جلالة الملك يوجه رسالة إلى المشاركين في القمة الإفريقية الثانية للشباب الرائد

إفــران يوم 18/08/2005

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه.
إن المملكة المغربية ليسعدها أن تحتضن أشغال القمة الإفريقية الثانية التي تندرج ضمن أهداف الألفية للتنمية المحددة من قبل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
ويأتي انعقاد هذه القمة كحلقة ضمن سلسلة من الأعمال التحضيرية التي ستفضي في نهاية المطاف إلى القمة العالمية الأولى للشباب الرائد المزمع عقدها خلال 2006 استجابة للنداء الذي وجهه في هذا الشأن الأمين العام السيد كوفي عنان.
وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بصفة خاصة بخالص عبارات التهنئة إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد كوفي عنان تقديرا لما يبذله، على الصعيد العالمي، من جهود حثيثة لمد جسور الحوار بين الأجيال، علما بكونه يعد من القنوات الواعدة التي تحفز الشباب الوثاب والمتحمس على العمل من أجل إقرار التفاهم والتعاون بين الشعوب.
كما ستشكل هذه القمة، بالنسبة لنا، فرصة مواتية لتعزيز الأسس التي تقوم عليها استراتيجية التعاون بين دول الجنوب، من خلال نهج أنسب الطرق للقيام بأعمال ملموسة تساعد على تنشيط حركة المبادلات وإقامة اندماج اقتصادي على أسس سليمة، فضلا عن بث روح التضامن الفاعل، والإسهام في استثباب الأمن والاستقرار في قارتنا.
وعلاوة على ذلك، فالقمة تعتبر مناسبة للتأكيد على تشبث المغرب بجذوره الإفريقية والتزامه الثابت بالعمل، في إطار من التضامن على تحقيق النماء لفائدة القارة الإفريقية، كما أنها فرصة للإعراب مجددا عن اقتناعه الراسخ بجدوى التعاون الفاعل بين دول الجنوب- جنوب وبناء شراكة حقيقية وملموسة في مجال تكوين الشباب وتطوير البنى التحتية والنظم المالية والصحة والبيئة والتهيئة، مع التركيز على الأنشطة الرامية إلى مكافحة التصحر، واجتثاث آفة الجراد المزمنة.
وإن المملكة المغربية، وفاء منها بالتزاماتها، لم تفتئ تدافع في المحافل الإقليمية والدولية عن القضايا التنموية الإفريقية.
وفي هذا الصدد، يظل المغرب منفتحا على شركائه الأفارقة لتبادل التجارب، في إطار من التضامن الفاعل والأخوة الصادقة، ولإفساح المجال أمامهم للاستفادة من النتائج التي أسفرت عنها الجهود التي يبذلها لتحقيق تنمية مستدامة ومنسجمة عن طريق إشراك كافة القوى الحية للأمة في تجسيد مختلف الإصلاحات الجارية.
وبهذا الخصوص، فإن المغرب يشهد اليوم تفعيل استراتيجية شاملة وواسعة النطاق، تتمحور حول التحكم في آفة الفقر ومحاربة ظاهرة الإقصاء وتقليص أشكال الخصاص الاجتماعي، واستئصال الأنواع الأكثر حدة، والعمل على إيجاد حلول مناسبة لمشاكل بطالة الشباب.
وقد قامت المملكة المغربية، وحرصا منها على تعزيز أركان الدولة الديمقراطية الحداثية والمتضامنة، بإنجاز إصلاحات هيكلية لضمان التدبير الجيد للقطاعين العام والخاص ولنظامها التعليمي، هادفة من وراء ذلك إلى تحسين مردودية هذا النظام وإعداد الناشئة لمواكبة المستقبل بتمكينها من امتلاك ناصية التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال، بما يكفل لها ولوج مجتمع المعرفة، بجدارة واستحقاق، في سياق دولي يشهد تصاعدا مطردا لوتيرة العولمة.
وفي إطار هذه التعبئة الشاملة التي يقتضيها مجهود التوعية، يعد إدماج النسيج الجمعوي بصفة عامة والجمعيات الشبابية على وجه الخصوص، أحد المحاور الحيوية التي ينبغي الارتكاز عليها لبلوغ أهداف الألفية من أجل التنمية، علما أننا قد أعربنا في شتنبر 2000 في نيويورك عن تأييدنا الكامل لهذه الأهداف، مؤكدين استمرار المغرب في تقديم الدعم اللازم لها.
كما أننا أدرجنا ضمن أهدافنا الملحة إعمال الآليات المنمطة، التي تم وضعها لدعم الإجراءات الكفيلة بإقرار مبدأ المساواة بين الرجال والنساء. وقد اتخذنا في هذا الصدد تدابير ملموسة، ترمي اعتماد الوسائل القانونية المتوفرة لتوطيد دعائم مجتمع تشكل فيه الأسرة حجر الزاوية لبناء تماسكه الاجتماعي.
كما تحظى الجهود المبذولة في مجال الصحة بالعناية اللازمة التي تجلت في اعتماد سياسة ذات بعد وقائي وعلاجي، تهدف إلى تعميم التغطية الصحية لفائدة كل المغاربة ومحاربة الأوبئة، لا سيما الأمراض المعدية كداء السل وفقدان المناعة.
لذا، فإنني أود أن أعرب مجددا عن التزام المغرب وعن تضامنه مع باقي الدول الإفريقية التي يشاطرها كل انشغالاتها، فضلا عن تجديد دعوته إلى توسيع نطاق التعاون القائم مع الدول الشقيقة والصديقة في مختلف المجالات الممكنة.
كما أسجل بكل ابتهاج أن ما عبر عنه المغرب في شتنبر 2000 من رغبة في أن تضع الأمم المتحدة آلية دائمة ورفيعة المستوى، قد تحقق فعلا من خلال انعقاد هذه القمة التي تعنى بتفعيل دور الشباب في مسلسل التنمية المستدامة في إفريقيا.
ويبقى من واجبنا جميعا أن نستحضر تعهد قادة دول العالم بالانخراط في الألفية الجديدة بتفعيل مجموعة من الأهداف الكفيلة بتجسيد المعالم التي ننشدها للإنسانية في أفق 2015.
وإنني إذ أحرص على إذكاء جذوة هذا الطموح الذي يحدونا جميعا لما فيه مصلحة وخير الأجيال الصاعدة، لا يفوتني أن أعبر عن أملي في أن تصبح هذه الرؤية الإنسانية الجديدة واقعا ملموسا لا رجعة فيه كما ورد في الخطاب الذي ألقيته خلال قمة الألفية في شتنبر 2000 بنيويورك واقعا يقوم قبل كل شيء على مفهوم الأمن الإنساني الشامل الذي يقتضي العمل على أن لا يكون هناك في أي مكان من العالم طفل يلقى حتفه ولا وباء يستفحل ولا توتر عرقي يندلع، ولا امرأة تعاني من أي شكل من أشكال التمييز، أو تتعرض للإهانة والحط من كرامتها، ولا حق في التعبير ينتهك ولا مهاجر يعاني من الإقصاء، ولا إنسان يحرم من التعليم، ولا نشوب نزاع بسبب مياه عابرة للحدود، ولا إجراء عقابي يتخذ حيفا في حق مواطنين أبرياء.