جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى المشاركين في ندوة أصيلة حول "التعاون العربي الإفريقي-الإيبيرو-لاتينو-أمريكي: الحكومات والمجتمع المدني" المنظمة من طرف مؤسسة منتدى أصيلة في إطار الدورة ال`24 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية ضمن فعاليات الموسم الثقافي الدولي

أصيلة يوم 01/08/2009

(تلاها وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد الطيب الفاسي الفهري)
 "الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا في البداية، أن نرحب بالشخصيات الوازنة، من رجالات السياسة والاقتصاد والفكر والإعلام، وبفعاليات المجتمع المدني، الذين شرفوا المغرب، ومدينة أصيلة خاصة، بحضورهم موسمها الثقافي الدولي الحادي والثلاثين، وبمشاركتهم في هذه الندوة الهامة، التي تستهل بها جامعة المعتمد بن عباد الصيفية دورتها الرابعة والعشرين.
ونود بهذه المناسبة، أن نعرب عن تقديرنا للجهود الخيرة، التي ما فتئت تبذلها مؤسسة منتدى أصيلة، برئاسة محب جنابنا الشريف، وخديمنا الأرضى الأستاذ محمد بن عيسى، مما جعل من مواسم أصيلة الثقافية فضاء للحوار البناء والنقاش الحر، حول القضايا الجوهرية، التي تفرض نفسها بحدة على الأجندة الدولية، فاسحة المجال لبروز شراكات فاعلة، متعددة الأبعاد، بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني.
وفي هذا السياق، نشيد باختياركم ل`"التعاون العربي الإفريقي-الإيبيرو-لاتينو-أمريكي .. الحكومات والمجتمع المدني" موضوعا لهذه الندوة، ذلك أن التعاون الإقليمي جنوب-جنوب يعد من صميم التوجهات الدولية الراهنة، التي يجري بشأنها نقاش واسع، لم يعد منحصرا في الدوائر الأكاديمية، بل أصبح منفتحا على مكونات المجتمع المدني، كقوة مؤثرة في العلاقات الدولية، وذلك بعمله على تعزيز سبل التواصل والتقارب بين الأمم والشعوب، وانخراطه الفاعل في أوراش التنمية.
حضرات السيدات والسادة،
لقد شهدت السنوات الأخيرة دينامية متجددة، مطبوعة بانبثاق صيغ وأشكال متطورة من الشراكات الجهوية والدولية، وذلك انطلاقا من الوعي بضرورة تفعيل التعاون داخل المجموعات القارية.
وفي هذا الصدد، وتمشيا مع اختياراتنا الاستراتيجية، أولينا أهمية خاصة للتعاون جنوب-جنوب، بالتركيز، في المقام الأول، على عمقنا الإفريقي ومحيطنا العربي، وفضائنا الأمريكي اللاتيني.
وذلك إيمانا منا بأن التعاون بين دول الجنوب، لم تعد تمليه الضرورة ووحدة المصير والتحديات فحسب، وإنما لكونه يعد الإطار الأمثل لوضع استراتيجيات متناسقة ومتكاملة، لإقامة قواعد جديدة للعلاقات بين الشمال والجنوب، تأخذ بالاعتبار المستجدات والتحولات العالمية المتسارعة، بما تحمله من تداعيات وانعكاسات.
واقتناعا منا بأن الإنسان يجب أن يكون في صلب التنمية، حرصنا على الإسهام في مشاريع التنمية البشرية لأشقائنا الأفارقة، عبر برامج ملموسة ومنتجة، وشراكات في قطاعات متنوعة، تفسح المجال لتبادل أوثق للتجارب والكفاءات.
كما نولي نفس الاهتمام لتوطيد علاقاتنا مع دول أمريكا الجنوبية، عاملين على استكشاف آفاق أوسع للتعاون الثقافي والاقتصادي، وتنمية المبادلات التجارية، سواء على المستوى الثنائي، أو متعددة الأطراف.
وفي هذا الصدد، نعرب عن ارتياحنا لإطلاق شراكة طموحة بين منطقتنا العربية ودول أمريكا الجنوبية، كان للمغرب الدور الرائد في وضع إطارها المؤسسي، وذلك انطلاقا من موقعه كبوابة للعالم العربي، بهذه القارة، التي نتقاسم وإياها موروثا ثقافيا وحضاريا، وتحديات تنموية وأمنية راهنة.
ومن هنا، فإن أشغال ندوتكم تشكل فرصة سانحة لمواصلة التفكير في القيمة الاستراتيجية لهذه الشراكة، وفي امتداداتها على مستوى الفضاء الأطلسي، في إفريقيا الغربية وأمريكا الجنوبية وأوروبا، مستحضرين المخاطر المحدقة بدولنا، وكذا الرهانات الجسيمة التي تفرض علينا التضامن والعمل الجماعي، لصيانة استقرار دولنا، والحفاظ على وحدتها وسلامتها من نزوعات البلقنة، والعمل المشترك لضمان مستقبل أفضل لأجيالنا.
حضرات السيدات والسادة،
إنا ندرك طبيعة وحقيقة بعض الخلافات الظرفية أو المفتعلة، التي قد تحول أو تؤثر أحيانا على وتيرة سير التعاون المنشود بين دولنا. وفي سياق العولمة والثورة الرقمية، وما أفرزتاه من منظومة قيم جديدة، ومتطلبات تنموية، لم يعد في مستطاع الحكومات النهوض وحدها، بأعبائها، فإننا نراهن على مد جسور الحوار الفكري، والانفتاح المعرفي، وعلى انخراط فعاليات المجتمع المدني في هذا التوجه، بكل استقلالية والتزام، لزرع بذور الثقة المتبادلة باعتبارها عماد أي شراكة مثمرة وقابلة للاستمرار.
ومن ثم فإن الحكومات مدعوة لتمكين النسيج الجمعوي من الدعم المادي والمعنوي الضروري، وتوفير الإطار القانوني الملائم، لضمان استقلاليته، ليساهم بكل وعي ومسؤولية في ترسيخ قيم المواطنة الملتزمة، وفي تطوير الممارسة الحديثة للديمقراطية، وفي النهوض بالتنمية الشاملة.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
إن اعتزازنا بالرصيد المشرف لتظاهرات أصيلة، وما كرسته من ترسيخ صورة مغرب يخوض مسارا ديمقراطيا وتنمويا رائدا، في جو من الحرية والمسؤولية والانفتاح الحضاري على الآخر، لا يعادله إلا حرصنا على أن يواصل هذا المنتدى النهوض بدوره الريادي في إرساء حوار فكري وسياسي خلاق ومستنير، حول قضايا وانشغالات العصر.
وإننا لواثقون أن ما ستعرفه هذه الندوة من تبادل للأفكار النيرة، المعبرة عن مشارب فكرية متعددة، سيرسخ نهج الحوار الموضوعي الذي ندعو إليه، حوار متحرر من الأحكام الجاهزة والتصنيفات النمطية، مؤسس على القيم الكونية المثلى، لبناء الديمقراطية على أسس التنمية المستدامة والحكامة القويمة.
 وفقكم الله وكلل أعمالكم بالنجاح، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".