نص الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح أشغال اجتماع لجنة القدس

مراكش يوم 25/01/2002

 " الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
   أصحاب المعالي،
   حضرات السيدات والسادة،
   نود في مستهل خطابنا أن نوجه تحية إكبار وصمود وتضامن، لأخينا الرئيس  ياسر عرفات، الذي ندين، بكل قوة، الحصار الجائر الذي فرضته عليه سلطات الاحتلال  الإسرائيلية، والذي حال دون مشاركته إيانا، كعادته، اجتماع لجنة القدس الشريف.
   ونغتنم هذه الفرصة لنوءكد،من جديد،لفخامة الرئيس ياسر عرفات وللمجتمع الدولي، أن دعمنا له وللسلطة الوطنية الفلسطينية متواصل ومستمر، وأن مساندتنا للشعب الفلسطيني الشقيق كاملة، حتى تتحقق مطالبه العادلة، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
   إن خطورة الأوضاع في الاراضي الفلسطينية، وتدهورها، بشكل غير مسبوق، إلى درجة لم تعد تحتمل، يفرض  علينا القيام بعمل حازم يشد من أزر إخواننا الفلسطينيين، ويعطيهم الشحنة اللازمة للإحساس بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الغطرسة والعدوان.
   إن هذه الظروف العصيبة تستوجب التمسك بالواقعية والتحلي بروح المسوءولية، والقيام بكل ما من شأنه أن يستنهض الضمير الإنساني، للوقوف في وجه مسبب المأساة التي يعانيها الابرياء الفلسطينيون يوميا.
   إن السياسة العدوانية التي تعتمدها السلطات الإسرائيلية تدفع بالمنطقة بكاملها إلى المجهول. وإن استمرارها المتعنت في ممارساتها التي لا يقبلها منطق ولا شرع، ستكون لها عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الدوليين. فسياسة القوة، التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية، لن تحل أي قضية، بقدمر ما ستولد المآسي، وستوءدي إلى تفاقم العنف، الذي لم يكن أبدا أساسا صالحا لحلول عادلة.
   لقد أجهض  رئيس الحكومة الإسرائيلية، بذرائع ومبررات واهية، كل المبادرات التي ساندها المجتمع الدولي، وعلى رأسها تقرير ميتشل ومبادرة جورج تينيت المتكاملين. فبدلا من التعامل الايجابي مع هذه المبادرات وغيرها من المساعي الدولية، عمد شارون إلى تقويضها من خلال استعماله القوة العسكرية، بهدف إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، وتحطيم رموزها وموءسساتها. وبذلك يقضي على أسس الحوار والتفاوض; باعتبارهما الوسيلة الحضارية المثلى، التي ما فتئت الأمة الاسلامية تتمسك بها لإحلال السلام في المنطقة، وفقا للشرعية الدولية.
   إن الممارسات العدوانية الإسرائيلية لم تعد تحتمل صمت المجتمع الدولي، الذي عليه أن يتحمل كافة مسوءولياته، لأن انعكاسات هذا الموضع المتفجر لن تقتصر على منطقة الشرق الأوسط وحدها، بل إنها، لا قدر الله، قد تمتد إلى أوسع من ذلك.
   فلا أحد بمقدوره أن يتنبأ بما سيترتب عن بشاعة تلكم الممارسات.. مقدسات دينية تنتهك حرمتها، منشآت وبيوت تهدم فوق روءوس أصحابها، أبرياء عزل يقتلون، مدن محاصرة، شعب يتعرض  للتنكيل والتجويع، وسلطة فلسطينية شرعية مهددة. فهذا الإثم والعدوان لا يزيد إلا في تأجيج أحاسيس ومشاعر الشعوب العربية والإسلامية نحو نصرة إخوان لهم.
   ولذا نتوجه باسمكم جميعا، بنداء إلى كل الضمائر الحية في المجتمع الإنساني، مناشدين إياها أن تولي هذا الوضع المتفجر ما يستلزمه من وعي ومسوءولية، لأن ما يحصل في الشرق الاوسط له انعكاسات مباشرة على السلم والاستقرار في العالم بأسره.
   فالتدخل الفوري والحازم من قبل المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن وراعيي السلام، أصبح يفرض نفسه، بكل إلحاح، لإنقاذ المنطقة برمتها، والعالم أجمع، من مآس  يمكن تفاديها بالعمل على إجبار إسرائيل على الانصياع للشرعية الدولية.
   ولا يمكن تحقيق السلام الذي ننشده إلا باعتماد التفاوض  والحوار الذي يعد السبيل الأمثل لتطبيق الشرعية الدولية، والعودة الفورية إلى مائدة المفاوضات دون قيد أو شرط وبالتزام صادق بالمقررات الاممية والاتفاقات والمبادرات التي قبلتها الأطراف المعنية.
   اما الشعب الفلسطيني الشقيق، صاحب القضية العادلة المعترف بها دوليا، فقد برهن، بقيادة أخينا، فخامة الرئيس  ياسر عرفات، على انتهاجه الصادق سلوك الحوار والتفاوض، من أجل استرجاع حقوقه المشروعة، والتعايش مع جيرانه.
   وإننا لنوءكد للعالم أننا متشبثون بالسلام، الذي اخترناه عن إيمان واقتناع، وسنظل متمسكين به الى أن يتحقق الحل العادل والشامل والدائم، ويقيم الشعب الفلسطيني دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف; واثقين من ان الله تعالى سيكلل كفاحه بالنصر المبين.. "وكان حقا علينا نصر المومنين" صدق الله العظيم.
   والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".