جلالة الملك يوجه رسالة سامية الى أسرة الصحافة والاعلام بمناسبة اليوم الوطني للإعلام

الرباط يوم 15/11/2002

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه
حضرات السيدات والسادة..
إن ما نحن بصدده اليوم من احتفاء ليس مجرد احتفال بحرفة أو مهنة وإنما هو تكريم وجب القيام به تنويها بفاعل أساسي في الحياة العامة الوطنية وإشادة بشريك لامحيد عنه في بناء الصرح الديمقراطي لبلادنا.
وقد حرصنا على أن يكون تخليد اليوم الوطني للإعلام مطبوعا بتوجيهنا لهذه الرسالة لما تجسده هذه المناسبة من رمزية وما تمثله من قيم ودلالات تتبوأ الحرية والمسوءولية مكانة الصدارة فيها.
وعندما نقول الحرية، فلأنه لاسبيل لنهوض وتطور صحافة جيدة دون ممارسة لحرية التعبير. كما أن التأكيد على ملازمة المسوءولية للحرية مرده الى اعتبار أنه لايمكن للإعلام أن يكتسب المصداقية الضرورية وأن ينهض بالدور المنوط به ويتبوأ المكانة الجديرة به في حياتنا العامة ما لم تمارس هذه الحرية في نطاق المسوءولية.
لقد أصبحت الكلمة اليوم أكثر من أي وقت مضى بمثابة السلاح الذي يعتد به في المعارك كما غدت أعظم المعارك ضراوة تلك التي تخاض من أجل كسب رهان الرأي العام.
فالحرية والمسوءولية هما عماد مهنتكم ومنبع شرفها. فعليكم رعاكم الله أن تمارسوها بكل إقدام وحكمة وموضوعية متحلين بفضيلتها الأولى المتمثلة في الروية وعمق التبصر.
حضرات السيدات والسادة،
لقد اعتمدت بلادنا التعددية السياسية خيارا لارجعة فيه ومنهجا قارا لبناء مجتمعها الديمقراطي. ويقتضي هذا الخيار إقامة نظام وموءسسات تخضع لقواعد الديمقراطية. كما أنه يرتكز على تأهيل المبادرة الوطنية لتمكينها من أفضل شروط الأداء والممارسة في كافة المجالات وفي سياق يتميز بالمنافسة الشديدة والتسابق المحموم.
ويستوجب هذا الخيار كذلك إقامة دولة الحق حيث يسود القانون روحا ومنطوقا ويصبح الجميع ملزمين به حيثما كانوا ومهما تكن حيثياتهم وفق نفس الشروط.
وذلكم هو الاختيار الذي ءالينا على نفسنا المضي به، بشكل لارجعة فيه، مقدرين حق القدر ما يتطلبه إنجازه من ثمن. وهو ثمن قوامه الالتزام بالتعايش والانسجام، والحفاظ على الوحدة في ظل الاختلاف، واحترام التوازن بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة.
فعلى كل مواطن أن يكتسب مقومات ثقافة الممارسة الديمقراطية التي نعمل جميعا على تشييدها.
وبوصفكم إعلاميين مهنيين فإنكم تتحملون مسوءولية تاريخية لتحقيق هذا المشروع. وهي مسوءولية تتقاسمونها مع الدولة ومع كافة الفاعلين في الحياة العامة.
حضرات السيدات والسادة،
إن صحافتنا بتنوع إصداراتها ما فتئت تقيم الدليل على حيويتها وطاقاتها التجديدية. وهو ما يجب أن نعتز به جميعا. إلا أنه يتعين علينا مقارنة مع غيرنا من الأمم أن نعترف بأن الطريق مازال طويلا أمامنا قبل أن نتمكن من تحقيق انتشار الصحافة على النطاق المطلوب وإيصالها إلى عموم القراء بما يرضي طموحات بلادنا.
بيد أن مشهدنا الإعلامي الوطني لا يمكنه أن يرفع تحديات الألفية الجديدة التي تفرضها عولمة بث البرامج المعروضة عبر وسائل الإعلام والتعميم التدريجي للاستفادة من موءهلات مجتمع المعرفة والاتصال مالم تتم إعادة النظر بصفة جذرية في مناهج عمله وما لم تتوفر له النصوص القانونية والأدوات والموارد اللازمة.
وفي هذا السياق وضعنا قبل أسابيع طابعنا السامي على الظهير الشريف المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. ويعد هذا الإجراء الذي واكبه إلغاء احتكار الدولة لهذا القطاع مدخلا للإصلاحات العميقة لمشهدنا السمعي البصري الوطني.
وعلى الرغم من أن المبادرة تظل في مجال الصحافة المكتوبة من اختصاص القطاع الخاص في مجملها فإن تدخل الدولة من حيث الدعم والمساعدة سيبقى ضروريا.
لذا فإننا ندعو حكومتنا أن تنكب في أقرب الآجال وبتشاور مع المنظمات المهنية للقطاع على دراسة الإجراءات التي من شأنها الارتقاء بصحافتنا إلى مستوى من التقدم والاحترافية يوءهلها للاضطلاع بدورها كاملا في تشييد المجتمع الديمقراطي. وينبغي أن ينصب التفكير بصفة خاصة، على تحيين الإطار التنظيمي المتعلق بمساعدة الدولة للصحافة إضافة إلى تشجيع الاستثمار في هذا القطاع والتحفيز عليه وكذا النظر فيما يمكن أن يساعد على إيجاد صحافة جهوية جيدة.
وإن أملنا لكبير في أن يتمكن مشهدنا الإعلامي الوطني من بلوغ المستوى الخليق ببلادنا من خلال تضافر جهود وموءهلات الجميع وإدراك حقيقي لدور الإعلام ومكانته في تنشيط الحياة الديمقراطية الوطنية.
إننا ندرك أن بلادنا تزخر بطاقات ومواهب هائلة في هذا المجال. ولكي يتعرف الجميع على ما يبذل من مجهودات فردية وجماعية ويتم الاعتراف بها وتكريما لجميع محترفي هذه المهنة النبيلة فقد قررنا أن تمنح كل عام "الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة" بمناسبة الاحتفال السنوي بهذا اليوم وذلك ابتداء من شهر نونبر 2003 ولهذه الغاية نطلب من حكومة جلالتنا أن تعد مشروع نص تنظيمي لهذه الجائزة الكبرى بتشاور مع الجمعيات المهنية الإعلامية ويخصص هذا التكريم لكل واحد من المكونات القطاعية للمشهد الإعلامي الوطني على أن يتم منحه من لدن لجنة تحكيمية مكونة من مهنيين يتولون تقييم أعمال زملائهم.
وإننا لنعرب بذلك عن تقديرنا البالغ للعاملين في كل وسائل الاتصال جاعلين من اقتران تخليد اليوم الوطني للإعلام بذكرى رحيل جدنا المنعم جلالة الملك محمد الخامس أكرم الله مثواه مناسبة لاستلهام نهجه التحرري الرائد، المتمثل في مدونة الحريات العامة لسنة 1958 بما فيها قانون الصحافة ‏التي عملنا على تجديدها مستشعرين بكامل الإجلال جهود والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه لتكريس حرية الإعلام موءكدين إرادتنا الوطيدة لترسيخها وصون تعددية الإعلام وعصرنته باعتباره إحدى ركائز بناء مشروعنا لمجتمعي الديمقراطي الحداثي.
والسلام عليكم ورحمةالله تعالى وبركاته".
وحرر بالقصر الملكي بالرباط يوم الجمعة عاشر رمضان 1423 الموافق ل 15 نونبر 2002
محمد السادس  ملك المغرب "