوم 05/12/2003

" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب الفخامة والمعالي رؤساء الدول والحكومات
حضرات السيدات والسادة
أود في البداية ان أتوجه إلى أخي العزيز فخامة الرئيس زين العابدين بن علي للإعراب له عن جزيل الشكر لاستضافته هذه القمة الأولى لمنتدانا على أرض جمهورية تونس الشقيقة ولما أحاطنا به من حفاوة الاستقبال وما وفره لهذه القمة من الظروف الكفيلة بانجاحها.
ان التئام هذه القمة وفي ظروف دولية مطبوعة بالتحديات والتفاعلات المتسارعة ليشكل حدثا بارزا بما يرمز إليه من ترابط حضاري وثقافي بين شعوب ضفتي غرب المتوسط، كما يؤكد الإرادة المشتركة والحازمة لأعضائها للإسهام الفعال في مواجهة القضايا التي نتقاسم الانشغال بها ونسعى لوضع مقاربات شمولية لمعالجتها وجعل منطقتنا فضاء نموذجيا للتعاون وحسن الجوار باعتبارهما ركيزتين أساسيستين لحفظ السلام والأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
ومن منطلق اعتبار هذه القمة فرصة ثمينة للحوار البناء فان تحقيق ولو جزء من التوافق في روءانا حول مجمل القضايا والإشكالات ذات الاهتمام المشترك سيمكن هذا المنتدى من ان يصبح تكتلا سلميا موءهلا للابتكار ووضع المقاربات الناجعة، كما سيصبح له حضوره الوازن على مستوى العلاقات المتوسطية والتعاون المكثف مع الدول المحيطة بالاتحاد الأوربي التي ليست أعضاء فيه وذلك في سياق التوجهات الجديدة لسياسة الجوار بين الاتحاد الأوربي ودول جنوب المتوسط.
واننا إذ نجتمع اليوم محفزين بالقواسم المشتركة التي تعد من المقومات الأساسية لتجمعنا; عازمين على تفعيل كل الآليات لتحقيق أفضل نموذج للتعاون الجهوي المكثف لتحدونا في ذلك روءية مستقبلية موحدة وإرادة راسخة لجعل تعاوننا تجربة رائدة على درب التوجه السياسي لبناء شراكة نموذجية بين الاتحاد الأوربي ودول جنوبي المتوسط ورافدا غنيا لكافة الفضاءات الإقليمية المتوسطية.
وفي هذا السياق نجدد التزامنا بالعمل على التجسيد التام للفضاء الواعد المنبثق عن إعلان أكادير ولتطلع المغرب إلى جعل مجموعتنا جسرا مفتوحا للتعاون الأوربي/المغاربي مع القارة الإفريقية لتحقيق تطلعات بلدانها الشقيقة إلى الاستقرار والتنمية الشاملة في إطار مبادرة " النيباد" التي تستحق من منتدانا المزيد من الدعم القوي.
وإذا كنا نولي جميعا بالغ الأهمية للمجال الاقتصادي والاجتماعي فإلى أي حد تم وضع تصورات مشتركة تستمد قوتها من ملامسة واقعنا وتحديد وسائل انجازها دونما حاجة إلى انتظار استحقاقات متوسطية مثل الاستحقاق المنتظر برسم عام 2010 ؟
اننا واثقون بكوننا نتقاسم هذا الانشغال وان بوسعنا ان نجعل من هذه القمة منطلقا للتخطيط لمشاريع ملموسة متحررة من مرجعيات وآليات تجمعات أخرى; عاملين على ترسيخ خصوصية هذه المنطقة التاريخية كمجال لحرية تنقل الأشخاص والأموال، والتفاعل الحضاري والتنوع الثقافي وكفضاء لإشاعة الديمقراطية وصيانة كرامة وحقوق الانسان التي جعلناها أساس توطيد أركان المغرب العصري.
