سؤال: ما هو تقييمكم للعلاقات بين المغرب واليابان بعد خمسين سنة من إرساء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ؟
جواب: اسمحو لي أولا أن أعرب عن سعادتي لكون زيارتي تتزامن مع تخليد الذكرى الخمسينية لاستقلال المغرب، وهو ، كما تلاحظون، عمر علاقاتنا الدبلوماسية.
إن ما يجمعنا لا يقتصر على تبادل السفراء قبل خمسين سنة. إن التقاليد العريقة لبلدينا تعطي لعلاقاتنا عمقا تاريخيا فريدا من نوعه على الساحة الدولية. وبقدر ما طورنا، كل من جانبه، إرثنا الحضاري بقدر ما كان طموحنا نحو الانفتاح على باقي العالم. لقد كانت انشغالاتنا واحدة. فعلى سبيل المثال، في القرن ال 19 كان جدي مولاي الحسن الأول، وعيا منه برهانات الثورة الصناعية، قد أوفد عدة بعثات لتلقي تكوين في أوربا على المفاهيم الجديدة للإنتاج في تلك المرحلة. وفي الوقت ذاته قام الامبراطور مايجي بنفس الخطوة تحذوه الرغبة ذاتها.
وكما ترون فإنه رغم البعد الجغرافي ، فإننا نقتسم نفس الطموحات بالنسبة لبلدينا، وكذلك نفس قيم الحوار والاعتدال والانفتاح دون أن نتخلى قط عن هويتنا الخاصة. وأعتقد أن هذه النقط المشتركة، في عالم مضطرب جدا كالذي نعيش فيه اليوم، لها أهمية قصوى أكثر من أي مؤشرات نقيم من خلالها عادة وضعية العلاقات بين دولتين.
وفضلا عن ذلك، فالأرقام تعتبر جد مشجعة في مختلف الميادين. فاليابان تأتي في المرتبة الثانية كمانح للدعم العمومي للتنمية في المغرب وفي المرتبة السابعة من بين الدائنين على المستوى الثنائي.
وعلى المستوى السياسي، فأنا أثمن كون بلدينا لديهما موقف موحد بخصوص القضايا الكبرى التي تشغل العالم كمحاربة الفقر والحوار شمال - جنوب ومسلسل السلام بالشرق الأوسط والإرهاب.
سؤال: ماهو الهدف المتوخى من الزيارة التي تقوم بها جلالتكم إلى اليابان، البلد الذي زرتموه مرتين عندما كنتم وليا للعهد ؟
جواب: أقوم اليوم بزيارة لهذا البلد بشعور مفعم بالسعادة والاهتمام، بالنظر إلى الدينامية الاستثنائية التي تطبع اقتصاد بلدكم. إن هذه الدينامية التي تنضاف إلى طموحاتنا وكذا إلى المؤهلات المتعددة التي يمنحها المغرب، كفيلة بأن ترفع علاقاتنا الاقتصادية والتجارية إلى مستوى فريد من نوعه بالمنطقة.
كذلك فإننا نشجع المستثمرين اليابانيين لتعزيز حضورهم بالمغرب لاسيما وأن هناك إطارا للتعاون يتضمن العديد من الامتيازات. بالطبع ، يمكن إعادة النظر فيه وتطويره باستمرار خلال الاتصالات الثنائية من مستوى عال التي نأمل في أن تتضاعف في المستقبل.
وعلى الصعيد السياسي، فإننا بالطبع سنتشاور حول مختلف القضايا التي تدخل في دائرة انشغلاتنا. وفي هذا السياق، نأمل في أن تضطلع اليابان بدور أكثر أهمية على صعيد الهيئات الأممية.
إن خطورة الأحداث في العراق، حيث يجب أن تسود سيادة ووحدة هذا البلد، تعنينا جميعا وأنه يتعين الإسراع بالمسلسل الانتقالي.
وبالطبع، سنتطرق إلى آخر تطورات الوضع بمنطقة المغرب العربي وإفريقيا و منطقة حوض المتوسط.
كما أن قضية الشرق الأوسط والظلم الذي يلحق يوميا بأشقائنا الفلسطينيين يوجد أيضا على جدول الاعمال.
سؤال: فعلا،يا صاحب الجلالة، لقد كان المغرب وما يزال فاعلا أساسيا في مسلسل السلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليين، ماهي، في الوقت الراهن، شروط تسريع هذا المسلسل، والوصول به إلى أهدافه في المدى ؟.
