خطاب جلالة الملك محمد السادس في افتتاح اجتماع المجلس الاداري لوكالة بيت مال القدس

مراكش يوم 14/02/2000

'' الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه.
فخامة الرئيس السيد ياسر عرفات
أصحاب المعالي
حضرات السادة والسيدات
ضيوفنا الكرام
في مستهل خطابي هذا يسرني أن أرحب بالرئيس ياسر عرفات الذي أبى الا ان يحضر اجتماعنا هذا تقديرا منه لاهمية اعمال مجلسكم.
ويسعدنا أن نفتتح هذا الاجتماع المبارك المخصص لقضية لها مكانتها في قلوب كل المسلمين الا وهي قضية القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين. تلك القضية التى كان والدنا المنعم تغمده الله بواسع رحمته يوليها اهتماما خاصا وعناية فائقة وذلك انطلاقا من ايمانه العميق بعدالة هذه القضية والواجب الاسلامي في الدفاع عن هويتها وصيانة معالمها ورموزها الروحية التى تحظى بتقديس المسلمين كافة حتى انه قد كان قدس الله روحه يوصيني بالاهتمام بها وجعلها من ضمن الاولويات في اهتماماتي ومواصلة العمل لتفعيل بيت مال القدس وتثبيت دوره في مواجهة سياسة التهويد.
وحرصا من والدي برد الله مضجعه على القدس الشريف والمكانة التى كانت تحتلها في وجدانه تقدم بمبادرة انشاء موءسسة يكون لها دور مباشر وميداني. وتجسدت هذه الفكرة في وكالة بيت مال القدس الشريف خلال اجتماعات الدورة الخامسة عشرة للجنة القدس والتى ترأسها بحكمته المعهودة وبعد نظره الثاقب وذلك من منطلق انشغاله بقضايا الامة الاسلامية التى كانت هاجسا من هواجسه ومن صلب اهتماماته وانشغالاته.
وبذل طيب الله ثراه كل جهده الى جانب اشقائه ملوك وروءساء وأمراء الدول الاسلامية من اجل خدمة قضية القدس الشريف بايمان وإقتناع في اتجاه الاسراع بتحرير هذه المدينة المقدسة والدفاع عن حقوق سكانها وعروبتها وارثها الروحي والحضاري.
وان بيت مال القدس الشريف يجسد في مضمونه الارادة الجماعية للبلدان الاسلامية في الحفاظ على هذا المعلم الديني العظيم ودعم سكان القدس الشريف في صمودهم ضد كل أشكال ومحاولات تشويه وطمس المعالم الدينية والتاريخية والثقافية والعمرانية لهذه المدينة المقدسة.
ومما لا شك فيه ان توفير هذه الوسيلة العملية لتعبئة الامكانات والموارد المادية من اجل المحافظة على هوية المدينة وانقاذ وحماية المجسد الاقصى المبارك وباقي الا ماكن المقدسة الاخرى من شأنه أن يشد أزر سكانه ويقوي الامال في نفوسهم ويزيد من عزيمتهم في الصمود ان يروا اخوانا لهم في الدين متآزرين معهم.
ذلك ان تجاوب المجموعة الاسلامية التي تمثلها الدول الاعضاء في هذا المجلس مع هذه المبادرات النبيلة وباتخاذها خطوات موفقة من اجل احكام البناء التاسيسي والقانوني لوكالة بيت مال القدس الشريف وممارسة صلاحياتها تحت اشراف لجنة الوصاية المنبثقة عن لجنة القدس والتي اجتمعت يوم 10 مارس 1999 ليبعث في نفوسنا الارتياح الكبير ويحفزنا على بذل المزيد من الجهود لتحقيق المقاصد والاهداف التي نتوخاها بعون من الله.وها نحن اليوم ندشن مرحلة جديدة وواعدة في عملها ونشاطها.
اننا لواثقون ان الكل مدرك للدور الحيوي والفاعل الذي ستقوم به وكالة بيت مال القدس الشريف وهذا يتطلب منا جميعا تقوية امكاناتها المادية ودعمها.
وانتهز هذه المناسبة لأوجه نداء للجمعيات والموءسسات الحكومية وغير الحكومية والأفراد القادرين في مختلف أنحاء العالم لتقديم يد العون والمساعدة لهذه الموءسسة الفتية. فواجب التضامن بين المسلمين واجب مقدس وإننا من جهتنا سنقوم برعايتها كامل الرعاية ونوفر لها كل الظروف لتقوم بمهمتها على أحسن وجه وتحقق بذلك الغايات والأهداف التي أنشئت من أجلها.
