الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة
لقد أبينا إلا أن نرأس افتتاح أشغال المجلس الأعلى للماء والمناخ إيمانا منا بالأهمية القصوى للماء الذي نعتبره من مقومات السيادة الوطنية واقتناعا منا بفضيلة الحوار البناء داخل الهيئات المختصة حول كل القضايا الوطنية الكبرى.
وإذا كانت بلادنا ولله الحمد قد حباها الله بخيرات طبيعية وفيرة، فإن إرادته تعالى تمتحننا بفترات جفاف كان من الممكن أن تكون انعكاساتها السلبية أكثر خطورة على النمو الاقتصادي والتوازن البيئي لبلادنا لولا السياسة المائية الرشيدة لوالدنا طيب الله ثراه التي جعلت المجلس العالمي للماء يطلق اسم الحسن الثاني على أكبر جائزة دولية لتكريم أفضل عمل عالمي في مجال الماء.
وإذا كان المغرب قد نجح لحد الآن في مسايرة ارتفاع الطلب على المياه بتقوية العرض عن طريق تعبئة متنامية للموارد ضامنا بذلك تزويد المدن وسقي المليون هكتار فإن هذا التوازن أصبح هشا بفعل تضافر إكراهات متعددة.
ولهذا فقد آن الأوان لنغير جذريا نظرتنا وسلوكنا تجاه الماء من خلال تدبير الطلب عليه وعقلنة استهلاكه مع مواصلة الجهود من أجل تعبئة كافة الموارد المائية القابلة لذلك والسير قدما في سبيل إنجاز منشآت التخزين وتحويل المياه من الأحواض ذات الفائض نحو الأحواض المعوزة سعيا لتحقيق التضامن بين الجهات.
ومن أجل تخفيف العبء عن كاهل الاستثمار فقد أصبح من اللازم البحث عن صيغ جديدة لتمويل وتدبير التجهيزات المائية كما ينبغي مراجعة اختياراتنا المتعلقة بأنواع إنتاجنا الفلاحي الذي نعتبره في صلب أولوياتنا آخذين بعين الاعتبار عنصر ندرة المياه والتكلفة الحقيقية للإنتاج بالنسبة لبلادنا.
ونظرا للتأخر المسجل على مستوى الصرف الصحي للمياه المستعملة يتعين وضع تصورات عملية من شأنها المساعدة على حماية مصادر المياه من التلوث كما يجب إيلاء عناية أكبر لتفعيل برنامج تزويد العالم القروي بالماء الشروب حتى تتمكن باديتنا من تحقيق ما ننشده لها من نماء.
وسؤ تعلق الأمر بالبوادي أو الحواضر فإننا نحث جميع المتدخلين في قطاع الماء وبالأخص المكتب الوطني للماء الصالح للشرب على أن يبذلوا قصارى جهودهم من أجل تأمين تزويد كافة المجموعات السكانية بمملكتنا بالماء الشروب مع مراعاة شروط الجودة والسلامة الصحية والتوزيع العادل والتضامن الفعال.
حضرات السيدات والسادة.
لقد كان من بين نتائج مواسم الجفاف المتتالية التي عاشتها بلادنا خلال العشرين سنة المنصرمة ارتفاع مديونية الفلاحين مما جعل شريحة كبيرة منهم غير قادرة على أداء ما ترتب عليها من ديون لفائدة الصندوق الوطني للقرض الفلاحي. ومن أجل تدارك هذا العجز فقد أصدرنا توجيهاتنا السامية إلى حكومتنا كي تعمل على إعادة جدولة الديون الفلاحية في مدة تتراوح بين 15 و 20 سنة مع إعفاء جزئي يمكن أن يصل إلى 40 في المائة لفائدة صغار الفلاحين ومع مراعاة الخصوصيات الطبيعية للمناطق. وستهم هذه العملية ما يناهز 000 120 فلاحا.
وإننا لنتوخى من خلال هذا المجهود دعم فلاحينا الأوفياء وتمكين مؤسسة القرض الفلاحي من مزاولة نشاطها وهي في وضعية مالية سليمة وفي إطار مؤسساتي شفاف وملائم يقوم على إصلاح هياكلها وفق قانون جديد يوجد الان في طور المناقشة داخل البرلمان مؤكدين بأننا سنظل ساهرين على أن يظل تمويل نشاط الفلاحين الصغار ميسرا عبر عقد بين القرض الفلاحي والدولة.
حضرات السيدات والسادة
إننا لنعلق آمالا كبرى على مجلسكم الذي يجتمع لأول مرة في إطار قانون الماء لبلورة التوجهات العامة للسياسة المائية الوطنية داعين حكومتنا إلى الإسراع باتخاذ التدابير الكفيلة بتفعيل جميع مقتضيات هذا القانون فضلا عن تكريس الجهود لترسيخ منهجية عمل دقيقة تمكن مجلسكم من ممارسة حضوره الدائم في كل ما يتعلق بالسياسة المائية تحقيقا لارادتنا في جعل هذا المجلس فضاء خصبا لمناقشتها.
ذلكم أن إشكالية تدبير الماء هي من التعقد والتداخل بحيث لا تقبل المعالجة التقنية الصرفة ولا تحل بمجرد إنجازات جزئية منفصلة وإنما تستدعي مقاربة شمولية قوامها التبصر والموازنة بين الامكانات المتاحة للعرض دون تفريط والحدود المعقولة للطلب دون إفراط.
ومن هذا المنطلق فإننا ننتظر منكم خلال دورة مجلسكم القادمة تجسيد هذه المقاربة لدى دراستكم مشروع المخطط الوطني للماء الذي هو قيد الإعداد متوخين منه أن يحدد استراتيجية وطنية جديرة بتنمية الموارد المائية في أفق سنة 2030 وأن يمكن من اتخاذ القرار السياسي الملائم على اساس توزيع عادل وعقلاني لهذه الثروة يحول دون كل أنواع التنازع أو الاحتكار أو التدبير.
وإننا لواثقون من تقديركم للمسؤولية ومن حرصكم الصادق على تضافر خبراتكم ضمن مجهود جماعي كفيل بضمان الأمن المائي لوطننا العزيز حاضرا ومستقبلا.
أعانكم الله وسدد خطاكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.