جواب: توجد، طبعا، مجموعة من الشروط، لكن أعتقد أنها لا يمكن أن تعطي ثمارها إلا بالعودة إلى الحكمة والاعتدال اللذين تركا مكانهما للتشدد في الردود والمواقف.
وأعتقد اليوم، أنه بعد مرحلة انقطع فيها الحوار فعلا بين مختلف الأطراف، فإننا نعاين دينامية وروحا جديدتين ، هشة إلى حد ما، لكنها مشجعة.
فحينما بعثت برسائل لرؤساء فلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة لتهنئتهم على الجهود التي مكنت من الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما شكل مرحلة هامة في تفعيل خارطة الطريق، كنت بذلك أعرب عن دعمي لهذه الدينامية.
والآن وبعدما تحقق الانسحاب، يتعين تسوية القضايا العالقة، التي يشكل حلها نجاحا لفترة ما بعد الانسحاب، هناك على الخصوص حرية تنقل الفلسطينيين و تحسين الوضع الاقتصادي والحياة اليومية للفلسطينيين ، حيث تعيش الغالبية العظمى منهم في ظل ظروف مزرية.
فعلى المجموعة الدولية أن تضاعف من جهودها لتعزيز هذا المكتسب، لأنه لا يغيب أن أذهاننا بأن الهدف هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وديمقراطية تعيش في سلام ووئام إلى جانب إسرائيل.
ومرة أخرى، فإن الوتيرة والظروف التي بها سنحقق ذلك تتوقف على مدى نهجنا سبيل الحكمة.
وبالنسبة إلي، فإنني سأساهم بكامل عزمي الراسخ لبلوغ ذلك.
سؤال: يهدد الإرهاب أمن العالم، فكيف يواجهه المغرب، وماهي الوضعية الخاصة في المغرب بالنسبة لهذا الأمر ؟
جواب: أنت تعرف جيدا إلى أي حد المغاربة معنيون مباشرة بهذه المسألة. لقد كنا ضحايا وأوذينا في أعماقنا بفعل وحشية الإرهابيين خلال الاعتداءات التي وقعت في 16 ماي 2003 بالدار البيضاء .
و أذكرك أيضا بأن إثنين من مواطنينا بريئين تم اختطافهما في 20 أكتوبر الماضي بالعراق.
وقد دأب المغرب دائما وبأكبر قدر من الصرامة على إدانة الإرهاب كيفما كانت دوافعه. ثم إنه لا يمكن قبول أي تبرير للعنف الأعمى. واتخاذ الدين ذريعة من قبل بعض الجماعات الإرهابية للقيام بأعمال عنف من هذا القبيل، ينبغي أن يحارب، وتحديدا لحماية أحد رسائل الإسلام الأساسية وهي التسامح وقبول الآخر.
ولقد جعلت منا هويتنا العربية الأمازيغية الإسلامية شعبا منفتحا على نحو فريد، فخورا بثقافته وتقاليده. وإننا نعتز بهويتنا، وفي كل مرة نصاب فيها، كما هو الأمر اليوم مع الاختطافين اللذين وقعا في العراق، ينزل المغاربة بمئات الآلاف إلى الشوارع ليجددوا التأكيد، على الشعور بالإعتزاز هذا، وللتنديد بالإرهاب.
وأعتقد أن خير وقاء من الإرهاب هي قدرتنا على التعبئة بطريقة سلمية بالطبع في كل مرة تبدو لنا فيها قيمنا في خطر مع احترام القيم الديمقراطية التي يتعلق بها المغرب أشد ما يكون التعلق.
أما الوقاء الثاني فهو التنمية الاقتصادية والتناغم الاجتماعي الديناميين بما فيه الكفاية لتقليص جيوب الإقصاء والتهميش.
ويشمل ذلك أيضا إصلاحات الحقل التعليمي والحقل الديني التي حاولنا تسريع وتيرتها والتي تعطي اليوم نتائج جيدة للغاية.
وأخيرا يمكنني القول أن قيمنا وعزمنا، كيفما كان الألم أو عنف الأحداث، هي أفضل أسلحتنا في مواجهة المتطرفين.
سؤال: كما أشرتم إلى ذلك، ياصاحب الجلالة، فإن المغرب قام بإصلاحات واسعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كيف تنظرون جلالتكم ، ونحن في نهاية سنة 2005، للنتائج المحققة وما الذي يمكن أن يتم إنجازه في المستقبل؟
جواب: أنتم تعلمون أنه عندما اعتليت العرش كانت كل القضايا تمثل أولوية بالنسبة لي، فوالدي جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته، فتح جزء كبيرا من أوراش المغرب المستقل والعصري. وعندما أرى العمل الجبار الذي قام به، أشعر، كباقي المغاربة، بكثير من الإعجاب والفخر تجاهه.
