"الحمد لله وحده،
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
أيتها السيدات، أيها السادة،
إنه لمن دواعي سعادتنا، أن نخاطبكم في افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية للتاريخ العسكري، مرحبين بكافة المشاركين مدنيين وعسكريين، من منطلق اعتزازنا قائدا أعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية بهذه المؤسسة، ومن مبدأ ما نوليه من تقدير خاص للجنة الدولية للتاريخ العسكري بجميع مكوناتها من اللجان الوطنية الأخرى، وذلك لما تتقاسمه ولجنتنا العسكرية المغربية، من أمانة التعريف بالتراث العسكري مكتوبا ومنقولا، وحفظه وتنشيط البحث العلمي في هذا الميدان، وإقامة جسور التعاون المعرفي، وتعزيز التبادل والتواصل بين الدول.
وتقديرا لهذه الأدوار النبيلة، وعناية بالعلم والعلماء، واهتماما بجميع الحقول المعرفية، أبينا إلا وأن نخص جمعكم المبارك بسامي رعايتنا الملكية، كما عزمنا على أن تفتتح أشغال مؤتمركم بأكاديميتنا تكريما وإشادة منا بمؤسسة اللجنة الدولية للتاريخ العسكري التي ساهمت بشكل رائد وجدي وفعال، على مدى نصف قرن ونيفين، في العمل على توضيح ودراسة بعض القضايا المتعلقة بالتاريخ العسكري، معتبرة ميدانه مجالا مشتركا لا يخضع لمقاييس التجزئة والانفصال، نابذة الحدود المعرفية مؤمنة بمفهوم الحضارة في أبعاده العلمية الإنسانية".
"وما اجتماعكم اليوم حول موضوع يجمع في شقيه بين الاقتصاد والدفاع، سوى استيعاب للعلاقة الرابطة بين المصطلحين، وإدراك يستمد مرتكزاته من هذا المفهوم. كما جاء اختيارنا لهذا الموضوع منسجما مع روح الظرفية الراهنة، وفيا لملابساتها مستشعرا للتحولات التي يعرفها العالم اليوم والتي ترسخ مفاهيم عولمة الإنتاج والتبادل والتمويل، متجاوزة الحدود المرسومة للاقتصاديات الوطنية، موحدة للمرجعيات في مناهج التدبير، فارضة الانفتاح والتبادل مع تحديد عوالم تنافسية جديدة تجعل من الاقتصاد والدفاع يخضعان لمقاييسها.
أيتها السيدات، أيها السادة،
إن اختيار مملكتنا لاحتضان أشغال ندوتكم وتنظيم مؤتمركم لأول مرة على أرض عربية وإفريقية، لشهادة ثابتة على اقتناعنا جميعا بضرورة تدعيم التعاون الدولي في مجالات الفكر لتحقيق مزيد من الانسجام بكل ما تتضمنه حمولاته من دلالات عميقة تحديا للإكراهات الناجمة عن هذه التحولات التي تطبع بداية القرن الواحد والعشرين.
إن التفافكم اليوم حول موضوع يعتني بجانبين أساسيين، الجانب العسكري والجانب الاقتصادي ليؤكد مرة أخرى أن المؤسسة العسكرية تتفاعل على الدوام في تناسق تام مع المجتمع المدني الذي تستمد منه مكوناتها البشرية والثقافية مثلما تخدمه على المستوى الحربي، وتساهم في تطوير اقتصاده وعمرانه وتراثه العسكري.
ولذلك، نأبى إلا وأن نثمن أعمالكم ونبارك مبادرتكم احتراما لسنننا، ووفاء لتقاليدنا الموروثة التي تدعو إلى الإخاء والتسامح والتساكن، لضمان سبل التعايش كشروط أساسية لكل عطاء واقتباس وتبادل وتواصل. كما نأمل أن يكون هذا الملتقى العلمي بشارة خير ورسالة أخلاقية، ونداء لتعاون أوسع تحدد فيه المجالات الثقافية المشتركة، ويساهم فيه كل واحد في إغناء الموروث التراثي للآخر.
نتمنى لضيوف مملكتنا مقاما طيبا بين ظهرانينا ولقاء مفيدا، وأن تكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".