الكلمة السامية التي ألقاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال حفل عشاء أقامه على شرف جلالته رئيس الجمهورية الايطالية

روما يوم 11/04/2000

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة الرئيس
حضرات السيدات والسادة
تغمرنا سعادة وافرة ونحن نتواجد بينكم في زيارة دولة لايطاليا، ذلك البلد الذي تجمعنا به روابط تاريخية وصداقة متينة كما يسعدنا أن نلتقي برجل دولة كبير نكن له كامل التقدير والاحترام.
ونود في مستهل خطابنا هذا أن نعرب لفخامتكم عن تشكراتنا الخالصة على كلماتكم الترحيبية ومشاعركم الصادقة وعلى حفاوة الاستقبال التي كان لها عميق الأثر في نفوسنا والتي تترجم بصدق حسن الضيافة الايطالية التي هي خاصية مشتركة بين شعوب البحر الأبيض المتوسط.
إن الروابط التي تجمع المغرب وإيطاليا ليست حديثة العهد بل تمتد جذورها في عمق التاريخ وترتكز على أسس متينة يطبعها التفائل الحضاري والانتماء الى الفضاء المتوسطي الذي نمت على ضفافه حضارات متعددة ساهمنا سويا في صنع تأثيراتها الانسانية.
وإن حضورنا اليوم بينكم يعكس عمق الصداقة العريقة بين المغرب وإيطاليا والتي نعتبرها شريكا تقليديا ووفيا. وإننا نستحضر في هذه المناسبة العلاقات بين الدولتين التي تعود إلى القرن التاسع عشر على عهد السلطان مولاي الحسن الأول الذي أرسل أول بعثة دبلوماسية لدى جلالة ملك إيطاليا فكتور ايمانويل الثاني سنة 1878 . وقد شهدت هذه الفترة بداية التعاون المغربي الايطالي وانطلاق التبادل بين البلدين الذي تطور منذ ذلك العهد إلى أن وصل إلى ما نحن عليه اليوم.
كما نستحضر بفخر واعتزاز الزيارة الرسمية لجدنا جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إلى روما مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله. ونستحضر كذلك آخر زيارة قام بها والدنا جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني قدس الله روحه الى روما في نونبر 1991 التي شكلت قفزة نوعية في هذه العلاقات توجت بالتوقيع على اتفاق للصداقة والتعاون بين البلدين.
فخامة الرئيس ..
وانطلاقا من متانة العلاقات القائمة بين بلدينا فان المغرب وايطاليا مدعوان في ظل المرحلة المطبوعة بالتحولات الكبرى الى توسيع وتطوير شراكة متجددة بينهما تفتح آفاقا بعيدة وواعدة وتضامنا أكثر فعالية.
ان العلاقات الاقتصادية بين الدول أصبحت خاضعة لتأثيرات العولمة وما ينتج عنها من تداخلات مما يحثنا على مراجعة وسائل تعاوننا وتكييف آلياتها مع أهداف النمو المستمر والتنمية المستديمة.
إن بناء المؤسسات وتطويرها والاصلاحات الاقتصادية التي شرع فيها المغرب تؤكد اصرارنا على تسريع وتيرة تحديث مجتمعنا في إطار تشبثنا بهويتنا وأصالتنا الحضارية والثقافية. وأن طموحنا من خلال تعاوننا مع إيطاليا هو لدعم هذا المسار سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف.
وبهذا الخصوص فاننا نعرب عن ارتياحنا للحركية الجديدة التي ساهم في خلقها الفاعلون الاقتصاديون الايطاليون لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي منحت فرصا جديدة لتنمية التعاون الصناعي والاستثمارات المختلطة ونقل التكنولوجيا المعاصرة.إن إيطاليا بارثها التاريخي العريق واشعاعها الحضاري تعتبر بالنسبة للمغرب شريكا ثقافيا متميزا. وهذا ما يدفعنا إلى تعزيز مبادلاتنا الثقافية والتربوية والجامعية والعلمية.
كما أن التطور الهام الذي تحقق في جنوب إيطاليا يعتبر مصدرإلهام لنا للاستفادة من خبرة الكفاءات الايطالية لتساعدنا في جهودنا الهادفة إلى تنمية أقاليمنا الشمالية. وهذا ماسيشكل بدون شك لبنة إضافية لهذه الشراكة التي تلتقي فيها المصالح المغربية مع المصالح الايطالية والاوربية بصفة عامة.
فخامة الرئيس ..
إن دخول اتفاق الشراكة بين المغرب والاتحاد الاوربي حيز التنفيذ قد تم في وقت وظروف تثبت جليا الفارق النسبي بين هذا الاطار القانوني المتطور الملاحظ لاقتصادياتنا وحاجيات مجتمعاتنا مما يدفعنا لتجديد تأكيدنا على قناعتنا الثابتة وطموحنا المشروع في أن يكون للمغرب وضع متقدم في علاقاته مع أوربا ينسجم مع خصوصيتنا وتطلعات شعوب المنطقة.
إن ارتباط المغرب بالشراكة الأورو متوسطية يحتم علينا التفكير في اخراج مسلسل برشلونة من الجمود الذي أصابه. كما أن ضرورة انعاشه أصبحت تتطلب اتخاد مبادرات جديدة تعزز جهود البلدان الموجودة في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وتسهل عملية اندماجها في الاقتصاد العالمي.
ومن هذا المنطلق فانه من الضروري تفعيل وتقوية برامج "مـيــدا" حتى تواكب مرحلة الانتقال إل منطقة التبادل الحر. كما أن البرامج المستقبلية يجب أن توجه أساسا للقضايا ذات الأولويات المشتركة بين دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط والانسجام بين الأنظمة الادارية والقانونية والاقتصادية لبلدان الضفتين.
واننا في المغرب العربي بدأنا منذ زمن غير بعيد في محاولات جادة من أجل وضع أسس لتجمع اقليمي يستجيب للتطلعات القوية لشعوب المنطقة. والمغرب تعتبر بناء الاتحاد المغاربي هدفا استراتيجيا ويبذل كل المساعي والجهعود من أجل انعاشه وجعله حقيقة واقعية.
ومن منطلق الايمان بحتمية تحقيق هذا الهدف الاسمى فقد حرص المغرب دوما - رغم كل العراقيل المفتعلة حول استكمال المملكة لوحدتها الترابية – على توفير كل الشروط الكفيلة بتجاوز كل العوائق المصطنعة بهدف الحيلولة دون التطبيق السليم لمخطط التسوية الأممية في هذا الشأن.
فخامة الرئيس ..
إن الأبعاد المتعددة الثنائية المتوسطية والأوربية للعلاقات بين بلدينا الصديقين قد تعززت ببعد جديد متمثل في الشراكة الاستراتيجية الافريقية الاوربية التي وضعت أسسها الصلبة الأولى في قمة القاهرة.
إن تصريح قمة القاهرة ومخطط العلمل الصادر عنه يفتحان عهدا جديدا لشراكة استراتيجية شاملة متجاوزا بذلك المقاربة التجزيئية التي كانت تطبع علاقات الاتحاد الاوربي بافريقيا.
وان المغرب وإيطاليا البلدان اللذان شكلا عبر التاريخ صلة وصل اقتصادية وحضارية وثقافية بين القارتين مدعوان لأن يلعبا دورا رائدا على مستوى اسرتيهما الافريقية والاوربية في تفعيل هذا البعد الجديد لعلاقاتهما بالعمل سويا على قيام شراكة أوربية افريقية تطبعها روح المساواة والتكامل والتعاون وتسودها قيم الديمقراطية والتفاهم والانصاف وتترجم تطلعنا المشترك نحو السلم والاستقرار في العالم.
وانطلاقا من هذه المبادئ عمل بلدانا كل من موقعه على ايجاد سلم دائمة وعادلة وشاملة في منطقة الشرق الأوسط التي تشدنا إليها روابط وثيقة وعريقة سلم يتحقق معها جلاء القوات الاسرائيلية عن الأراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتضمن تعايش كل شعوب المنطقة على أساس قرارات الشرعية الدولية والالتزامات المبرمة بين جميع الأطراف.
فخامة الرئيس ..
ان الثقة والتفاهم اللذين طبعا دائما علاقاتنا تأكدا اليوم بمناخ الانسجام والصراحة الذي ساد مباحثاتنا. واننا لعلى يقين أن نتائج هذه الزيارة ستعطي دفعة جديدة للعلاقات المغربية الايطالية تعود بالنفع على شعبينا وتخدم تقدمهما وازدهارهما.
وأنتهز هذه الفرصة لنعبر باسمنا الخاص وباسم الوفد الموافق لجلالتنا عن تشكراتنا الخالصة لفخامتكم وللشعب الايطالي الصديق على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال .
حضرات السيدات والسادة ..
أدعوكم للوقوف احتراما لفخامة الرئيس الايطالي والسيدة حرمه متمنيا للشعب الايطالي مزيدا من التقدم والازدهار.
والسلام عليكم ورحدة الله تعالى وبركاته''.