"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،
إن مشاعر الاعتزاز الكبير بالنقلة الديمقراطية النوعية التي حققناها بانتخاب مجلس النواب الجديد الذي نتولى تنصيبه اليوم لا يعادلها إلا عرفاننا العميق ووفاوءنا الصادق للروح الطاهرة لرائد المسيرة الديمقراطية والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه.
وستظل الأجيال الحاضرة والمقبلة مدينة لعبقريته وثاقب نظره في اختيار النظام الديمقراطي الذي عملنا منذ اعتلائنا العرش على ترسيخه باستكمال بناء دولة الحق، القوية بموءسساتها ذات المصداقية.
وإذ نهنىء النواب على انتخابهم أو تجديد الثقة فيهم فإننا نخص بالتهنئة السيدات النائبات واثقين من أن ما عرفت به المرأة المغربية من جدية وواقعية ونزاهة سينعكس إيجابا على أشغال المجلس متطلعين إلى المزيد من إنصافها، وتحقيق المساواة العادلة لها في ك مجالات الحياة الوطنية.
كما نود أن نوجه تحية خاصة لرعايانا الأوفياء ولممثليهم البرلمانيين المنحدرين من الأقاليم الجنوبية لما ترمز إليه مشاركتهم المكثفة التي بلغت النسبة العليا لأربعة وستين في المائة متجاوزة المعدل الوطني ولما يعبر عنه انتخابهم من اقتناع بالنهج الديمقرا الذي اخترناه كأفضل وسيلة لتدبير شوءونهم الجهوية ومن تشبث بالوطن في ظل الوحدة والحرية والكرامة.
ونأبى إلا أن نشيد بكل المواطنين والهيئات والسلطات الذين ساهموا في هذا الإنجاز، بكل مسوءولية والتزام وفي مقدمتهم أطر وزارتي الداخلية والعدل والقضاة.
وبقدر احتفائنا بهذه الخطوة الديمقراطية، التي أحطناها بكل الضمانات القانونية والسياسية، فإننا نتساءل.. هل كان الهدف المنشود هو مجرد التوفر على مجلس للنواب يعكس التمثيلية الحقيقية لكل الهيئات السياسية ? كلا، إن الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها وإنا هي أداة لتفعيل المشاركة الشعبية في تدبير الشأن العام والتعبئة من أجل التنمية، ولن تكتمل الديمقراطية التي نتوخاها إلا بإزاحة عوائقها الهيكلية المتمثلة في القضاء على الأمية والفقر وتقوية دور الأحزاب السياسية من خلال إقرار قانون خاص بشأنها وتخليق الحياة العامة.
وهذا ما يجعل الرهان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي رهانا أصعب من تحدي بناء الصرح الموءسسي، الذي حققنا فيه مكاسب هامة، والذي سنتعهده بالمزيد من التوطيد والتجديد والعقلن
إن ما نتوخاه من إعادة الاعتبار للموءسسة البرلمانية يتطلب منكم عملا دوءوبا ليس داخل القبة البرلمانية من أجل أداء مهامكم الدستورية فحسب بل الالتزام أيضا بالقرب من مغرب الأعماق والإصغاء لمواطنيكم من أجل التعبير عن انشغالات الأمة وجعلهم في الصورلواقعية لما يمكن الاستجابة له. وذلكم هو طريقكم نحو أداء مهمة صلة الوصل بين الشعب والجهاز التنفيذي بشكل لا يحصر عمل الأغلبية البرلمانية في مساندة الحكومة داخل الإطار الضيق للبرلمان والوزارات وإنما يمتد إلى أعماق مكونات المجتمع.
كما أن سبيل المعارضة البناءة هو النهوض بدور القوة الاقتراحية والتعبير بواقعية وعقلانية عن التطلعات الاجتماعية ضمن ممارسة برلمانية خلاقة بعيدة عن المزايدات الفارغة والمجادلات العقيمة التي لن تشغل عاطلا أو تعلم أميا أو تنصف مظلوما أو تصون كرامة محروم.
لذلكم فأنتم مطالبون بالعمل الجدي، وباستخلاص العبرة من الحملة الانتخابية التي جعلتكم تقفون على انتظارات المواطنين الذين يتطلعون لحلول ملموسة لمشاكلهم الواقعية الأساسية التي ينبض بها قلب كل مواطن بدل جعل كل شيء ذا أسبقية إنها الأسبقيات الأربع المثلة في التشغيل المنتج والتنمية الاقتصادية والتعليم النافع والسكن اللائق.
وتلكم هي الانشغالات الوطنية الحقيقية التي ينبغي تركيز الجهود عليها باعتبارها أسبقيات ملحة.
