نص الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك خلال مأدبة العشاء الرسمي التي أقامها جلالته على شرف عاهل بلجيكا جلالة الملك ألبير الثاني والملكة باولا

فاس يوم 05/10/2004

" الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
صاحبي الجلالة ،
أصحاب السمو الملكي،
أصحاب السعادة،
حضرات السيدات والسادة،
اسمحوا لي في البداية أن أعبر عن الفرحة الغامرة التي تخالجني وأنا أستقبل صاحب الجلالة الملك ألبير الثاني وصاحبة الجلالة الملكة باولا .
فحضورهما بيننا هو مبعث شرف وسرورلنا، ومناسبة للتأكيد لشخصيهما الجليلين عن احترام جلالتنا الفائق وعن التقدير الكبير الذي يكنه لهما الشعب المغربي، وهو حضور يجسد تلك الروابط العميقة التي رسخ التاريخ أواصرها بين مملكتينا، وكذا العلاقات الوثيقة التي نسجها شعبانا على مر العقود.
وفي هذا الصدد ، فإن الشعب المغربي لا يزال يحتفظ باعتزاز بذكرى زيارة الدولة التاريخية التي قام بها الراحل جلالة الملك بودوان والملكة فابيولا لبلدنا في أكتوبر 1968 .
صاحبي الجلالة،
لقد كانت سنة 1862 موعدا لأول اتفاقية للتجارة والملاحة بين المملكتين المغربية والبلجيكية. وقد مضى عليها حتى اليوم، قرن ونصف قرن، ساده الاحترام المتبادل الذي لم تنل منه لا الحروب ولا الأزمات ولا المآسي، التي هزت العالم حيث تمكنت مملكتانا من الحفاظ على صداقة دائمة ورزينة، رغم ما شهده التاريخ من رجات وتقلبات.
فهذه الصداقة هي التي مكنتنا من المضي في تعزيز تعاون ثنائي ناجع يشمل مختلف القطاعات، ويشجع التموقع الهادف للاستثمار البلجيكي في المغرب.
فالأمر يتعلق هنا بتعاون انخرطت فيه بلجيكا بكل عزم، ساهمت من خلاله في الجهود التنموية للمملكة المغربية. وإننا لموقنون بأن هذا التعاون سيتعزز بمكاسب الشراكة الاستراتيجية التي سنعمل سويا على تحقيقها. ومن شأن الجهود المتواصلة التي تبذلها جلالتكم والأسرة الملكية البلجيكية إزاء علاقاتنا الاقتصادية أن توفر لمثل هذه الشراكة كافة شروط النجاح .
ولا يسعنا، في هذا الصدد، إلا أن نعبر عن ابتهاجنا بالأصداء الايجابية التي خلفتها التظاهرات المختلفة، التي نظمت بقصد التعريف بالمنتوج المغربي في بلجيكا، وكذا بالاهتمام الذي يحظى به تنظيم سنة بلجيكا في المغرب .
إن معرض " بلجيكا " المنظم حاليا في مدينة الدار البيضاء والذي سيحظى بشرف زيارتكم، ليعد مناسبة يلتقي فيها رجال الأعمال، ويمهد الطريق بشكل ايجابي نحو إقامة شراكة نرغب في ترسيخها .
إن بلدينا يتوفران على مجموعة من الاتفاقيات سبق أن أبانت عن فعاليتها لكنها تبقى مع ذلك في حاجة إلى ملاءمتها بحيث تنسجم مع المعايير التي تفرضها شراكة أكثر قوة ومتانة. ووفق هذا المنظور سيكون من مهام اللجنة العليا المشتركة للشراكة إقرار استمرارية الحوار السياسي وملاءمة آليات تقييم تعاوننا الثنائي .
صاحبي الجلالة،
لقد اختار المغرب وبكل عزم اعتماد إصلاحات عميقة تهم كافة جوانب حياة الأمة من خلال إشراك جميع مواطنيه نساء ورجالا في ظل تكافىء الفرص والمساواة في الحقوق، وذلك اقتناعا منه باستحالة تحقيق تنمية مستدامة طالما لم يواكب التضامن الاجتماعي التنمية الاقتصادية .
لقد أدرك كل شركائنا مدى قوة ارتباط المغرب بأوروبا، بفعل موقعه الجغرافي وإرثه التاريخي ، مما يعزز طموحاتنا في أن نحظى بوضع متقدم في علاقاتنا مع الاتحاد الاوروبي. ولذلك يعلق المغرب أهمية كبيرة على مثل هذا التحول، ويثمن عاليا الدعم الذي تقدمه مملكة بلجيكا لكل المبادرات الهادفة إلى تجسيده .
كما أن الروابط التي تجمعنا بالقارة الأوروبية تمتد لتشمل القيم المشتركة التي لا ينال منها لا الزمن ولا الظروف. وهي القيم المتمثلة في الحوار والتسامح والتضامن وفي ثراء التنوع الثقافي عندما يسود التبادل والقبول بالاختلافات .
فلا يمكن تحقيق أي نظام عالمي دائم، يشيع فيه السلم، إذا لم يتم تقاسم مثل هذه القيم . ومن ثمة كان انخراطنا الأكيد والتام ضد كل أشكال التطرف والتمييز والاقصاء والعنف في جميع أنحاء العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط البالغة الحساسية والمعرضة لكل المخاطر فضلا عن انضمامنا الكامل يا صاحبي الجلالة، للجهود التي ما فتئتم تبذلونها لفائدة كل ما يقرب بين الثقافات والديانات.
صاحبي الجلالة،
أغتنم هذه الفرصة الثمينة لأشيد بالعناية الدائمة التي تولونها لكافة الجاليات ، التي تعيش فوق التراب البلجيكي ، وأنوه كذلك بالمساهمة الإيجابية لرعايانا الاوفياء المقيمين في بلجيكا، حيث خلدنا هذه السنة الذكرى الأربعين للمصادقة على الإطار المنظم الذي مهد لأول استقرار لهم .
إن بلدي ليعقد آمالا كبيرة على هذه الشراكة لما ستوفره من مبادرات واعدة لمجتمعاتنا المدنية ، خاصة في مجالات الاندماج والوساطة، وإشاعة القيم والقضايا التي نتقاسمها.
اسمحوا لي في ختام كلمتي هاته، يا صاحبي الجلالة، أن أشيد مرة اخرى، بمتانة وغنى وتميز العلاقات التي تربط بين المملكة المغربية والمملكة البلجيكية.
وأدعوكم، حضرات السيدات والسادة، ان تقفوا، إجلالا واحتراما لصاحب الجلالة الملك ألبير الثاني وصاحبة الجلالة الملكة باولا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته " .