الكلمة السامية التي ألقاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال مأدبة العشاء التي أقامها جلالته بالقصر الملكي بمراكش على شرف فخامة الرئيس الفرنسي السيد نيكولا ساركوزي

مراكش يوم 23/10/2007

" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة السيد رئيس الجمهورية، أصحاب السمو والمعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، يسعدنا أن نستقبل، في هذا المساء البهيج، صديقنا الكبير، فخامة السيد نيكولا ساركوزي، رئيس الجمهورية الفرنسية، والوفد الهام المرافق له، مرحبين بهم بمراكش، هذه الحاضرة العريقة التي ترمز إلى التقاليد المغربية الأصيلة وقيم الانفتاح والتسامح.
وإننا لسعداء، بأن نكرّم في شخص فخامتكم، رئيس أمة عظيمة، يكن لها المغاربة عميق التقدير والاعتبار لما تجسده من قيم الحرية والمساواة.
لقد اخترتم، فخامة الرئيس، أن تخصوا المغرب بأول زيارة دولة تقومون بها خارج أوروبا، وهو ما يؤكد المكانة الفريدة التي تحتلها العلاقات بين بلدينا الصديقين.
وإن ارتياحنا لما حققته شراكتنا من تقدم في شتى المجالات لا يوازيه إلا عزمنا الراسخ على جعل هذه الشراكة النموذجية أكثر متانة وأوفر عطاء.
ونود بهذه المناسبة أن نشيد ، بكل اعتزاز، بجميع الفاعلين الفرنسيين والمغاربة الذين يساهمون، بفضل ما لديهم من مواهب ودينامية وروح الالتزام، في إثراء هذه العلاقات، وتوسيع وتنويع مجالاتها.
وإن الحضور الوازن، لممثلي المقاولات الفرنسية الكبرى لخير شاهد على حيوية الشراكة القائمة بين بلدينا في مختلف الميادين والمفيدة للطرفين.
كما أن الانخراط المتزايد للنسيج الجمعوي ببلدينا في أعمال تقوم على القرب من المواطن ليجسد مدى تنوع علاقاتنا وما يطبعها من روح إيجابية ومبادرات نموذجية.
وإ ن هذه العلاقات ما فتئت تزداد متانة وعمقا بفضل رجال ونساء يساهمون، من خلال رصيدهم الشخصي والإنساني، في التقريب بين شعبينا. وإني لأعتبر هذه المناسبة فرصة ثمينة للتنويه بما تقدمه جالياتنا من مساهمة متميزة في توطيد عرى الصداقة والتقدير، التي تجمع بين شعبينا، وذلكم، فخامة الرئيس، خير دليل على ما تزخر به شراكتنا من طاقات هائلة وما تفتحه من آفاق واعدة.
لذلكم أهيب بكافة الفاعلين أن يضيفوا إلى تاريخنا العريق صفحة أخرى تواكب وتيرة تطور المغرب الجديد الذي يخطو بكل عزم وثبات على درب الحداثة والتقدم والتنمية.
فخامة الرئيس، لقد عززت سياسة الجوار، التي ينهجها الاتحاد الأوروبي، طموح بلدي في أن يحظى "بوضع متقدم"، وضع يضفي على علاقته بالاتحاد البعد الاستراتيجي الجدير به، واثقين من أن بلوغ هذا المبتغى الطموح، الذي يحظى بدعم فرنسا المتواصل، سيرسخ الدور الريادي للمغرب في التقريب بين ضفتي حوض المتوسط. ولنا اليقين، في أن ترؤس فرنسا المقبل للاتحاد الأوروبي سيساهم بشكل فاعل في تحقيق هذا الهدف المنشود.
لقد طرحتم، فخامة الرئيس، مشروعاً يتسم بالجرأة وبعد النظر، ألا وهو مشروع إقامة الاتحاد المتوسطي، وإننا لعازمون على أن نبحث معكم سبل إيجاد مقاربة متقدمة للشراكة المقترحة مع اعتماد أسلوب متجدد وتضامني للتعامل مع شتى الرهانات المطروحة على فضائنا المتوسطي.
وفي هذا الصدد، فإن التحديات العديدة التي تفرضها العولمة، لتقتضي من المنطقة المتوسطية إضفاء المزيد من الملاءمة بين السياسات المتعلقة بالأمن الجماعي والتنمية المستدامة وتدبير الفضاء الثقافي والعقائدي في تناسق تام مع ما نتوخاه من تعزيز لمسلسل برشلونة.
وإن مبادرة إقامة الاتحاد المتوسطي سوف تضع، بدون شك، اللبنات الضرورية لميثاق جديد بين أوروبا وإفريقيا، ميثاق يغدو فيه حوض المتوسط بمثابة المحور وقطب الرحى.
وفي هذا السياق، يحدونا الأمل الوطيد في أن تنبثق عن القمة الثانية لإفريقيا والاتحاد الأوروبي، المزمع عقدها بلشبونة في دجنبر المقبل، آليات مجددة تقوم بشكل فعال بدور المحرك في تحفيز التعاون بين القارتين.