فأنا أعمل ليس فقط على تعزيز ما تحقق في الملفات التي فتحها والدي كالملف المتعلق باحترام حقوق الإنسان وخصوصا من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة الانتهاكات التي ارتكبت في الماضي بل أيضا من أجل إنجاز سريع للأوراش الجديدة التي تم إطلاقها في السنوات الأخيرة: محو الأمية وإصلاح الحقل الديني والتأمين الإجباري على المرض وإصلاح القضاء وتمدرس الفتيات وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فضلا عن المشاريع البنيوية الكبرى كميناء طنجة المتوسط أو مشروع أبي رقراق بالرباط أو المناطق السياحية الكبرى التي ستخلق مئات الآلاف من مناصب الشغل.
وهناك، أيضا، إصلاح مدونة الأسرة، وهو إصلاح له مكانة خاصة عندي، لأنه جعل من المغربيات اليوم مواطنات بمعنى الكلمة، وقد استقبلته كل مكونات المجتمع المغربي بشكل إيجابي. إن القيام بهذا الإصلاح كان إنصافا للمرأة ، وأعترف أنه شكل مصدر ارتياح كبير بالنسبة لي.
وفي الآونة الأخيرة أطلقنا "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" وهو برنامج واسع يهدف إلى إعطاء دفعة قوية للتنمية السوسيو اقتصادية من خلال تحفيز الاندماج في النسيج المنتج بالنسبة للشرائح الأكثر تهميشا من الساكنة. إنه حل واقعي وملموس لإشكالية تقع في صلب الانشغالات الدولية. ومن هذا المنطلق فإن الاهتمام الذي أبداه شركاؤنا الأجانب مهم جدا خصوصا وأن النموذج الذي اعتمدناه يأخذ بعين الاعتبار خصوصياتنا وحجم وسائلنا. إنه إصلاح طموح وبطبيعة الحال سأقدمه لمحاوري من الجانب الياباني. وفي الحقيقة فإنهم كانوا دائما حاضرين إلى جانب المملكة لمواكبتها في تنميتها وأنا أشكرهم على ذلك.
بطبيعة الحال هناك أشياء كثيرة أخرى يتعين إنجازها، لكنني أعتقد أنه بفضل قناعاتنا وتعبئة حكومتنا، وكل هيئات المجتمع المدني النشيطة في كل المجالات، فإن من حق المغاربة أن يكونوا متفائلين وذلك بالرغم من الصعوبات.
سؤال: يوجد الاندماج المغاربي في وضعية سبات، ما هي آفاق إعادة إطلاق هذا المسلسل من وجهة نظر المغرب ؟
جواب : المغرب هو أول من يتأسف لهذه الوضعية، وإن خيبة أملنا أكبر بالنظر إلى أن المعاهدة المؤسسة لاتحاد المغرب العربي، تم التوقيع عليها في المغرب، بمراكش سنة 1989.
وبما أنني كنت شاهدا إلى جانب والدي الراحل، على ميلاد اتحاد المغرب العربي، فإنني أتذكر دائما الآمال العريضة التي خلقها التوقيع على المعاهدة لدى شعوب بلدان المنطقة الخمس، التي تجمعهم روابط عميقة مشتركة على صعيد التاريخ والدين واللغة والمصير، والتي تشكل مجتمعة مؤهلات اقتصادية هامة ستمكننا من مواجهة العولمة بشكل أفضل وكذا التموضع في شراكة قوية وذات مصداقية إزاء مجموعات إقليمية أخرى كالاتحاد الأوروبي.
وللأسف، فإن مسلسل البناء المغاربي مازال على الخصوص، رهين، النزاع حول الصحراء الذي ما زالت المواجهة فيه مستمرة بيننا وبين جارتنا الجزائر، والذي هو في واقع الأمر من مخلفات الحرب الباردة والمواجهة بين المعسكرين السابقين.
إننا سنبقى متشبثين باتحاد المغرب العربي، وقد عبر المغرب على الدوام عن استعداده للحوار في إطار الأمم المتحدة، و لحل سياسي لهذا النزاع من خلال حكم ذاتي نهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية. وآمل أن تنخرط الجزائر في دينامية السلام هذه من أجل إعادة إطلاق البناء المغاربي على أسس سليمة وواضحة.