جلالة الملك يوجه خطابا إلى المؤتمر الدولي حول الديمقراطية والإرهاب والأمن

دكار يوم 10/03/2005

"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة،
في الحادي عشر من مارس 2004، وفي مذبحة فظيعة، امتدت الهمجية الآثمة العمياء، لتفجع مدريد، وتروع إسبانيا وتحزنها، وتصيب العالم بالذهول.
وبعد مرور سنة على هذا الاعتداء الإرهابي، فإننا مازلنا نتألم، مستحضرين بكل إجلال وإكبار، ضحاياه الأبرياء، مشاطرين العائلات المكلومة أحزانها، ومتقاسمين مع الشعب الإسباني الصديق برمته مشاعر السخط والاستنكار، ومنوهين بما أبداه من حس حضاري عميق، لتجاوز التداعيات المأساوية لهذه المحنة .
كما نعبر مع المومنين كافة، عن إدانتنا لاتهام الدين بمثل هذا الجرم البشع، معربين عن رفضنا لما ينسب للإسلام ويشوه حقيقته ويسيئ إليه، ويقدمه كإحدى قوى الشر التي هو منها براء.
وعندما يثير المغرب قضية الإرهاب، فإنه يدرك بمرارة، حق الإدراك، ماهيته وغايته. فالاعتداءات الآثمة لسادس عشر ماي 2003 بالدار البيضاء، وقد أدمت قلوبنا بما خلفته من ضحايا مغاربة وأجانب، إنما كانت تستهدف المس بهويتنا الحضارية، ومشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي.
واعتبارا منا بأن الإرهاب،حيثما كان، يحرض على التعصب والتطرف، والعنف والعدوان والاستبداد، فإن هذه الاعتداءات لم تزدنا إلا إصرارا على مواصلة المسير، بحزم وعزم ، لترسيخ الانتقال الديمقراطي، من خلال استراتيجية شمولية متكاملة ومتعددة الأبعاد .
وفي هذا الصدد، اعتمدت بلادنا مجموعة من الآليات القانونية، لصون وترسيخ ما تحقق من مكاسب ديمقراطية، ولمحاربة ظاهرة الإرهاب في إطار من الاحترام التام لمنظومة حقوق الانسان، وفي نطاق ما تتيحه الديمقراطية ودولة القانون من وسائل وإمكانيات.
وإننا إذ نواصل، بلا كلل ، عملنا الهادف إلى تعزيز مسلسل دمقرطة المجتمع، وتحديث وتحرير الاقتصاد ، وتحقيق التنمية المستدامة، وتوسيع مجال الحريات، والمبادرة والانفتاح الثقافي، وتقوية دور المجتمع المدني، لنتوخى من كل ذلك جعل بلادنا في مأمن من خطر الانغلاق والتزمت.
وقد قمنا في هذا السياق بإصلاح الحقل الديني، لتحصين العقيدة ضد الانحرافات والتيارات الهدامة، ووقاية مجتمعنا من المخاطر الناجمة عن استغلال الاسلام، لتحقيق أغراض دنيئة، بعيدة عن قيمه السمحة، التي هي إحدى الروافد الأساسية للمثل الإنسانية السامية.
وبموازاة مع مضاعفة الجهود، في مجالي التربية والتعليم، للقضاء على الأمية والجهل، والفكر الظلامي، فإننا ما فتئنا نعبئ كل الطاقات لمحاربة الفقر والإقصاء، لدرء الآثار المدمرة، التي تنجم عن الشعور بالإحباط والتهميش والظلم.
"أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي،
حضرات السيدات والسادة،
بالنظر إلى أن الإرهاب ظاهرة دولية بل وحرب عالمية جديدة، فإننا نعتبر أن مواجهتها رهينة بالتعاون الوثيق للمجتمع الدولي، وفق مقاربة تعتمد الأمن الشامل، بأبعاده الإستراتيجية والإقتصادية والتنموية والإنسانية.
وفي هذا الصدد، نود التنويه بالمستوى النموذجي للتعاون الفعال والشامل، والتنسيق المحكم، بين المغرب وجارته إسبانيا، وكافة شركائه، لمحاربة الإرهاب والحرص على أن يظل حوض المتوسط فضاء للأمن والسلام والتقدم، ومهدا لتفاعل الحضارات، بل وتحالفها. وفي هذا السياق، فإننا نؤكد دعمنا لمبادرة رئيس الحكومة الإسبانية، معالي السيد خوصي لويس رودريغث ثباتيرو، ولكل الإقتراحات الصادرة في هذا الشأن، عن دول شقيقة وصديقة، خاصة منها إنشاء هيئة متخصصة للوقاية من الإرهاب ومكافحته، وإحداث صندوق لتعويض ضحايا هذه الآفة، وذلك بموازاة مع قيام منظمة الأمم المتحدة بدور فعال في هذا الشأن.
وإذ نجدد الإعراب عن وفاء المملكة المغربية الدائم بالتزاماتها، الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف، وانخراطها الفاعل في الجهود الدولية، الرامية لمحاربة الإرهاب، واستباق مخاطره وتطويقها، فإننا نهيب بالقوى المحبة للسلام، أن تولي العناية الكاملة لإيجاد حلول سلمية ومنصفة، لمختلف بؤر التوتر في العالم، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، لما لها من تأثير على تغذية الإرهاب.
وختاما، فإننا نشيد بانعقاد هذه القمة الدولية حول الديمقراطية والإرهاب والأمن، على أرض المملكة الإسبانية الصديقة، بمبادرة طيبة من منتدى مدريد، ودعم مشكور من الحكومة الإسبانية. كما أننا واثقون أنه، بفضل ما يضمه هذا المنتدى المرموق من شخصيات سياسية فذة ، وخبراء عالميين محنكين، سيشكل قوة اقتراحية فعالية، لتعبئة المجتمع الدولي، لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه، وتحقيق انتصار القيم الإنسانية الخالدة، للإخاء والمساواة والتسامح والحرية، والعدل والتضامن والسلام. وذلكم خير عزاء وتكريم ووفاء لأرواح ضحايا الإرهاب، الذي لا دين له ولا وطن .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".