خطاب جلالة الملك أمام قمة التنمية المستدامة بجوهانسبورغ

جوهانسبورغ يوم 02/09/2002

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
السيد الرئيس
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي
السيد الأمين العام لهيأة الأمم المتحدة
حضرات السيدات والسادة
يسرني أن أشارك من جديد في القمة العالمية حول التنمية المستدامة المنعقدة بجمهورية جنوب افريقيا المناضلة، التي تربطنا بها أواصر الكفاح المشترك في سبيل الحرية والوحدة والتقدم، معتبرا اجتماع هذه القمة تجسيدا للوعي المستمر لدى المجموعة الدولية بمرجعية اعلان " ريو " من أجل تنمية مستدامة محورها الانسان وحماية البيئة التي هي ملك للبشرية جمعاء.
بيد أن محدودية ما تم احرازه من تقدم في تفعيل اعلان " ريو " منذ اعتماد " أجندة 12 " يثير تساوءلات ملحة حول مكامن الخلل التي حالت دون التنفيذ الكامل لهذه الأجندة.
ولأن استشعار المسوءولية يقتضي محاسبة الذات أولا فقد ارتأيت أن أتطرق لما قام به المغرب في هذا المضمار في حدود امكاناته.
فقد عمل بلدي على رفع تحديات الاثار الوخيمة الناجمة عن التقلبات المناخية والجفاف والتصحر معتمدا مخططا وطنيا طموحا وواقعيا قائما على مقاربات ديمقراطية تشاركية وبرامج عمل تستهدف حماية البيئة والتنوع البيولوجي ناهضا بالتزاماته الدولية بشأن التنمية المستدامة محتضنا مجموعة من اللقاءات الجهوية والدولية من أبرزها الموءتمر السابع للأطراف في الاتفاقية»الاطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية الذي حول بروتوكول كيوطو الى اتفاق ملموس وعملي.
بيد أن المغرب ودول الجنوب، مهما كان حسن نواياهم وحجم مساهماتهم، يواجهون تحديات التنمية المستدامة في ظل عدم الوفاء التام بالالتزامات الدولية بشأنها.
فهل كان بالامكان رفع تلك التحديات في ظل ضعف التعاون الدولي وخاصة في مجال التمويل ونقل التكنولوجيات الجديدة بطريقة عقلانية وملائمة للمحافظة على البيئة.
وماذا فعل المجتمع الدولي لمحاربة الفقر المدقع الذي يعانيه ما يزيد عن ربع البشرية ومن أجل توفير الشروط الحيوية لتأمين العيش الكريم للانسان.
ألا تشكل مختلف الهزات والأزمات العنيفة التي عرفها العالم حافزا قويا للاقتناع بمسوءوليتنا المشتركة في تحقيق التنمية المستدامة.
أما بالنسبة لإفريقيا التي تستأثر باهتمامنا فإن هذا التساوءل الملح يتحول الى صرخة قلب وضمير باعتبار أنه يوجد بها أكثر مراكز التوتر والمعضلات الاقتصادية والاجتماعية والأمراض الفتاكة.
إن الدول الإفريقية كغيرها من الدول النامية في حاجة الى عناية المجموعة الدولية باستقرارها وتنميتها وإلى شركاء ملتزمين يساعدونها على الإندماج في النظام الإقتصادي العالمي.
وللحقيقة والإنصاف فإن اللوم لا ينبغي أن يوجه كله الى الآخر إذ على دول الجنوب أن تعمل على الإستغلال الأمثل لما تزخر به من موارد بشرية وطبيعية لصالح التنمية الشاملة بدل هدرها في النزاعات المفتعلة ملتزمة بمقومات التدبير الجيد للشأن العام وبالمزيد من توطيد الديمقراطية لتحرير الطاقات الفردية والجماعية.
إننا مطالبون باعتماد استراتيجية جماعية متكاملة قائمة على شراكة حقيقية وتضامن فعلي وقرب ناجع ووضع ضوابط لتطويق الأخطار الناجمة عن التحولات المناخية وعن الاستغلال المفرط للثروات المائية والغابوية والسمكية والضغوط الممارسة على الأنظمة البيئية والتنوع البيولوجي.
فنهوض المجموعة الدولية بمسوءولياتها كاملة في هذا المجال هو الكفيل بتبديد كل المخاوف وبعث التفاوءل من جديد في انبثاق مواطنة كونية تقوم على التضامن الإنساني الفعال في نطاق شراكة فاعلة بين الدول والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الإقليمية والدولية منوهين في هذا الصدد بمبادرة القارة الإفريقية بوضع خطة " نيباد".
وختاما فإني واثق بأن هذه القمة بما تتميز به من مشاركة دولية وازنة وعلى أرض هذا البلد المناضل وتحت رئاسة الزعيم الإفريقي الحكيم، فخامة الرئيس تابو مبيكي، ستساعد على الدفع قدما بالمسيرة البشرية الصعبة والطويلة على درب تحقيق التنمية المستدامة شاكرا لجمهورية جنوب إفريقيا الشقيقة كريم ضيافتها وسخي جهودها لإنجاح ملتقانا هذا منوها بالعمل الدوءوب الذي مافتئت منظمة الأمم المتحدة تنهض به من أجل عالم يسوده التضامن والتوازن والإنصاف والتعاون لصالح أجيالنا الحاضرة منها والمقبلة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".