وتلكم سبيلنا إلى تجاوز العديد من المشكلات الناجمة عن الظروف الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية السلبية وفي مقدمتها معضلة الهجرة التي لا يمكن لبلد بمفرده ولا لضفة دون أخرى التغلب عليها، وهذا ما يفرض إدماج المقاربة الأمنية ضمن استراتيجية شمولية وانسانية للتنمية والتعاون الأمثل بين دولنا بتمكين بلدان الضفة الجنوبية لغرب المتوسط من الموارد الضرورية والوسائل التكنولوجية لمساعدتها على سد العجز الاجتماعي وفي مقدمته بطالة الشباب.
وإدراكا منا لخطورة هذه الظاهرة المنافية لكرامة الانسان والموءثرة سلبا على علاقات التعاون وحسن الجوار فقد اتخذ المغرب تشريعات عصرية صارمة لتجريم ومحاربة العصابات المتاجرة بالهجرة السرية مجندا لذلك كل السلطات العمومية في ظل سيادة القانون وفيا لالتزاماته الثنائية والجهوية والدولية. كما أحدثنا أجهزة متخصصة في شوءون الهجرة ومراقبة الحدود إسهاما من المغرب في إيجاد سياسات عمومية ناجعة للحد منها في تعاون تام مع جيراننا وشركائنا للحد من الهجرة غير الشرعية ومعالجة دوافعها العميقة وانعكاساتها السلبية; مؤكدين عزم المملكة المغربية الراسخ على تنسيق جهودها في هذا الشان مع أشقائها في الاتحاد المغاربي دعما من المغرب لكل المبادرات التي تصب في هذا المسار الشاق والطويل.
وان ما يميز منتدانا بالإضافة إلى مكوناته الجوارية والحضارية انه يتشكل من مجموعتين تتوفر الشمالية منهما على تجانس ثقافي واجتماعي واندماج اقتصادي كاملين فيما تسعى الجنوبية إلى بلورة هذا التجانس والاندماج بإقامة اتحاد مغاربي قوي وفاعل مبني على أسس متينة يراعي المصالح الحيوية لدوله ويكفل لها الوحدة والاستقرار والتنمية المستدامة.
وتكتسي إقامة هذا الاتحاد على أرض الواقع بكل آلياته الفاعلة بالنسبة للمغرب أهمية قصوى مثلما هو الشان بالنسبة لأشقائنا في المغرب العربي باعتباره خيارا استراتيجيا لرفع تحديات الحاضر والمستقبل وتحقيق تطلعات شعوبه إلى الوحدة والتكامل والاندماج.
ولن يتأتى لنا كسب هذا الرهان إلا بتجاوز العراقيل التي تواجهنا وعلى رأسها النزاع المفتعل حول وحدة المغرب الترابية وذلك بإيجاد حل سلمي وتفاوضي وتوافقي ونهائي لها في نطاق الشرعية الدولية يضمن للمملكة المغربية السيادة والوحدة الوطنية والترابية، ويكفل لسكان المنطقة التدبير الذاتي لشوءونهم الجهوية في إطار الديمقراطية والاستقرار والتنمية المندمجة بدل ان تكون مجالا للتوتر والنزاع الذي يعتبر أكبر تهديد لأمن المنطقة بأجمعها بل بؤرة مشتعلة للإرهاب المدان من الشرائع السماوية والقيم الحضارية المشتركة.
ولي اليقين بان شركاءنا الأوربيين الخمسة الذين تربطنا بهم مصالح عديدة متشابكة سيدعمون هذا المسار في تطلعنا إلى ان نقيم معهم شراكة واقعية وشمولية مندمجة.
