جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى المشاركين في الندوة الدولية حول موضوع " صورة العالم الإسلامي في الإعلام الغربي بين الإنصاف والإجحاف"

الرباط يوم 09/01/2002

  "الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
   معالي المدير العام،
   حضرات الاساتذة الكرام،
   أيها السادة والسيدات،
    يطيب لنا أن نتوجه إليكم في افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية حول موضوع.. "صورة العالم الإسلامي في الاعلام الغربي بين الانصاف والاجحاف". منوهين بادئ ذي بدء، بمبادرة المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو". في اختيار هذا الموضوع وطرحه للتدارس في الوقت الراهن.
   فتنظيم هذه الندوة يزامن التداعيات التي أفرزتها الأحداث العدوانية الموءلمة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في شهر شتنبر الأخير، والتي استغلها بصفة خاصة خصوم العالم الاسلامي لتشويه صورته في بعض  وسائل الإعلام، بل ومنهم من اتهم الإسلام نفسه بما هو منه براء، وبما يتعارض  أساسا مع عقيدته وقيمه السمحة، بالرغم مما أبان عنه عالمنا الإسلامي من تضامن مع الأسرة الدولية، ومكافحة للإرهاب وإسهام فعال في ترسيخ السلام وتعزيز الأمن والتعايش  في ظل الشرعية الدولية.
   ويكتسي الأمر خطورته البالغة في الدور الذي يقوم به الاعلام في توجيه الرأي العام العالمي، إذ أصبح هذا الإعلام بكل وسائله ووسائطه، ليس فقط مصدرا للمعرفة ومرجعا لاتخاذ القرارات، وءالية لا غنى عنها في تسويق المنتجات الفكرية والمادية، وإنما صار علاوة على ذلك، ميدانا للتنافس  الدولي لكسب المواقع. ومن ثم كان له تأثيره الذي لا يضاهى في كل القطاعات التي يوظف فيها، سواء تعلق الأمر بالتربية والتكوين أو بالتنمية البشرية أو بتحقيق التعاون، أو في مجال العلاقات الدولية. لكن بقدر ما تعاظم هذا التأثير الاعلامي فقد تجلى من ناحية أخرى الخطر في إمكان توظيفه في مجال الغزو الثقافي، والتشويه للحقائق والمتاجرة بالقيم الأخلاقية.
   وهذا ما نلاحظه مع الأسف في بعض  وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، من تشويه متعمد لصورة الإسلام. وهو ما يستوجب الإدانة والرفض.لأنه فضلا عن كونها لاتعتمد أي دليل ولا تستوعب مرامي الإرادة الدولية في إشاعة الوفاق ولا ما يتوخاه حكماء العالم وقادته في سبيل نشر السلام والتعايش  بين الأمم، فإنها تعمل على تضليل مجتمعاتها.
   وقد أكدت مختلف التحليلات لهذه الظاهرة الإعلامية أن رواج مقولاتها يستغل الجهل بحقائق الإسلام، حينما تدعى أنه يعتبر خطرا على الحضارة الغربية وعلى قيمها، بينما نعلم أن الاسلام قد تمازج مع كل الحضارات السابقة وكانت دعوته قائمة على الحوار والجدال بالتي هي أحسن.
   وقد ازدادت المقولات المعادية للإسلام رواجا في بعض  أجهزة الإعلام الغربي بعد الأحداث العدوانية الجسيمة، التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة، والتي بادرنا إلى إدانتها بكل قوة، مثلما أدانها كل قادة العالم الإسلامي، وأعلنا عن تأييدنا لشن معركة لا هوادة فيها على كل أصناف الإرهاب التي تزعزع السلام العالمي والأمن لكل الأمم والشعوب. وأن الإرهاب لا يوجد له أي مبرر لا في عقيدة الاسلام وشريعته، ولا في قيمه السمحة، القائمة على حسن التعايش  وبذل السلام للعالم، ولا في تقاليد المسلمين وأخلاقهم، القائمة على الإحسان والتعاون على البر والتقوى.
   إلا أنه ينبغي التأكيد في هذا السياق بأن شخصيات غربية مسوءولة ومرموقة ووازنة، ظلت غير متأثرة بهذا الإعلام المغرض، بل قامت بنقده معبرة عن موقفها المنصف للإسلام وحضارته، من خلال ما أصدرته من كتابات موضوعية أو تصريحات إعلامية في هذا المجال.
