الرسالة الملكية الموجة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الثاني للحواضر والحكومات المحلية بمراكش

مراكش يوم 31/10/2006

(تلى الرسالة الملكية الوزير الأول السيد إدريس جطو)

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي الترحيب بأعضاء المجلس العالمي "للحواضر والحكومات المحلية المتحدة" الذين يمثلون مناطق العالم السبع، معربا لهم عن بالغ تقديري للدور الرائد الذي يضطلعون به لتطوير بلدانهم، ومنوها بإختيارهم مدينة مراكش، هذه الحاضرة العربية الإفريقية ذات التاريخ العريق والغد المشرق، لإحتضان أشغال الهيئة المسيرة الرئيسية لمنظمة "الحواضر والحكومات المحلية المتحدة" ولجانها وفرق عملها، لاسيما وأن هذه التظاهرة الهامة تمثل أهم إجتماع مسطر في لوائح المنظمة ينعقد منذ تأسيسها سنة 2004.
إن أهمية مجلسكم لا تكمن في قيمة وعدد المشاركين فيه فحسب، بل تتجلى أيضا في ما يتحلى به أعضاؤه من إلتزام بقضايا التعاون والتنمية والتضامن، وكذا في ما يقومون به من أجل تعزيز الديمقراطية واللامركزية والحكامة الجيدة بإعتبارها قيما أساسية تمثل جوهر الميثاق العالمي للحكم الذاتي المحلي وكذا باعتبار تبني هذه القيم من الشروط الأساسية لتحقيق سلام دائم وتنمية قارة ومستديمة.
ويأخذ الدور المنوط بالدولة، التي تعد الضامن للمصلحة العامة، بعدا آخر بفعل عولمة الإقتصاد التي تؤدي أيضا إلى بروز مؤسسات جديدة وذات فعالية على الصعيد الترابي، تساهم في مسلسل التنمية . وتأتي المدينة في مقدمتها نظرا للدور الذي تضطلع به كمحرك للنمو وموئل للحضارة وكذا بفضل إسهامها الفاعل في تحريك القطاع الخاص ومكونات المجتمع المدني ، مما يجعلها قادرة على توفير الظروف المواتية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية المنشودة في إطار من اللامركزية المبنية على مبدإ التشارك .
كما تشكل الجماعات المحلية إلى جانب الدولة قوة اقتراحية وإطارا للتميز من أجل تفعيل مختلف الاستراتيجيات الإقليمية متعددة الأطراف التي تشمل مجالات التنمية السوسيو-اقتصادية والأمن ، وتسعى إلى تعزيز القيم الكونية والوطنية الموحدة للطاقات والرامية إلى بناء عالم أكثر تضامنا وأكثر قدرة على رفع التحديات العديدة التي يطرحها القرن الواحد والعشرون .
ومن هذا المنطلق يعد هذا الحدث الدولي الذي يلتئم في بلادنا فرصة سانحة لتقديم الأجوبة الشافية على التساؤلات التي تشغل بال الحكومات والمنتخبين ومختلف الفاعلين في القطاعين العام والخاص ، بشأن كيفية ترسيخ دعائم التماسك الاجتماعي وتعزيز الدينامية الاقتصادية في إطار تدبير النمو وتنمية المدن . فالحكامة الجيدة وتمويل عملية الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في إطار تنمية الحواضر وكذا التحكم فيها وتوفير السكن الاجتماعي ومكافحة الأوبئة ومشاريع التنمية الحضرية وآليات التنفيذ العمومية ، كلها قضايا تطرح نفسها بحدة في الوقت الراهن بالنسبة لسائر الدول .
حضرات السيدات والسادة ،
تبذل المملكة المغربية على الصعيد المحلي جهودا حثيثة وتعبئ موارد هامة لتحسين ظروف عيش المواطنين في المجالين الحضري والقروي على حد سواء . كما أنها انخرطت بكل عزم في إرساء الدعائم لترسيخ مفهوم جديد للسلطة تهدف من ورائه إلى تغيير طبيعة العلاقة القائمة بين الدولة والمواطن، ويتعلق الأمر هنا بالعمل على أن تكون الإدارة في خدمة المواطن ، قريبة من انشغالاته وحاجياته وأن تنسج معه علاقة تقوم على أساس الاحترام المتبادل والتمسك بمبادئ دولة القانون.