ومن هذا المنظور وبحكم ما للمغرب من رصيد في مجال التعاون مع أشقائه وأصدقائه فانه لن يدخر جهدا في تجسيد اتحاد المغرب العربي وجعله إطارا لمجموعة مندمجة تمكنه من استثمار كل موءهلات شعوبه وطاقاتها والتفاعل مع شركائه الأوربيين في مناخ من الثقة والأمن والتكامل. وفي هذا السياق فان بعض مقترحات الاجتماع الوزاري بلشبونة سنة 2001 ما تزال تحتفظ بأهميتها وواقعيتها. وان المغرب ليعرب عن كامل استعداده لاحتضان فعاليات اللقاء المقترح حول الاستثمار في منطقتنا.
اننا إذ نجتمع أصحاب الفخامة والمعالي اليوم لاتخاذ مقاربات شمولية في معالجة قضايانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذات البعد الأمني والتنموي والديمقراطي بالنسبة لغرب المتوسط لا يغيب عنا ما تعانيه منطقة شرقي المتوسط من صراع دموي رهيب.
لذلك نؤكد من جديد وقوفنا الثابت مع الشعب الفلسطيني الشقيق حتى يستعيد حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، كما نجدد تشبثنا بالسلام والتفاوض باعتبارهما الخيار الوحيد لانهاء هذا النزاع ووضع حد لدوامة العنف والعنف المضاد; داعين المنتظم الأممي ولا سيما الرباعي الدولي إلى بذل كل ما في وسعه لإخراج مسلسل السلام من جموده بتفعيل خارطة الطريق التي ندعمها; منوهين بالقوى الدولية العاملة على تطبيقها; مؤكدين موصول استعدادنا لاتخاذ كل المبادرات والإسهام في كل المساعي الحميدة لبلوغ مقاصدها المنشودة في نطاق الشرعية الدولية.
كما اننا متفائلون خيرا بالتوجه السليم لتمكين الشعب العراقي من تولي زمام أموره بنفسه في أقرب الآجال في إطار سيادته الوطنية ووحدته الترابية ليساهم بدوره الحضاري الوازن داخل محيطه الجهوي والدولي في مناخ من الحرية والديمقراطية التي يتطلع إليها شعبه الشقيق.
أصحاب الفخامة والمعالي
اننا نعيش عصرا تهيمن عليه عولمة كاسحة تعتمد حرية وسرعة انتقال روءوس الأموال في غير تكافوء مع حركية تنقل الأشخاص والانتفاع العام من الثروات فكيف نجعل منطقتنا بالأخص نموذجا للتفاعل الحضاري والتبادل الاقتصادي المتوازن بين الشمال والجنوب ?
ولأجل ذلك أدعو إلى جعل الاستثمارات المدرة لفرص التشغيل تنتقل إلى الناس في أوطانهم الضامنة لحقوقهم بدل ان يهاجر الانسان بحثا عن لقمة العيش في ظروف غير شرعية ومهينة لكرامته بل ومبعث مشاكل ومنازعات مزمنة.
وانني لواثق من كون صعوبة هذه المعادلة التي تشغلنا على حد سواء لا يوازيها إلا إيماننا الراسخ بكون حلها ليس بالمستحيل وبان عزمنا القوي على بناء مجموعة 5 زائد 5 المندمجة والمتضامنة من شانه ان يجسدها على أرض الواقع. وما ذلكم بعزيز على همة إخواني وأصدقائي الأعزاء أصحاب الفخامة والمعالي روءساء الدول والحكومات الذين أجدد سامي تقديري لجهودهم في هذا المسار الاستراتيجي، كما أعرب لهم عن موصول استعدادي للعمل سويا معهم لتحرير طاقات شعوبنا الخلاقة ولبناء فضاء متوسطي غربي مندمج يجسد رهاننا المشترك على جعل البحر الأبيض المتوسط غربا وشرقا بقربه الجغرافي واحة للسلام والتسامح وحسن الجوار وقطبا جهويا فاعلا لعولمة ذات بعد انساني تضامني ونموذجا للشراكة الاستراتيجية التي من شانها تقليص الهوة الاقتصادية والفجوة الثقافية بين بلدان الشمال والجنوب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".