فخامة الرئيس، لقد جعل المغرب من الاندماج المغاربي خيارا استراتيجيا، ومن هذا المنطلق، نؤكد تشبث المملكة الراسخ بضرورة التفعيل الكامل والأمثل لاتحاد المغرب العربي، وفق روح ومنطوق المعاهدة التأسيسية للاتحاد التي رأت النور هنا بمدينة مراكش سنة 1989 .
وإيمانا من المغرب بهذا الخيار المغاربي الوحدوي، فإنه ما فتئ يعمل على تجاوز الصعوبات، التي تعرقل تجسيد هذا المشروع المصيري، بالنسبة لدول المنطقة. ولهذه الغاية، فقد عملت المملكة على تقديم مبادرة صادقة وشجاعة للتفاوض بشأن تخويل أقاليمنا الجنوبية نظام حكم ذاتي لإيجاد حل سياسي نهائي للنزاع المفتعل حول مغربية صحرائنا، وذلك برعاية الأمم المتحدة.
وإننا لنأمل أن يتوصل كافة الشركاء المغاربيين، في أقرب الآجال، إلى بلورة تصور مشترك لمستقبل المنطقة، وأن يقدموا مساهمتهم البناءة في هذا الإطار.
ونود بمناسبة هذه الزيارة المباركة، أن ننوه بالدعم الفاعل لبلدكم الصديق للمبادرة المغربية، وبإشادة فرنسا بالجهود التي تبذلها المملكة المغربية، والتي وصفها مجلس الأمن، بإجماع أعضائه، بالجدية والمصداقية.
فخامة الرئيس، إن المغرب، الذي ظل يسهم بشكل فاعل في الجهود الرامية إلى إيجاد حل عادل ودائم للنزاع في الشرق الأوسط، ليعتبر أن الوضع القائم في هذه المنطقة الحساسة، ولاسيما داخل الأراضي الفلسطينية، يستدعي تضافر جهود كل ذوي النوايا الحسنة لضمان الأمن والاستقرار الإقليميين.
لذا، أصبح من الضروري، وأكثر من أي وقت مضى، الدفع بمسلسل السلام وفق مقاربة شمولية تقوم على مبدإ الأرض مقابل السلام، وعلى الالتزامات والاتفاقيات المبرمة بين الأطراف المعنية.
وفي نفس السياق، وبصفتي رئيساً للجنة القدس، أجدد النداء بضرورة احترام الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف. كما أعرب عن أملي في أن تسهم كل من المباحثات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذا المؤتمر الدولي المرتقب، الذي تقترحه الولايات المتحدة الأمريكية، في الدفع قدماً بالمسار الرامي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في ظل السلم والأمن والاستقرار.
كما أننا منشغلون بالوضع المأساوي في العراق، والصعوبات التي يواجهها، داعين إلى تغليب منطق الحكمة والحوار، لتجاوز المحنة التي يعيشها الشعب العراقي الشقيق، على أساس المصالحة الوطنية والحفاظ على سيادته، ووحدته الترابية.
فخامة الرئيس، في عالم مضطرب، مشحون بشتى نزوعات التعصب والتطرف، يقيم المغرب وفرنسا الدليل القاطع على زيف أطروحة صراع الحضارات وبطلانها، وذلك من خلال عملهما المشترك على إشاعة القيم الكونية النبيلة واحترام التنوع الثقافي وتعزيز الحوار بين الأديان.
ومن منطلق رفضنا الانقياد لمنطق المواجهة، وكأنها قدر محتوم، فإننا سنواصل نضالنا ضد الإرهاب والظلامية والحقد والكراهية.
فخامة الرئيس، إن الشعب الفرنسي، بانتخابكم رئيساً للجمهورية، قد عبر عن ثقته في شخصكم وفي قيادتكم الحازمة باعتباركم رجل دولة متبصر وملتزم متطلع إلى المستقبل، بكل عزم وثبات. ولا غرو، فقد قمتم على الصعيدين الوطني والأوروبي بأعمال قيمة، واعدة بمستقبل ملؤه المزيد من التقدم والازدهار والتألق للشعب الفرنسي الصديق.
كما أن المغرب يشهد بدوره دينامية متواصلة بفعل مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العميقة، التي نقودها بكل حزم والتزام، خدمة لمجتمع متضامن، واثق في قدراته ومنفتح على محيطه الإقليمي. ولا شك في أن لفرنسا البلد الشريك والصديق، دورها المتميز في مسلسل التحديث والتنمية.
ولي اليقين، بأن بلدينا، اللذين يستمدان قوتهما من الأواصر العريقة للتعاون المثالي الذي يجمعهما، سيواصلان تعميق وتنويع شراكتهما الاستراتيجية.
أصحاب السمو والمعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، أدعوكم للوقوف تكريما لفخامة رئيس الجمهورية الفرنسية وتقديرا للصداقة بين المغرب وفرنسا ولعمق علاقاتهما الثنائية المتميزة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".