   وتدعيما لهذه المواقف المنصفة للإسلام والمسلمين يتعين على الإعلام الاسلامي أن يقوم بدوره الفاعل في تصحيح صورة الإسلام، ويسلط المزيد من الأضواء على حقائقه وحضارته وقيمه الأخلاقية. وإذا كان مما يبعث على الارتياح أن يكون هذا الإعلام قد تطور اليوم تطورا كبيرا عما كان عليه من قبل، بفضل ما يمتلكه من أجهزة وقنوات للتواصل، واستثمار واسع للتكنولوجيا، بما في ذلك أخذه للمئات من المواقع على شبكة الانترنيت. إلا أن نجاح الإعلام الاسلامي في هذا المجال رهين بقدرته على التواصل مع عقلية الفكر الغربي، وإتقان لغاته والتمكن من مخاطبته بنفس  التقنية والمهارة. كما أن نجاح هذا الإعلام رهين بالتنسيق المستمر بين القائمين به ليكون الخطاب الصادر عن مختلف الأجهزة والقنوات والوسائط خطابا واحدا في مرجعياته وأهدافه. ولا يتحقق ذلك على الوجه الأمثل إلا بوضع استراتيجية إعلامية كفيلة بتحقيق الأهداف المتوخاة منها.
حضرات السيدات والسادة
   إن نجاح الإعلام الاسلامي في تصحيح صورة الإسلام لدى بعض  أوساط الرأي العام الغربي يتطلب معرفة من نخاطبه معرفة عميقة. فالمجتمع الغربي بحكم ثقافته الحديثة لا يتأثر إلا بالخطاب العقلاني والواقعي، ويلعب فيه المجتمع المدني بحكم قيامه على النظم الديمقراطية دوره كاملا في توجيه الرأي العام، وتهيئة المناخ المساعد على إصدار القرارات الحكومية والدولية. ولذلك فمخاطبته بالوسائل الإعلامية وبالمنهج الذي يلائمه يعتبر المنفذ الوحيد للتأثير فيه.
   كما يتعين علينا أن ندرك أن العمل على تغيير هذه الصورة السلبية عن المسلمين، يجب أن يوازيه إعلاميا عمل المسلمين الدائب على تنمية طاقاتهم وتعاونهم وتضامنهم وتجسيدهم للقيم المثلى التي جاء بها الإسلام وصدق الله العظيم.. "إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
   من هنا تبرز أمامنا الاهمية البالغة لهذه الندوة، في مختلف محاورها الرئيسية، ولاسيما ما يتعلق بوضع استراتيجية إعلامية ممنهجة، ومضبوطة الوسائل والإمكانات، منسقة الخطاب، لمواجهة الحملات الإعلامية، التي تستهدف الاسلام; معتبرين أن نجاح هذه الاستراتيجية رهين بمدى تأهيل إعلامنا وارتقائه الى مستوى الإعلام الفاعل الموءثر المدعم بالهياكل التكنولوجية والتمويلية والموءسساتية والمعرفية الضرورية.
   فلا مناص  إذن من تعبئة أنفسنا وأجيالنا لاستيعاب التحولات الاعلامية، بدمج الإعلام بكل تقنياته في برامج التنمية البشرية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التنمية الشاملة، التي نخوضها، من أجل جعل شعوبنا قادرة على الاندماج في الألفية الثالثة، موفورة الكرامة، محافظة على هويتها الاسلامية.
   ولنا اليقين في أن ندوتكم هذه ستتيح لكم المزيد من الحوار المثمر، في كل هذه المجالات. لأنها تمثل وقفة تأمل عميق للواقع، واستشراف بعيد النظر إلى المستقبل، في إطار الاهتمام الذي نوليه جميعا لتقدم عالمنا الإسلامي، ليضطلع بدوره الفاعل في إثراء الحضارة الانسانية وفرض  احترام ثقافته وهويته بالنسبة للغير.
   وإذ نرحب بكم حضرات الأساتذة المشاركين في هذه الندوة، منوهين بجهودكم في إغنائها، وبجهود السيد مدير منظمة الإيسيسكو في المبادرة إلى تنظيم الملتقيات المثمرة، والمنسقة للفعاليات الإسلامية ندعو الله العلي القدير أن يوفقنا جميعا إلى تحقيق تطلعات أمتنا الإسلامية، ويلهمنا سبل الرشاد في القول والعمل.
   والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".