وسنسهر على متابعة سير أعمالها وندعو المشرفين عليها على استعمال أحدث الأساليب في التسيير والتخطيط والتنفيذ في شفافية واضحة.
لقد كانت المملكة المغربية حريصة دوما أن تعطي محتوى فعليا لالتزاماتها. وإننا لننتهز انعقاد اجتماعكم هذا لنوفي بالتزامنا نحو بيت مال القدس ومساهمتنا المالية في صندوقه.
فخامة الرئيس
حضرات السيدات والسادة
إنكم باجتماعكم في إطار المجلس الإداري الذي لا تخفى أهميته عليكم تتحملون أمانة كبيرة تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين وإزاء إخوان لنا ما أحوجهم لدعمنا وتضامننا قصد تعزيز صمودهم. وسيكون دور هذا الاجتماع حيويا ومهما لتوجيه هذه الموءسسة نحو تحقيق تطلعاتها.
وإذا كانت قضية القدس تكتسي بعدا دينيا لأنها كانت على مر العصور فضاءا مفتوحا لجميع الديانات السماوية فإن لها كذلك بعد سياسي مما استوجب إنشاء لجنة خاصة بها وهي اللجنة التي لملك المغرب شرف رئاستها. وسنبذل قصارى جهودنا من أجل أن توءدي مهمتها بنجاح سيرا على نهج والدنا تغمده الله بواسع رحمته.
وقد اكدت جميع القرارات الصادرة عن لجنة القدس التي كانت آخر دوراتها تلك التي عقدت بالدار البيضاء سنة 1998 على قرارات الشرعية الدولية الصادرة بشان القدس الشريف والتي نصت صراحة على انها ارض محتلة. كما حذرت لجنة القدس ايضا من الاوضاع الخطيرة الناجمة عن استمرار سلطات الاحتلال الاسرائيلي في تهويد هذه المدينة وتنفيذ المخططات والاعمال الرامية الى تغيير طبيعتها الديمغرافية والجغرافية وهي اجراءات لن تخدم السلام في شىء ولن توفر مناخ الامن والاستقرار فى تلك المنطقة لان القضية لن تهم الامة الاسلامية وحدها بل هي قضية العالم الاسلامي والعالم المسيحي على حد سواء. لان التهويد الذي يستهدف الموءسسات والهوية الاسلامية يشمل كذلك الاماكن المسيحية. والقدس كانت على مدى التاريخ فضاء التقاء وتعايش بين الاديان والحضارات والثقافات. ويشهد التاريخ الذي كتب بلغات متعددة ان المسلمين كانوا رمز التسامح والتعايش المرتكز على احترام اهل الكتاب.
وان هذا السلوك من جانب المسلمين ظل سلوكا متميزا عبر العصور لانه نابع من العقيدة الاسلامية التي تعتبر الرسالات السماوية دينا واحدا مصداقا لقوله عز وجل '' كل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله'' صدق الله العظيم.
ووفق هذا النهج القويم ارتقى المسلمون دائما الى أرفع المستويات والدرجات في تحقيق التسامح والاحترام لاهل الديانات السماوية.وجسد المغرب على مر العصور بل ضرب المثل الاعلى لهذا التعايش واعتبر اليهود جزءا من رعايا امير الموءمنين يوءمن لهم ما يوءمنه للمسلمين من سكينة وطمأنينة وعزة وكرامة.
واليوم ان الواجب يدعونا الى دعم الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية التي دخلت في مفاوضات شاقة وعسيرة من اجل الوصول الى حل سلمي عادل يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة والمتمثلة في تحرير ارضه واقامة دولته المستقلة.
وعلينا ان لا نيأس لان الحوار المقرون بالصبر والصمود سيوءدي الى السلام العادل والدائم الذي يلتزم به الجميع ويسترجع الشعب الفلسطيني حقه المشروع في جعل القدس الشريف عاصمة لدولته الوطنية.
وفي ختام خطابي هذا أود ان اتوجه باحر تشكراتي على مشاركتكم في اشغال هذا المجلس موءكدين لكم دعمنا الكامل لما ستتوصلون اليه من نتائج لصيانة وحماية مدينة القدس الشريف حتى تشهد في هذه الالفية عودتها لذويها الشرعيين والمحافظة على رمزيتها الابدية في التسامح والتعايش بين الاديان.
ارجوا الله ان يوفقكم في أعمالكم ويلهمكم السداد ويوفقنا لما فيه خير أمتنا الاسلامية التي جعلها الله خير أمة اخرجت للناس تامر بالمعروف وتنهي عن المنكر.
والسلام عليم ورحمة الله تعالى وبركاته ''.