ويعد التشغيل الهاجس الأول للأسرة المغربية ومفتاح المعضلات الاجتماعية لا سيما منها الفقر والتهميش اللذان لا يمكن القضاء عليهما إلا بتفعيل التضامن الاجتماعي القائم على الشراكة بين السلطات العمومية والجماعات المحلية والقطاع الخاص والنسيج الجمعوي.
ولن نتمكن من تشغيل الفئات الواسعة من شبابنا إلا بتحقيق التنمية الاقتصادية التي تظل رهينة بحفز الاستثمار ثم الاستثمار ثم الاستثمار الذي سأظل أعمل من أجل إزاحة عوائقه حتى يصير المغرب إن شاء الله ورشا كبيرا للإنتاج وخلق الثروات.
وذلك ما يتطلب الالتزام بحسن تدبير الشأن العام والإسراع بالإصلاحات العميقة الإدارية والقضائية والجبائية والمالية وتأهيل المقاولات والتركيز على القطاعات التي لنا فيها موءهلات وتنافسية وإنتاجية والنهوض بالتنمية القروية موءكدين وجوب إقرار القالتنظيمي للإضراب ومدونة عصرية للشغل يعرف فيها كل من المستثمر والعامل حقوقهما والتزاماتهما مسبقا وذلك في نطاق ميثاق اجتماعي تضامني شامل.
ولن نحقق إقلاعا اقتصاديا أو نوفر شغلا منتجا إلا بالتفعيل الأمثل لإصلاح نظام التربية والتكوين الذي بالرغم من الخطوات التي قطعناها في شأنه فإنه ينتظرنا إنجاز أصعب مراحله المتمثلة في الإصلاح النوعي للتكوين واستئصال الأمية مع الإقدام بشجاعة على إي موارد مالية جديدة والنهوض بمختلف مكونات الثقافة الوطنية ولا سيما بدعم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في محافظة على هوية المغرب الإسلامية، وتشبث بوحدته المذهبية، وانفتاح شامل على الحداثة وبناء مجتمع المعرفة والاتصال.
كما أننا لن نتمكن من صيانة كرامة المواطن، إلا بتوفير السكن اللائق والتعجيل بتنفيذ البرنامج الوطني لمحاربة البناء العشوائي والقضاء على أحياء الصفيح، التي تشكل تهديدا لتماسك وتوازن نسيجنا الاجتماعي ومصدرا لظواهر الإحباط والإقصاء والانحراف والتطرف.
وبالرغم من أن إنجاز هذه الأسبقيات يعد مهمة شاقة فإنه لا خيار لنا إلا التعبئة الشاملة من أجل رفع تحدياتها لترسيخ الثقة في مغرب الحاضر والمستقبل وإعادة الأمل إلى نفوس المحرومين من فئات شعبنا الوفي.
وفوق هذا وذاك، فإن علينا أن نحسن استثمار الإشعاع الديمقراطي للمغرب، المشهود به دوليا، من أجل الطي النهائي للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية التي تظل قضيتنا المقدسة فضلا عن توطيد الأمن والاستقرار الذي ينعم به بلدنا في إطار النظام الديمقراطي الذي لا يستقيم أمره إلا في نطاق الدولة القوية بسيادة القانون.
فعلى الجميع أن يستشعر جسامة المسوءولية البرلمانية والحكومية، ويتحلى بفضيلة الحوار البناء، والإجماع حول الثوابت والمقدسات، والتراضي حول الملفات الكبرى للأمة واعتماد قاعدة الأغلبية الديمقراطية للبت في ما عداهما من القضايا لأن الإفراط في التراضي يفرمن محتواه ويسلبه غايته المثلى جاعلا منه ذريعة للتملص من اتخاذ القرار.
إن التحدي المطروح على مغرب اليوم والغد ليس هو المفاضلة بين التيارات السياسية كيفما كانت مشاربها وإنما هو الحسم بين الديمقراطية والالتزام وبين التسيب والسلبية بين الحداثة والانفتاح وبين التزمت والانغلاق. إنه بكلمة واحدة المعركة الحقيقية بين التقم والتأخر في عالم لا يزيد إلا تحديا على تحديات، وصراعا على صراعات وسباقا ضد الساعة يجعل ما هو ممكن اليوم مستحيلا غدا. وتلكم هي الرهانات الحقيقية التي يتعين على المغرب كسبها.
والله تعالى نسأل أن يلهمنا جميعا السداد والتوفيق ويقوي عزائمنا ويجعل لنا من تأييده هاديا ومعينا.
" وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا" صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".