كما انخرط المغرب في مسلسل تطوير البنى الأساسية الكبرى باعتبارها إحدى الدعامات الرئيسية لإعداد التراب فضلا عن إنجاز برامج لإعادة هيكلة مدنه وتأهيلها متوخيا من هذه البرامج إعادة الاعتبار لفضاء المدينة ومواكبة التحولات الهامة التي تعرفها كبريات الحواضر وكذا تطوير المعارف من خلال بناء المتاحف والمكتبات وإدماج التقنيات الجديدة للمعرفة والاتصال . ويظل الهدف الأسمى من هذه المشاريع هو جعل هذه المدن أقطابا اقتصادية تستجيب للمعايير المعمول بها في الحواضر العالمية الأكثر تقدما.
تعد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقناها في مايو 2005 مشروعا طموحا في مجال السياسة العمومية باعتباره يسعى إلى إشراك وتعبئة كافة مكونات المجتمع. فهذه المبادرة ترمي، بالفعل، إلى محاربة الفقر والهشاشة والاقصاء وتروم تحقيق تنمية منسجمة ومستديمة، لذا فإنها في تناسق تام مع المبادئ الأساسية الواردة في الوثيقة التأسيسية لمنظمتكم وكذا مع أهداف الألفية للتنمية فضلا عن انسجامها مع ما جاء في البيان الختامي لرؤساء الدول والحكومات الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجمعات البشرية، سكن 2، المنعقد في اسطانبول عام 1996 حيث تم الاقرار بالحق في السكن اللائق للجميع.
حضرات السيدات والسادة ،
إنني واثق من أن مجلسكم لن يتوانى في اتخاذ تدابير ملموسة وتوصيات عملية في مستوى المهام المنوطة بكم وإقامة جسور التواصل التي من شأنها أن تعزز أواصر التعاون اللامركزي وتدعيم الإدماج على الصعيدين الإقليمي وشبه الإقليمي، باعتباره عاملا من عوامل التقارب بين الشعوب، تلكم العلاقات التي ينبغي أن تكون مبنية على فضائل التضامن والتكامل والتنمية المشتركة.
وإنه ليطيب لي أن أعرب لكم عن مساندة المملكة المغربية التي تشاطر منظمتكم كافة أهدافها وتتبنى طموحاتها المشروعة الرامية إلى تمكين الإنسان من العيش الكريم في جو من الأمن والطمأنينة، وفي ظل وسط سليم يوفر له البنى التحتية الأساسية والتجهيزات المحلية الملائمة. كما تساند الاستراتيجية المعتمدة من لدن منظمتكم سعيا لإثبات وجودها ومكانتها في الحكامة الدولية عن طريق الأمم المتحدة، مؤيدة في نفس الوقت كل ما اتخذ من مبادرات للنهوض بمبادئ اللامركزية التي نتقاسم التشبث بها والمساهمة في بلورة دبلوماسية حقيقية للمدن، وإقرار الديمقراطية المحلية التي تعتبر مطلبا مشروعا، لا سيما وأنها ترتكز على اعتماد سياسة القرب في مواكبة الواقع المعيش للمواطنين.
إن ما أنتم بصدده من تفكير وتأمل وما يحدوكم من إرادة مشتركة لهو خليق بإيجاد الحلول الناجعة في شتى المجالات المحلية، بهدف تحديد السبل والوسائل اللازمة للنهوض بالحكامة الجيدة من الوجهة العملية، وإحكام السيطرة على الفوارق الحضرية، وما تنطوي عليه من مخاطر، وكذا لتيسير التبادل المكثف على الصعيد الترابي بهدف تأمين العيش الأفضل للمواطنين.
أتمنى لكم مقاما طيبا بين ظهرانينا، داعيا لكم بكامل التوفيق والسداد في أشغالكم ".

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته " .